السبت 20 ابريل 2024
الاقتصاد الوطني والبناء السياسي
الساعة 01:44 مساءً
ثابت الأحمدي ثابت الأحمدي

كانت الاقتصاديات الكلاسيكية فيما مضى من الزمن مفصولة إلى حد كبير عن السياسة وشؤونها، وعن بقية مجالات الحياة العامة، وعادة لا تتأثر الاقتصاديات بالمجالات الأخرى إلا في حدها الأدنى. ولهذا رأينا بعضا من الأعراق والقبائل المتوحشة تغزو دولا وامبراطوريات عظمى، بل وتنتصر عليها، كما كان مع قبائل القوط والامبراطورية الرومانية الغربية، وأيضا مع قبائل منشوريا في وسط آسيا وغزوها للصين، وهي قبائل تعيش حالة متخلفة على كل المستويات، ومنها المستوى الاقتصادي. وهذا الأمر غير ممكن اليوم، فلم يعد بوسع أقلية صغيرة غزو دولة مجاورة لها، ناهيك عن الانتصار عليها. هذه إشارة قد تبدو خارج السياق الذي نتكلم عنه، وهي ــ في الواقع ــ من صلب حقيقته؛ لأن الاقتصاد اليوم رديف السياسة، بل ونظيره المقابل بصورة مباشرة، ولا يمكن النهوض لأي دولة إلا بالاقتصاد، والاقتصاد المدروس والمخطط له، لا الاقتصاد الريعي التقليدي، كما كان الأمر سابقا.

وربما استطاعت شركة اقتصادية عملاقة أن تغزو بلدا كبيرا وتنتصر عليه: شركة الهند الشرقية البريطانية أنموذجا.

الاقتصاد الوطني اليوم شريك أساسي في صناعة التنمية، لا من خلال استيعاب الأيدي العاملة فحسب التي تمتصها هذه الشركات وتوفر لها الحد الأدنى من المعيشة، وإنما من خلال تقديم الخدمات الأخرى في مختلف المجالات، ورعاية المهارات والابتكارات المتجددة للعاملين فيها، وصناعة جيل يعتمد في دخله على القوى العقلية بدلا عن القوة العضلية؛ ناهيك عن كمية الضرائب والجمارك التي ترفد ميزانية الدولة، ويعود ريعها على المواطن.

إن قوة الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية في جزء كبير منها تكمن في تعدد شركاتها الاقتصادية التي يمتلكها الأفراد والمجموعات، ولا تمتلكها الدولة ذاتها؛ بل ربما كانت الدولة مدينة لهذه الشركة أو تلك. وهذا نمط سياسي اقتصادي منتشر على طول أوروبا وعرضها، وليس في الولايات المتحدة الأمريكية فحسب؛ بل وفي دول أخرى كانت اشتراكية شيوعية بحتة، وتحولت اليوم إلى المزج بين النظامين: الشيوعي والرأسمالي كاليابان والصين. أمام الدولة اليوم ملفات كبيرة ومعقدة، ومن أهمها الملف الاقتصادي الذي يستدعي بنية تشريعية وتقنينية متقدمة، خلاف البنية التشريعية السابقة المواكبة للمتغيرات الجديدة، والتي تقتضي من الاقتصاد الخاص والأهلي أن يكون مساهما مباشرا في التخفيف من الفقر وفي التنمية المستدامة، وفي صناعة مواطن يتجاوز معاناة الهم اليومي، المتمثل في القوت الضروري. ولا يتأتى هذا إلا بقوانين ولوائح نافذة تحمي المستثمر من تغول النافذين والمبتزين خارج الأطر القانونية كما تحمي المستهلك نفسه من جشع التاجر نفسه.

التجارة تنطوي على أهداف وسلوكيات أخلاقية بالمقام الأول قبل أن تتغيا الربح المادي المباشر، لهذا تحتاج إلى تسهيلات رسمية تعود نتائجها على المواطن مباشرة، وهو ما ينبغي أن تضعه الدولة نصب عينيها في الفترة القادمة، ليشعر الناس بعطف الدولة وهيبتها معا.


آخر الأخبار