الثلاثاء 23 ابريل 2024
الزبيري يبشر بالثورة
الساعة 12:55 مساءً
بلال الطيب بلال الطيب

 

نشأت حركة الأحرار اليمنيين أول ما نشأت وهي تزخر بالخلافات الفكرية نتيجة لعوامل عديدة؛ لعل أبرزها انحصار انفعالات المُستنيرين في مدينة تعز بالمظالم التي كانت تنصب على الرعوي المسكين، فيما لم تتجاوز انفعالات أقرانهم في مدينة صنعاء التضايق من الكبت الفكري القائم. غير أنَّ جلال المـُحاولة الأولى، ورهبة الحكم القاسي فرض على الجميع تقبل بعضهم بعضا، والانخراط في كيان مُوحد كان الأستاذ أحمد محمد نعمان، والقاضي محمد محمود الزبيري دعامته الأساسية؛ بل وأساس وحدته ووحدتنا الوطنية.

عمل الرجلان على كسر كافة الحواجز المـُـعيقة، وحاولا جاهدين إصلاح النظام الإمامي من الداخل، وخلقا من مدينة تعز قضية جامعة، وقدما وباقي الأحرار للإمام يحيى حميد الدين مطالبهم الإصلاحية، كان رفع الظلم عن الرعية المساكين البند الأول فيها، ليتعمق الأستاذ النعمان في ذات الأوجاع والمطالب في رسالة شهيرة أسماها «الأنـَّـة الأولـى»، مُوجهة لـولي العهد أحمد يحيى حميد الدين 1937م.

جاء في مُقدمة تلك الأنَّة: «يا صاحب السمو، إنَّ أشد آلام الإنسان هو الألم الذي لا يستطيع أنْ يشكوه، فما أشد آلام رعيتكم، وما أعجزهم عن الشكوى؛ بل ما أخوفهم من الأنين والتوجع والتأوه، هؤلاء رعيتكم يناشدونكم العدل والإنصاف، فقد انقطع أملهم بعد الله إلا منكم، وقلَّ رجاؤهم إلا فيكم، فهل لكم أنْ تجعلوا حدًا للمصائب النازلة بهم، والمظالم التي أقضت مضاجعهم، وسلبت راحتهم، وأقلقت بالهم، وكانت هي أكبر عامل في تفضيلهم البلاد الأجنبية على وطنهم، والهجرة على الإقامة».

كان القاضي الزبيري لا يعرف شيئًا عن تلك المظالم، حتى رآها أثناء تواجده في لواء تعز بأم عينيه، عبر حينها عن امتعاضه الشديد، وقال مُتألمـًا: «أول نبضة من نبضات الوطنية أحسستها جياشة في قلبي، فوارة في دمي، كانت في قضاء "القماعرة" حيث رأيت مشاهد من الظلم، والاضطهاد، والسلب، والنهب، تشمئز لها نفس الحر الكريم.. لقد كان ما رأيته مُفاجأة لم أكن أتصورها، فأخذت لأول مرة أكتب رسالة عما شاهدته من فظائع، وأندد بالأوضاع القائمة.. ومن هنا كان في مقدمات مطالب الأحرار إلغاء الخطاط، والتنافيذ، والتخمين، وجعل الزكاة أمانة».

وهو ما عبر عنه بعد ذلك شعرًا في قصيد طويلة أسماها «العجوز وعسكري الإمام» فُقدت للأسف الشديد مُعظم أبياتها، ومما قاله على لسان العسكري:

نعم أنـــا البطل المغــــوار جئـــت إلى

عجـــــوزة لم يهـــذب طبـــعها الهرم

إنــَّا جنــود أميـــر المؤمنــيـــــن فلِمَ

لا تـذبحي الكبش يا حمقاء دونهمو؟

اين الـدجاجة؟ أين القات فــــابتدري

إنـَّـا جيــــاع ومــا في حيـكم كـــرمُ

وهو ما عبر عنه أيضًا بصورة أكثر شمولًا في قصيدة «صرخة إلى النائمين»، ومنها نقتطف:

والجيــــــشُ يحتــلّ البلادَ ومــا لَـه

في غيــرِ أكــواخِ الضعيفِ مـقـامُ

يَسْطُــو وينــــهبُ مـا يشاءُ كــــأنّما

هُــــــوَ للخـليــفةِ مِعْـــولٌ هــــدّامُ

نثــــرُوا بـأنحــاءِ البـلادِ ودمّــرُوا

عُمْــــرانها فـكـأنهــــــمْ ألغــــامُ

أكلوا لُبــابَ الأرض واختصُّـوا بها

وذوُو الخصاصـةِ واقفـــون صـيــامُ

وكــــأنَّهم هــم أوجـدوا الـدنـيـا وفي

أيـــديــهمُ تــــَـتحـــرَّكُ الأجـــرام

وفي بداية العام 1941م ذهب القاضي الزبيري إلى صنعاء لتقديم برنامج «جمعية الأمر بالمعروف» إلى الإمام يحيى، وهو برنامج إصلاحي شامل يقع في 22 صفحة من القطع الصغير، ومقدمة كتبها بنفسه، متبوعة بـــ 37 مادة تحت عنوان: «ماذا نريد أنْ نفعل»، وكانت جميع المواد تدور حول التمسك بالإسلام الصحيح، والدعوة إلى تطوير جميع مرافق البلاد المالية، والصناعية، والإدارية، وإزالة الظلم عن الرعية المساكين.

وهو الأمر الذي أغضب الإمام الطاغية عليه، فشكل لجنة لمُحاكمته برئاسة القاضي زيد الديلمي، وحين تأخر الأخير في إصدار الحكم، وجه بحبسه وعدد من الأحرار في سجن المشبك في جبال الأهنوم.

بعد تسعة أشهر من المُعاناة، وبعد عدد من المُناشدات الاستعطافية، أفرج الإمام يحيى عن القاضي الزبيري وأصحابه ديسمبر 1941م، فتوجه الأخير إلى مدينة تعز، وهناك حاول ورفيق دربه الأستاذ النعمان وعدد من الأحرار المـُستنيرين التقرب أكثر من أمير اللواء، وولي العهد أحمد يحيى حميد الدين، لا حبًا في الأخير؛ بل أملًا في إصلاحه، بعد أنْ يئسوا من إصلاح والده.

كان ولي العهد أحمد قد بدأ بالتقرب من رجالات ذلك العهد المُستنيرين، والذين توافدوا إلى مقر إقامته من كل أنحاء اليمن؛ لهذا السبب، ولسبب آخر تمثل بأنَّ تعز كانت حينها - كما أفاد عبدالله البردوني - شديدة الاختلاف عن صنعاء بنزوعها التجاري، وكثرة خيوط اتصالها بعدن المُحتلة آنذاك، وبسائر الأقطار المُنتجة للبضائع أو المصدرة لها.

وُجِدت في مدينة تعز المكتبات، وتوافدت إليها الكتب، والصحف، والمجلات، وأصبحت تبعًا لذلك أصح مَناخًا من غيرها لتتبع جديد الأخبار، وكان الوافدون إليها أكثر ميولًا إلى ما فيها من حداثة مهما كان نوعها؛ وهو الأمر الذي عجل بسرعة تلقي مُعظمهم للأفكار التحررية.

وعن تلك المُحاولة قال القاضي الزبيري مُوضحًا: «ولقد ولدت القضية الوطنية هناك في تعز، في صورة قصائد كنا نلقيها على الجماهير في محافل الأعياد الضخمة لولي العهد، لقد كان عملنا يُعتبر تقدمية، ونهضة، وجرأة على تطور الأساليب القديمة في الأدب والشعر، وجرأة على الظهور والطموح والتبشير بوجود عصر حديث لم يكن للناس به علم في بلدنا».

وأضاف مُتحدثًا عن محاولاتهم الإصلاحية بشكل عام: «لقد كانت تجربة خصبة عميقة، كسبنا منها الأساس الأول للثورة، وهو اليقين باستحالة تغيير الإمام يحيى عن غير طريق القوة، ولم يكن هذا اليقين الثوري ليحصل إلا بعد المرور على كل هذه التجارب، وأهمها في رأيي استعطاف الشعر بكل ما فيه من تأثير عاطفي شديد».

واستدرك مُتحدثًا عن محاولتهم الأولى: «إنَّ محاولة إقناع الإمام يحيى بواسطة الفكر الديني، ثم المدائح الشعرية التي قُدمت إليه في هذه المرحلة التجريبية كلها تعتبر وثائق تاريخية، تدل على المحاولات الجادة لإقناع الإمام بالحكمة، وبأرق الوسائل الودية كي يسمح بالتطور الإصلاحي المنشود، ولا يستطيع أحد في المـُستقبل القريب أو البعيد أنْ يزعم بأنَّ الإمام يحيى عارض الإصلاح خوفًا على الدين، فإنَّ التجربة قدمت نفسها كدين..».

كان القاضي الزبيري - كما أفاد الدكتور عبدالعزيز المقالح - شاعرًا يستوعب التحول الموضوعي للواقع، ويبشر بالثورة الكاملة، وذلك على الرغم من نشأته الصوفية الدينية، وعلى الرغم كذلك من مُحاولاته الدائبة على أنْ لا يتجاوز المألوف - مسايرة منه لعقلية الغالبية العظمى من أبناء شعبه، حتى ينفذ إلى أعماقهم، ويكشف مواطن الداء فيها قبل أن ينفروا من دعوته لتحرر الوطن من الطغيان، وحتى لا يستجيبوا لدُعاة التخلف الذين يرون في كل اتجاه نحو العدل الاجتماعي خروجًا عن الدين، ومُروقًا على مبادئه الأساسية.

مطالب الأحرار الأوائل الإصلاحية كانت داعية في الأساس إلى المساواة، والعدالة الاجتماعية، وتطبيق شرع الله، لتُركز مُقترحاتهم الاقتصادية فيما بعد على إيجاد مصادر أخرى لدخل الدولة، تخفف من حدة تلك الجبايات التعسفية التي اثقلت كاهل الرعية، وهي مطالب - للأسف الشديد - لم يُعرها الأئمة الطُغاة أي اهتمام؛ بل ازدادوا عُتوًا ونفورًا، وظُلمًا وفجورًا، حتى أنَّ زوال ذلك الطغيان كان بنظر الرعية المساكين ضربًا من المـُحال.

وحين تبدد ذلك الظلم بفعل الثورة السبتمبرية المـُباركة، والتي كان أبناء أولئك الرعية ركيزتها الأساسية، كانت دعوة أي مكلوم على أي ظالم مُستجد تلخصها هذه العبارة: «زالك ما أزال بيت حميد الدين»

بلال الطيب

نشأت حركة الأحرار اليمنيين أول ما نشأت وهي تزخر بالخلافات الفكرية نتيجة لعوامل عديدة؛ لعل أبرزها انحصار انفعالات المُستنيرين في مدينة تعز بالمظالم التي كانت تنصب على الرعوي المسكين، فيما لم تتجاوز انفعالات أقرانهم في مدينة صنعاء التضايق من الكبت الفكري القائم. غير أنَّ جلال المـُحاولة الأولى، ورهبة الحكم القاسي فرض على الجميع تقبل بعضهم بعضا، والانخراط في كيان مُوحد كان الأستاذ أحمد محمد نعمان، والقاضي محمد محمود الزبيري دعامته الأساسية؛ بل وأساس وحدته ووحدتنا الوطنية.

عمل الرجلان على كسر كافة الحواجز المـُـعيقة، وحاولا جاهدين إصلاح النظام الإمامي من الداخل، وخلقا من مدينة تعز قضية جامعة، وقدما وباقي الأحرار للإمام يحيى حميد الدين مطالبهم الإصلاحية، كان رفع الظلم عن الرعية المساكين البند الأول فيها، ليتعمق الأستاذ النعمان في ذات الأوجاع والمطالب في رسالة شهيرة أسماها «الأنـَّـة الأولـى»، مُوجهة لـولي العهد أحمد يحيى حميد الدين 1937م.

جاء في مُقدمة تلك الأنَّة: «يا صاحب السمو، إنَّ أشد آلام الإنسان هو الألم الذي لا يستطيع أنْ يشكوه، فما أشد آلام رعيتكم، وما أعجزهم عن الشكوى؛ بل ما أخوفهم من الأنين والتوجع والتأوه، هؤلاء رعيتكم يناشدونكم العدل والإنصاف، فقد انقطع أملهم بعد الله إلا منكم، وقلَّ رجاؤهم إلا فيكم، فهل لكم أنْ تجعلوا حدًا للمصائب النازلة بهم، والمظالم التي أقضت مضاجعهم، وسلبت راحتهم، وأقلقت بالهم، وكانت هي أكبر عامل في تفضيلهم البلاد الأجنبية على وطنهم، والهجرة على الإقامة».

كان القاضي الزبيري لا يعرف شيئًا عن تلك المظالم، حتى رآها أثناء تواجده في لواء تعز بأم عينيه، عبر حينها عن امتعاضه الشديد، وقال مُتألمـًا: «أول نبضة من نبضات الوطنية أحسستها جياشة في قلبي، فوارة في دمي، كانت في قضاء "القماعرة" حيث رأيت مشاهد من الظلم، والاضطهاد، والسلب، والنهب، تشمئز لها نفس الحر الكريم.. لقد كان ما رأيته مُفاجأة لم أكن أتصورها، فأخذت لأول مرة أكتب رسالة عما شاهدته من فظائع، وأندد بالأوضاع القائمة.. ومن هنا كان في مقدمات مطالب الأحرار إلغاء الخطاط، والتنافيذ، والتخمين، وجعل الزكاة أمانة».

وهو ما عبر عنه بعد ذلك شعرًا في قصيد طويلة أسماها «العجوز وعسكري الإمام» فُقدت للأسف الشديد مُعظم أبياتها، ومما قاله على لسان العسكري:

نعم أنـــا البطل المغــــوار جئـــت إلى

عجـــــوزة لم يهـــذب طبـــعها الهرم

إنــَّا جنــود أميـــر المؤمنــيـــــن فلِمَ

لا تـذبحي الكبش يا حمقاء دونهمو؟

اين الـدجاجة؟ أين القات فــــابتدري

إنـَّـا جيــــاع ومــا في حيـكم كـــرمُ

وهو ما عبر عنه أيضًا بصورة أكثر شمولًا في قصيدة «صرخة إلى النائمين»، ومنها نقتطف:

والجيــــــشُ يحتــلّ البلادَ ومــا لَـه

في غيــرِ أكــواخِ الضعيفِ مـقـامُ

يَسْطُــو وينــــهبُ مـا يشاءُ كــــأنّما

هُــــــوَ للخـليــفةِ مِعْـــولٌ هــــدّامُ

نثــــرُوا بـأنحــاءِ البـلادِ ودمّــرُوا

عُمْــــرانها فـكـأنهــــــمْ ألغــــامُ

أكلوا لُبــابَ الأرض واختصُّـوا بها

وذوُو الخصاصـةِ واقفـــون صـيــامُ

وكــــأنَّهم هــم أوجـدوا الـدنـيـا وفي

أيـــديــهمُ تــــَـتحـــرَّكُ الأجـــرام

وفي بداية العام 1941م ذهب القاضي الزبيري إلى صنعاء لتقديم برنامج «جمعية الأمر بالمعروف» إلى الإمام يحيى، وهو برنامج إصلاحي شامل يقع في 22 صفحة من القطع الصغير، ومقدمة كتبها بنفسه، متبوعة بـــ 37 مادة تحت عنوان: «ماذا نريد أنْ نفعل»، وكانت جميع المواد تدور حول التمسك بالإسلام الصحيح، والدعوة إلى تطوير جميع مرافق البلاد المالية، والصناعية، والإدارية، وإزالة الظلم عن الرعية المساكين.

وهو الأمر الذي أغضب الإمام الطاغية عليه، فشكل لجنة لمُحاكمته برئاسة القاضي زيد الديلمي، وحين تأخر الأخير في إصدار الحكم، وجه بحبسه وعدد من الأحرار في سجن المشبك في جبال الأهنوم.

بعد تسعة أشهر من المُعاناة، وبعد عدد من المُناشدات الاستعطافية، أفرج الإمام يحيى عن القاضي الزبيري وأصحابه ديسمبر 1941م، فتوجه الأخير إلى مدينة تعز، وهناك حاول ورفيق دربه الأستاذ النعمان وعدد من الأحرار المـُستنيرين التقرب أكثر من أمير اللواء، وولي العهد أحمد يحيى حميد الدين، لا حبًا في الأخير؛ بل أملًا في إصلاحه، بعد أنْ يئسوا من إصلاح والده.

كان ولي العهد أحمد قد بدأ بالتقرب من رجالات ذلك العهد المُستنيرين، والذين توافدوا إلى مقر إقامته من كل أنحاء اليمن؛ لهذا السبب، ولسبب آخر تمثل بأنَّ تعز كانت حينها - كما أفاد عبدالله البردوني - شديدة الاختلاف عن صنعاء بنزوعها التجاري، وكثرة خيوط اتصالها بعدن المُحتلة آنذاك، وبسائر الأقطار المُنتجة للبضائع أو المصدرة لها.

وُجِدت في مدينة تعز المكتبات، وتوافدت إليها الكتب، والصحف، والمجلات، وأصبحت تبعًا لذلك أصح مَناخًا من غيرها لتتبع جديد الأخبار، وكان الوافدون إليها أكثر ميولًا إلى ما فيها من حداثة مهما كان نوعها؛ وهو الأمر الذي عجل بسرعة تلقي مُعظمهم للأفكار التحررية.

وعن تلك المُحاولة قال القاضي الزبيري مُوضحًا: «ولقد ولدت القضية الوطنية هناك في تعز، في صورة قصائد كنا نلقيها على الجماهير في محافل الأعياد الضخمة لولي العهد، لقد كان عملنا يُعتبر تقدمية، ونهضة، وجرأة على تطور الأساليب القديمة في الأدب والشعر، وجرأة على الظهور والطموح والتبشير بوجود عصر حديث لم يكن للناس به علم في بلدنا».

وأضاف مُتحدثًا عن محاولاتهم الإصلاحية بشكل عام: «لقد كانت تجربة خصبة عميقة، كسبنا منها الأساس الأول للثورة، وهو اليقين باستحالة تغيير الإمام يحيى عن غير طريق القوة، ولم يكن هذا اليقين الثوري ليحصل إلا بعد المرور على كل هذه التجارب، وأهمها في رأيي استعطاف الشعر بكل ما فيه من تأثير عاطفي شديد».

واستدرك مُتحدثًا عن محاولتهم الأولى: «إنَّ محاولة إقناع الإمام يحيى بواسطة الفكر الديني، ثم المدائح الشعرية التي قُدمت إليه في هذه المرحلة التجريبية كلها تعتبر وثائق تاريخية، تدل على المحاولات الجادة لإقناع الإمام بالحكمة، وبأرق الوسائل الودية كي يسمح بالتطور الإصلاحي المنشود، ولا يستطيع أحد في المـُستقبل القريب أو البعيد أنْ يزعم بأنَّ الإمام يحيى عارض الإصلاح خوفًا على الدين، فإنَّ التجربة قدمت نفسها كدين..».

كان القاضي الزبيري - كما أفاد الدكتور عبدالعزيز المقالح - شاعرًا يستوعب التحول الموضوعي للواقع، ويبشر بالثورة الكاملة، وذلك على الرغم من نشأته الصوفية الدينية، وعلى الرغم كذلك من مُحاولاته الدائبة على أنْ لا يتجاوز المألوف - مسايرة منه لعقلية الغالبية العظمى من أبناء شعبه، حتى ينفذ إلى أعماقهم، ويكشف مواطن الداء فيها قبل أن ينفروا من دعوته لتحرر الوطن من الطغيان، وحتى لا يستجيبوا لدُعاة التخلف الذين يرون في كل اتجاه نحو العدل الاجتماعي خروجًا عن الدين، ومُروقًا على مبادئه الأساسية.

مطالب الأحرار الأوائل الإصلاحية كانت داعية في الأساس إلى المساواة، والعدالة الاجتماعية، وتطبيق شرع الله، لتُركز مُقترحاتهم الاقتصادية فيما بعد على إيجاد مصادر أخرى لدخل الدولة، تخفف من حدة تلك الجبايات التعسفية التي اثقلت كاهل الرعية، وهي مطالب - للأسف الشديد - لم يُعرها الأئمة الطُغاة أي اهتمام؛ بل ازدادوا عُتوًا ونفورًا، وظُلمًا وفجورًا، حتى أنَّ زوال ذلك الطغيان كان بنظر الرعية المساكين ضربًا من المـُحال.

وحين تبدد ذلك الظلم بفعل الثورة السبتمبرية المـُباركة، والتي كان أبناء أولئك الرعية ركيزتها الأساسية، كانت دعوة أي مكلوم على أي ظالم مُستجد تلخصها هذه العبارة: «زالك ما أزال بيت حميد الدين»


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار