آخر الأخبار


الاربعاء 4 يونيو 2025
بقلم: كاري سبرينغفيلد- "اليمن يهزم أمريكا" — كانت هذه إحدى الرسائل المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أعلن مسؤولون في جماعة الحوثي النصر على الولايات المتحدة بعد أن أوقفت حملتها الجوية على اليمن في السادس من مايو، بعد فشلها في تحقيق أهدافها العسكرية. ومع كون هذه الحملة غير المدروسة باهظة الثمن من حيث الإنفاق المالي الأمريكي وحجم الرصيد السياسي الثمين الذي استُهلك في المنطقة، فإن كلفة هذا الهجوم الشاملة قد تظل تتردد أصداؤها لفترة طويلة قادمة.
ويُعد اليمن من أفقر دول العالم، وقد أنهكته أزمات اقتصادية وإنسانية ضخمة منذ اندلاع الحرب ضده من قبل تحالف تقوده السعودية وبدعم غربي قبل نحو عشر سنوات. وها هو مجدداً في صدارة المواجهات في غرب آسيا، في وقت يسعى فيه إلى إنهاء الحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. لكن مع تصعيد الولايات المتحدة، إلى جانب المملكة المتحدة، ضرباتها الجوية ضد اليمن في الأسابيع الأخيرة، فقد تراجعت إلى الخلف أي آمال بتحسن مستدام في مستويات المعيشة.
وشرحت هيلين لاكنر، مؤلفة كتاب اليمن في أزمة: الطريق إلى الحرب (2019) واليمن: الفقر والصراع (2022)، في مقال نُشر مؤخراً في مجلة جاكوبين السياسية الأمريكية قائلة: "خسر اليمن موقعه غير المحسود كـ 'أسوأ أزمة إنسانية في العالم'، ليس لتحسن أوضاعه، بل لأن أزمتين أخريين تجاوزتاه في الرعب واللاإنسانية: إبادة غزة والحروب السودانية". وأضافت: "ثلثا اليمنيين بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بما في ذلك 17 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي".
وقد حفّز الوضع الكارثي في غزة، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 53 ألف مدني فلسطيني، حركة الحوثيين لشن هجوم عسكري خاص بها في نوفمبر 2023، تمثل في استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر من بحر العرب والمحيط الهندي، مروراً بمضيق باب المندب الضيق الذي يفصل اليمن عن جيبوتي وخليج عدن. وقد اضطرت السفن لتفادي الحصار بالإبحار حول القارة الإفريقية، مما أدى إلى ارتفاع كبير في تكاليف الشحن.
وتدخلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الصراع في يناير 2024 بشن غارات جوية على أهداف تابعة للحوثيين في اليمن، حيث برر الرئيس جو بايدن هذه الضربات بأنها رد مباشر على هجمات الحوثيين على سفن البحر الأحمر، والتي "عرضت التجارة للخطر وهددت حرية الملاحة". وتسيطر الجماعة اليمنية على جزء كبير من شمال اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء والمناطق المحيطة بها، وجبال الشمال وميناء الحديدة على البحر الأحمر. وقد أوقفت الجماعة عملياتها بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في منتصف يناير 2025، وأفرجت أيضاً عن طاقم سفينة كانت تحتجزه منذ أكثر من عام.
لكن مع انهيار اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في منتصف مارس، استأنفت جماعة الحوثي هجماتها على السفن في المنطقة. ومع تصعيد تل أبيب لهجومها العسكري على قطاع غزة، إلى جانب تشديد الحصار على القطاع، الذي أثار إدانات واسعة بسبب ظهور مجاعة، اشتدت الردود اليمنية خلال الأسابيع التالية.
وعادت واشنطن لتؤكد دعمها لإسرائيل عندما أطلق الرئيس دونالد ترامب في 15 مارس حملة قصف جديدة على اليمن تحت اسم "عملية رايدر العنيف"، آملاً في أن تجبر الحوثيين على وقف هجماتهم. وبنهاية أبريل، زعم الجيش الأمريكي أنه استهدف 800 موقع حيوي خلال العملية، من بينها "العديد من مراكز القيادة والسيطرة، أنظمة دفاع جوي، منشآت تصنيع وتخزين أسلحة متقدمة"، بالإضافة إلى مقتل "مئات المقاتلين الحوثيين وعدد من قادتهم"، لكنه لم يكشف عن أي أسماء.
أما الحوثيون، فقد أفادوا بأن الضربات الأمريكية أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين، أبرزهم 68 شخصاً في مركز احتجاز للمهاجرين الأفارقة في صعدة أواخر أبريل، و80 مدنياً في قصف استهدف ميناء رأس عيسى في 18 أبريل. وأكد زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، في خطاب متلفز أوائل أبريل أن موقف حركته "موجه ضد العدو الإسرائيلي والأمريكيين الذين أعلنوا الحرب على بلدنا"، مضيفاً أن قتال جماعته "من أجل فلسطين، لمنع تهجير شعبها والضغط لإنهاء الإبادة الجماعية بحقهم".
وأضاف الحوثي أن جماعة الحوثي ستواصل "مواجهة الأمريكيين المتواطئين مع العدو الإسرائيلي، والداعمين والحماة والمشاركين في عدوانهم على فلسطين وشعوب أمتنا". وأشار إلى أن "الضربات الجوية الأمريكية (في اليمن) تصل أحياناً إلى أكثر من 90 غارة يومياً"، متهماً واشنطن بـ"ارتكاب جرائم وشن عدوان على بلدنا دون أي مبرر"، وفقاً لما نقلته وكالة الأناضول التركية.
وفي النهاية، فشلت الحملة الأمريكية في تحقيق تفوق جوي على الحوثيين، بحسب تقارير متعددة. ولكن ما قد تندم عليه واشنطن أكثر من أي شيء هو الكلفة المالية الهائلة مقابل مكاسب ضئيلة. ففي إحاطات سرية للكونغرس في أوائل أبريل، أكد مسؤولون في البنتاغون أنهم أنفقوا 200 مليون دولار من الذخائر في الأسابيع الثلاثة الأولى فقط. وبإضافة تكاليف الجنود والسفن، فإن الحملة كلفت دافعي الضرائب الأمريكيين "أكثر من مليار دولار في الشهر الأول"، بحسب ما أكدته مصادر برلمانية لصحيفة نيويورك تايمز.
وكشفت شبكة NBC News أن فاتورة الولايات المتحدة لقصف اليمن منذ منتصف مارس شملت "مئات القنابل زنة 2000 رطل، والتي تصل تكلفة الواحدة منها إلى 85 ألف دولار؛ وما لا يقل عن 75 صاروخ توماهوك بسعر 1.9 مليون دولار لكل منها؛ و20 صاروخ كروز من طراز AGM 158 تطلق من الجو، بتكلفة 1.5 مليون دولار للصاروخ الواحد؛ إضافة إلى ذخائر أخرى عديدة"، حسب ما أكدته الشبكة في 9 مايو. وأضافت: "بعد نشر المقال، قال مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية إن الأرقام مبالغ فيها، مقدراً التكاليف بأقرب إلى 400 مليون دولار، لكن مسؤولين آخرين في البنتاغون خالفوه الرأي".
وكتب تشارلز ويليام وولدورف، أستاذ السياسة والشؤون الدولية في جامعة ويك فورست وزميل بارز في مركز Defense Priorities، في مقال نشره على موقع ذا كونفرسيشن في 5 مايو: "رغم إنفاق الولايات المتحدة مليار دولار وقصفها 800 موقع منذ 15 مارس، لم تردع الحوثيين، ولا تزال حركة الشحن في البحر الأحمر منخفضة كما كانت. الهجمات على السفن الأمريكية وإسرائيل مستمرة، وصاروخ حوثي كاد أن يصيب مطار بن غوريون الإسرائيلي في 4 مايو". وأضاف: "في الواقع، يبدو أن الضربات الأمريكية المباشرة وتزايد عدد الضحايا المدنيين في اليمن نتيجة حملة ترامب الجوية يعززان الموقف السياسي للحوثيين داخل البلاد".
كما ألحقت جماعة الحوثي أضراراً جسيمة بالمعدات العسكرية الأمريكية المتقدمة، من بينها إسقاط سبع طائرات بدون طيار من طراز MQ-9، تبلغ تكلفة الواحدة منها نحو 30 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو 15 طائرة أخرى تم إسقاطها في الصراع السابق. كذلك فقدت الولايات المتحدة طائرتين مقاتلتين من طراز F-18، تبلغ قيمة الواحدة منهما 67 مليون دولار، بعد سقوطهما من حاملة طائرات أمريكية، وكان آخر هذه الحوادث في السادس من مايو.
وفي تلك المرحلة، بحسب نيويورك تايمز، "بلغ السيل الزبى لدى ترامب"، وأصدر البيت الأبيض في 5 مايو أمراً للقيادة المركزية الأمريكية بـ"تعليق" العمليات الهجومية. وقد لعب وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه سلطنة عمان دوراً محورياً في إنهاء الأعمال العدائية، حيث وافقت الولايات المتحدة على وقف غاراتها الجوية مقابل توقف الحوثيين عن مهاجمة السفن الأمريكية في البحر الأحمر. وقال ترامب: "لقد ضربناهم بقوة، وكان لديهم قدرة عظيمة على التحمل... يمكنك أن تقول إن هناك قدراً كبيراً من الشجاعة هناك... لقد أعطونا كلمتهم بأنهم لن يطلقوا النار على السفن بعد الآن، ونحن نحترم ذلك".
لكن، من الناحية الأهم، لم يتضمن الاتفاق أي التزام من الجانب اليمني بوقف استهداف السفن التي يرون أنها تقدم دعماً لإسرائيل. وقالت دانا سترول، مديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الموالي لإسرائيل، لشبكة NBC: "الحوثيون سيتوقفون عن مهاجمة السفن الأمريكية لفترة مؤقتة. لكنهم لن يتوقفوا عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل، ولن تعود حركة الشحن إلى طبيعتها، ولن يتغير شيء في الحرب الأهلية اليمنية".
سالم بن بريك .. شجرة وحيدة في فلاة!
إعلام جلد الذات.. كيف نخدم الحوثيراني دون أن ندري؟
غزة الصغيرة!