آخر الأخبار


السبت 21 يونيو 2025
بقلم: ميشلين ماينارد - قبل ثماني سنوات، لو سألت أحدًا عن الدول المنتجة للقهوة، لأجابك على الأرجح: البرازيل، كولومبيا، إثيوبيا، أو إندونيسيا. قلة من الناس كانت ستذكر اليمن، رغم أنه يُعتبر مهد القهوة عالميًا، حيث استمدت مدينة المخا الساحلية اسمها الشهير "موكا" الذي ألهم زراعة القهوة وتحضير مشروباتها.
اليوم، في عام 2025، أصبحت القهوة اليمنية واحدة من أبرز الاتجاهات الجديدة في الولايات المتحدة. من ديترويت إلى بروكلين، ومن هيوستن إلى شيكاغو، وصولًا إلى الولايات الغربية، تنتشر المقاهي التي تقدم القهوة اليمنية التقليدية بشكل متسارع.
الأسواق الأمريكية تشهد ازدهارًا لعلامات تجارية مستقلة مثل "سقطرى كوفي هاوس" في آن آربر بولاية ميشيغان، بالإضافة إلى علامات ناشئة مثل "هَرَز"، "موكا آند كو"، و"بيت المخا"، التي بدأت توسع حضورها داخل ميشيغان وخارجها.
ويعود الفضل في هذا الانتشار جزئيًا إلى إبراهيم الحسباني، مؤسس سلسلة "قهوة هاوس"، التي تُعد الأشهر في تقديم القهوة اليمنية في أمريكا. (كلمة "كوفي" تعني القهوة باللغة العربية). بدأ الحسباني عمله عام 2017 من متجر صغير في شارع شيفر في ديربورن بولاية ميشيغان، بالقرب من حدود مدينة ديترويت.
ومنذ ذلك الحين، توسعت السلسلة إلى عدة فروع في منطقة ديترويت ووصلت إلى حوالي 25 فرعًا على مستوى الولايات المتحدة. وقد افتُتح أحدث فرع هذا الشهر في لونغ آيلاند، بينما تُخطط الشركة لافتتاح فروع جديدة في ولايتي فيرجينيا وإنديانا.
الحسباني، الذي تنتمي أسرته إلى مزارعي البن في اليمن، كان يعمل في وظيفتين – كموظف لخدمة الركاب في المطار ومندوب عرض لشركة نستله – عندما افتتح أول مقهى له. استخدم مدخراته التقاعدية وبطاقاته الائتمانية وماكينة إسبرسو من منزله لبدء مشروعه الصغير، الذي عرّف الأمريكيين على نكهة لم يكونوا قد جربوها من قبل.
أين تُزرع القهوة اليمنية؟
تقع الجمهورية اليمنية في الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، وتحدها السعودية من الشمال، وتطل على البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي. يُعتبر اليمن بلدًا جافًا وجبليًا إلى حد كبير، وهو من أفقر دول الشرق الأوسط وأفريقيا، وما زال يعاني من حرب أهلية مستمرة منذ عام 2014.
تتركز مناطق زراعة البن في اليمن على الحافة الغربية للبلاد، مع وجود بعض المزارع في الجنوب. وعلى عكس الدول التي تمتلك مزارع تجارية ضخمة، يزرع البن اليمني مزارعون محليون مثل عائلة الحسباني. يُزرع البن على المرتفعات العالية، ثم يتم طحنه وتجفيفه وتحميصه تحت أشعة الشمس.
هذه العملية الدقيقة ترفع تكلفة البن مقارنة بأنواع القهوة الأخرى. يبلغ سعر القهوة اليمنية في المقاهي حوالي 30 دولارًا للرطل (نحو 450 جرامًا)، وقد يرتفع السعر بناءً على منطقة الزراعة. إلى جانب محاصيل عائلته، يتعامل الحسباني حاليًا مع نحو 100 محمصة قهوة، ويأمل أن يرتفع العدد إلى 200 قريبًا.
كيف انطلقت القهوة اليمنية في أمريكا؟
يقول فيون بولر، صاحب موقع "ذا بور أوفر" المهتم بالقهوة والمُدار من اسكتلندا، إن القهوة اليمنية وجدت قاعدة زبائن متحمسة خلال العقود الأخيرة، تزامنًا مع الانتقال من القهوة التقليدية إلى العلامات التجارية الكبرى مثل ستاربكس، ثم إلى موجة المقاهي المتخصصة.
وأضاف: "عشاق القهوة المتخصصة لديهم استعداد دائم لتجربة أنواع جديدة ونكهات مختلفة."
راندى تشابمان، الشريك والمدير الإداري لشركة "أليكس بارتنرز" لتحليل الأسواق، يشير إلى أن نجاح القهوة اليمنية جاء نتيجة التقاء عاملين: الأول هو النمو السريع للجالية العربية الأمريكية، والثاني هو بحث جميع المستهلكين - بغض النظر عن خلفياتهم - عن منتج أصيل وعالي الجودة.
في ديربورن، التي يشكل العرب الأمريكيون أكثر من 50% من سكانها البالغ عددهم 105,000 نسمة، كانت البداية المنطقية لـ "قهوة هاوس". اليوم، أصبحت ديربورن تُعرف كمركز مزدهر للقهوة اليمنية في أمريكا، حيث تحتضن ما لا يقل عن 20 مقهى يمني، وتستضيف أسبوع القهوة السنوي في سبتمبر.
لكن الحسباني يؤكد أن الإقبال تجاوز حدود الجالية العربية. بعد ديربورن، افتتح فرعه الثاني في حي ويليامزبرغ في بروكلين، ومنذ ذلك الحين ظهرت علامات تجارية أخرى تقدم القهوة اليمنية.
يقول الحسباني: "نحن فخورون بأننا كنا الأوائل، ونحن ندعم كل من يفتح متجرًا بعدنا. كلما زاد عدد المتاجر، زادت حصة القهوة اليمنية في السوق."
القهوة اليمنية ليست مشروبًا واحدًا
تتميز القهوة اليمنية بنكهاتها الحلوة وطابعها الريفي مقارنة بالقهوة الإيطالية أو الجنوب أمريكية. تُقدّم القهوة اليمنية عادة بثلاثة أنواع: تحميص خفيف، تحميص داكن، ونوع خالٍ من الكافيين يُعرف بـ "قشر"، وهو مشروب يُحضّر من قشور حبوب البن.
تقدم معظم المقاهي اليمنية القهوة بأسلوب "البَور أوفر"، وهي طريقة تُشرب على مهل للاستمتاع بالنكهة. يقدم بعضها قهوة مع العسل، بينما يجمع "اللاتيه اليمني" بين العسل والتوابل والحليب بنكهات قريبة من الإسبرسو.
مشروب "قشر" هو نوع من الشاي المنقوع يشبه نكهة القهوة لكن دون الكافيين.
تقدّم أيضًا القهوة المثلجة (الفرابتشينو) بنكهات متنوعة مثل البندق، الفستق، الكراميل، والشوكولاتة. مؤخرًا، انتشرت مشروبات مستوحاة من "شوكولاتة دبي" التي تمزج الشوكولاتة الداكنة مع شراب الفستق والحليب وتُزيّن بعجينة الكنافة.
تجربة فريدة في المقاهي اليمنية
عند دخولك إلى "قهوة هاوس" أو أي مقهى يمني آخر، ستلاحظ على الفور جوًا مختلفًا عن ستاربكس أو حتى المقاهي المحلية. يقول بولر: "الديكور في هذه المقاهي مميز، حيث يبتعد عن البساطة المبالغ فيها التي تتبناها كثير من المقاهي الحديثة، كما أن القهوة والمأكولات التي تقدمها مختلفة تمامًا."
غالبًا ما تزين الجدران جداريات تمثل مناظر من اليمن أو صورًا عائلية للمالك. كما تتزين الفروع بصالات عرض كبيرة للحلويات والمخبوزات. الزبائن من مختلف الأعمار: كبار السن، أمهات مع أطفالهن، طلاب يدرسون أو يتسامرون.
عندما احتفلت "سقطرى كوفي هاوس" بالذكرى السنوية الأولى في سبتمبر الماضي، نظّمت حفلاً مجانيًا لزبائنها شمل الشاي والحلويات والأطعمة التقليدية، مع موسيقى حية وكيك ضخم شارك مئات الحضور في تناوله.
خلال شهر رمضان، تزدحم هذه المقاهي بعد غروب الشمس. كثير من المقاهي التي تخدم الجالية المسلمة تظل مفتوحة حتى ساعات متأخرة، لتستقبل العائلات بعد وجبة الإفطار لتناول القهوة والحلويات.
يقول بولر: "هذه المقاهي تبني مفهوم 'المكان الثالث'، فهي ليست المنزل ولا العمل، بل مساحة مجتمعية للتجمع والبقاء لفترات طويلة. كما أن ساعات عملها المتأخرة تمنح الناس خيارًا اجتماعيًا بديلًا عن البارات التي تقدم الكحول."
القهوة اليمنية تنافس العمالقة
رغم انتشار القهوة اليمنية مؤخرًا، إلا أن الطريق ما زال طويلًا للوصول إلى حجم سلاسل القهوة الكبرى مثل ستاربكس التي تضم 17 ألف فرع في أمريكا، ودانكن التي تمتلك حوالي 10 آلاف فرع، وداتش بروز التي وصلت إلى ألف فرع.
كما أن تكلفة الاستثمار في "قهوة هاوس" ليست زهيدة. وفقًا لمنصة "The FDD Exchange"، تتراوح تكلفة افتتاح فرع جديد ما بين 656 ألف دولار إلى مليون دولار، بما في ذلك رسوم ترخيص قدرها 199 ألف دولار تُدفع للشركة.
ورغم التحديات الاقتصادية التي دفعت بعض سلاسل المطاعم إلى التراجع، يرى تشابمان أن أمام القهوة اليمنية فرصة كبيرة للنمو خاصة في الشمال الشرقي وفلوريدا "حيث لا تزال هذه العلامة أقل حضورًا."
لكن توسع العلامة قد يواجه عقبات، أبرزها استمرار الحرب الأهلية في اليمن، وقرار الرئيس دونالد ترامب الأخير في 4 يونيو بإدراج اليمن ضمن قائمة 12 دولة يُمنع أو يُقيّد مواطنوها من السفر إلى الولايات المتحدة. كما تُفرض حاليًا رسوم جمركية بنسبة 10% على السلع المستوردة من اليمن.
ورغم ذلك، تواصل القهوة اليمنية جذب قاعدة عملاء وفية. يقول تشابمان: "يجب أن نعترف أن العرب الأمريكيين يتمسكون بثقافتهم وعاداتهم. طبيعة مجتمعهم تخلق هذا الطلب. لا أعتقد أن بإمكانك تحقيق النجاح نفسه مع أي مجموعة ثقافية أخرى."
ويؤكد الحسباني، المالك الوحيد لشركة "قهوة هاوس" وعدد من فروعها، أنه تلقى عروضًا من مستثمرين. يقول: "هناك من يرغب في شراء حصص وتوسيع العلامة وتحويلها إلى اسم ضخم." كما أنه يعمل حاليًا على تطوير علامة تجارية ثانية تقدم مكونات من دول أخرى.
لكنه في الوقت ذاته يتمسك بمبدأه الأساسي: "قهوة هاوس ستظل تقدم القهوة اليمنية فقط. نريد أن نبني هذه العلامة التجارية لحياتي، وما بعد حياتي."
إنهاء خطر إيران لن يفجر المنطقة بل سيحررها
سيطرة لا إدارة
مشير من دون لاشئ: حين تمنح النياشين على مقاعد الولاء
الريال اليمني تحت رحمة فوضى أسواق الصرف