آخر الأخبار


الاثنين 19 مايو 2025
على هضبة تعصف بها الرياح، عالية فوق البحر العربي، تحتضن سينا كياني شتلة بالكاد تصل إلى كاحلها. هذه النبتة الصغيرة، المحمية بسياج بدائي من الخشب والسلك، هي نوع من أشجار دم التنين — وهي فصيلة لا توجد إلا في جزيرة سقطرى اليمنية، وتصارع الآن للبقاء في وجه تهديدات متزايدة ناجمة عن تغيّر المناخ.
تقول كياني، التي تدير عائلتها مشتلاً مكرسًا لحماية هذه الفصيلة: "رؤية الأشجار تموت، يشبه فقدان أحد أطفالك."
تُعرف هذه الأشجار بقممها التي تشبه الفطر وبالنسغ الأحمر القاني الذي يجري في أخشابها. كانت ذات يوم منتشرة بأعداد كبيرة، لكن الأعاصير المتزايدة في شدتها، والرعي الجائر من قِبل الماعز الدخيلة، والاضطرابات المستمرة في اليمن — أحد أفقر دول العالم والممزقة بحرب أهلية مستمرة منذ أكثر من عقد — كلها عوامل دفعت بهذه الفصيلة، والنظام البيئي الفريد الذي تدعمه، إلى حافة الانهيار.
تُقارن سقطرى كثيرًا بجزر غالاباغوس، فهي تقبع في عزلة رائعة على بُعد نحو 240 كيلومترًا من القرن الإفريقي. وقد أكسبتها ثروتها البيولوجية — بما في ذلك 825 نوعًا من النباتات، أكثر من ثلثها لا يوجد في أي مكان آخر على وجه الأرض — مكانةً كموقع تراث عالمي لليونسكو. من بين هذه النباتات أشجار القنّب الزجاجي، التي تبدو جذوعها المنتفخة وكأنها منحوتات تخرج من الصخور، وأشجار اللبان ذات الأغصان الملتوية نحو السماء.
خريطة لجزيرة سقطرى:
لكن شجرة دم التنين تظل الأكثر إثارة للخيال، إذ يبدو شكلها الغريب وكأنه مأخوذ من صفحات كتب الدكتور سوس، لا من غابة أرضية. ويزور الجزيرة نحو 5,000 سائح سنويًا، ينجذب كثير منهم إلى المشهد السريالي لغابات دم التنين.
ويُطلب من الزوار استئجار مرشدين محليين والإقامة في مخيمات تديرها عائلات سقطرية، لضمان استفادة المجتمعات المحلية من عائدات السياحة. وإذا اختفت هذه الأشجار، فقد يختفي معها هذا القطاع الحيوي الذي تعتمد عليه معيشة كثير من السكان.
يقول رئيس قطاع السياحة في سقطرى، مبارك كوبي: "بفضل الدخل الذي نحصل عليه من السياحة، نعيش حياة أفضل من أولئك في البر الرئيسي."
لكن الشجرة ليست مجرد فضول نباتي، بل هي ركيزة أساسية في النظام البيئي لسقطرى. فقممها التي تشبه المظلات تلتقط الضباب والمطر وتوجهها إلى التربة أدناه، مما يسمح للنباتات المجاورة بالازدهار في هذا المناخ الجاف.
يقول كاي فان دام، عالم أحياء بلجيكي يعمل في سقطرى منذ عام 1999: "عندما تفقد الأشجار، تفقد كل شيء — التربة، والماء، والنظام البيئي بأكمله."
ومن دون تدخل، يحذر العلماء أمثال فان دام من أن هذه الأشجار قد تختفي خلال بضعة قرون — ومعها العديد من الأنواع الأخرى. "لقد نجحنا نحن البشر في تدمير مساحات شاسعة من الطبيعة في معظم جزر العالم. سقطرى مكان يمكننا أن نُحدث فيه فرقًا حقيقيًا. لكن إن لم نفعل، فإن هذا الإخفاق سيكون مسؤوليتنا."
عبر الامتداد الوعر لهضبة فِرمهين في سقطرى، تنتشر آخر غابة كبيرة متبقية من أشجار دم التنين، على خلفية جبال مسنّنة. توازن الآلاف من القمم العريضة نفسها فوق جذوع نحيلة. وتتقافز عصافير سقطرى بين التيجان الكثيفة بينما تنساب النسور المصرية مع الرياح العاتية. في الأسفل، تنسج الماعز طريقها بين الصخور.
وقد زادت وتيرة الأعاصير الشديدة في بحر العرب بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، وفقًا لدراسة نُشرت عام 2017 في مجلة Nature Climate Change. وتدفع أشجار دم التنين في سقطرى الثمن.
في عام 2015، ضرب الجزيرة إعصاران متتاليان مدمران، غير مسبوقين في شدتهما. وقد اقتُلعت آلاف الأشجار المعمّرة، التي يتجاوز عمر بعضها 500 عام، رغم أنها صمدت أمام العديد من العواصف السابقة. واستمر الدمار في عام 2018 مع إعصار آخر.
ومع استمرار ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة، ستزداد كذلك شدة العواصف، كما حذر هيرويكي موراكامي، عالم المناخ في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) ومؤلف الدراسة الرئيسي. "تتوقع نماذج المناخ في جميع أنحاء العالم توافر ظروف أكثر ملاءمة للأعاصير المدارية."
لكن العواصف ليست التهديد الوحيد. فخلافًا لأشجار الصنوبر أو البلوط التي تنمو بمعدل 60 إلى 90 سنتيمترًا سنويًا، تنمو أشجار دم التنين ببطء شديد — فقط 2 إلى 3 سنتيمترات في السنة. وبحلول الوقت الذي تصل فيه إلى مرحلة النضج، تكون العديد منها قد هلكت بسبب تهديد خفي: الماعز.
فالماعز، وهي نوع دخيل على سقطرى، تتجول بحرية وتلتهم الشتلات قبل أن تتاح لها فرصة النمو. وخارج المنحدرات التي يصعب الوصول إليها، لا تنجو الأشجار الصغيرة إلا في المشاتل المحمية.
يقول آلان فورست، عالم تنوع بيولوجي في مركز النباتات الشرق أوسطية التابع للحديقة النباتية الملكية في إدنبرة: "معظم الغابات التي قمنا بمسحها نصفها بأنها 'مفرطة في النضج' — لا توجد بها أشجار شابة أو شتلات. إذن، لدينا أشجار مسنّة تموت وتتساقط، ولا يوجد تجديد يُذكر."
مشتل عائلة كياني هو أحد عدة حظائر حيوية تبقي الماعز بعيدًا وتتيح للشتلات النمو دون إزعاج.
ويضيف فورست: "داخل هذه الحظائر، تكون عملية التكاثر والبنية العمرية للنباتات أفضل بكثير. وبالتالي، ستكون أكثر مقاومة لتغير المناخ."
لكن مثل هذه الجهود في الحفظ تعرقلها الحرب الأهلية المستعصية في اليمن. فبينما تواصل الحكومة المعترف بها دوليًا والمدعومة من السعودية قتال المتمردين الحوثيين — وهم جماعة شيعية مدعومة من إيران — اتسع نطاق الصراع ليشمل ما هو أبعد من حدود اليمن. وقد أثارت هجمات الحوثيين على إسرائيل وعلى السفن التجارية في البحر الأحمر ردود فعل عسكرية من إسرائيل ودول غربية، مما زاد من زعزعة استقرار المنطقة.
يقول مستشار في مؤسسة Gulf State Analytics في واشنطن، عبد الرحمن الإرياني: "لدى الحكومة اليمنية 99 مشكلة حاليًا. صانعو القرار يركزون على استقرار البلاد وضمان استمرار الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه. أما معالجة قضايا المناخ فستُعدّ من الرفاهيات."
ومع انعدام الدعم الوطني، باتت جهود الحفظ مسؤولية السقطريين أنفسهم. لكن الموارد المحلية محدودة، كما يقول سامي مبارك، وهو مرشد بيئي في الجزيرة.
يشير مبارك إلى أعمدة السياج المائلة في مشتل عائلة كياني، والتي شُدّت معًا بأسلاك هشة. هذه الحظائر لا تصمد سوى بضع سنوات قبل أن تنهار أمام الرياح والأمطار. ويقول إن تمويل حظائر أكثر متانة بأعمدة إسمنتية سيُحدث فارقًا كبيرًا.
"حاليًا، لا توجد سوى مشاريع بيئية صغيرة — وهذا غير كافٍ. نحتاج إلى أن تجعل السلطة المحلية والحكومة اليمنية مسألة الحفظ أولوية."
صنعاء مدينة مغلقة!
نبيل شمسان محافظ بلا ضمير
حفلة تخرج أم حفلة "ردة"؟!
ضحك تحت الضغط.. قصة من شوارع القاهرة
المدير السكران ..