غَضِب ترامب... فهل دقت ساعة الأسد؟
2017/04/08
الساعة 10:26 مساءً
إبراهيم العلبي
ليس سهلاً على المرء أن يفرح لنبأ قصف بقعة في بلاده من قبل دولة هيمنت على العالم وفق قواعد الاستعمار الجديد، وتتمتع بتاريخ حافل من المجازر والانتهاكات والغزو غير المبرر، لكن من قال إن بشار الأسد ينتمي إلى سورية؟ ومن يستطيع أن يتجاهل حقيقة أن العمود الفقري للقوات البرية التي تقاتل لأجل كرسيه واستمرار جرائمه ومجازره هو من المرتزقة الأجانب الطائفيين، من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان وباكستان وعشرات الدول الأخرى؟
مع ساعات قبيل فجر أمس صبحت صواريخ توماهوك الأميركية مطار شعيرات في حمص، أحد أهم وأقوى المطارات العسكرية التابعة لقوات الأسد، وذلك بعد ساعات من حديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تأثره بمجزرة خان شيخون الكيمياوية وتغييره موقفه من الأسد وسورية بشكل عام، ليدخل بذلك القضية السورية منعطفاً تاريخياً يوازي بأهميته انطلاق شرارة المظاهرات في شهر مارس/ آذار عام 2011.
في ذلك العام، ومع تنقل قطار التظاهرات العارمة بين العديد من الدول العربية المنهكة باستبداد أنظمتها القمعية وفسادها، استبعد السوريون أنفسهم قبل غيرهم أن يحط هذا القطار في ديارهم، وأن تشهد هذه البلاد أية مظاهرة تطالب بالإصلاحات السياسية، بعدما أخضعها الأسد الأب بالحديد والنار والمجازر التي حصدت عشرات الآلاف من المعارضين وحاضنتهم الشعبية في ثمانينيات القرن الماضي، لكن ما استبعده الجميع حصل وحطم السوريون حاجز الخوف ونزلوا إلى الشوارع وواجهوا الموت بصدور عارية ولم يردعهم سيل الرصاص المتوحش عن مواصلة انتفاضهم وتصاعدها.
الأسد في العقل السوري الحديث ليس مجرد طاغية جلاد، ولا مجرم حرب، ولا خائناً بائعاً للوطن، هو في الحقيقة كل ذلك بما يجعله العدو رقم واحد للشعب السوري
وبعد 6 سنوات ارتكب فيها بشار الأسد كل المحرمات والموبقات ولم يدع طريقة ينفذ بها وعده الشهير "الأسد أو نحرق البلد" إلا واقترفها، ولم يترك مرتزقة في العالم من أفراد وجهات ودول إلا واستجلبهم أو عرض عليهم انتهاك سيادته وبيعهم الوطن أو بعضه إن أحسنا الظن، لم يعد المشهد بالغ التعقيد في أذهان السوريين، القضية باتت بالنسبة لهم التخلص من الأسد أو لا أحد، فالتخلص من الأسد يعني توقف معاناتهم التي توصف بالكارثة الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية.
قوات الأسد وليست الجيش السوري، مؤسسات الطاغية وليست مؤسسات الدولة، سلاح المجرم الخائن الذي باع الوطن بعدما حوله إلى ركام وجلس على تلته يطلب المساعدة على البقاء، وليس سلاح الشعب الذي لا يعرف من علاقته بهذا السلاح سوى أنه الآلة التي تذبحه وتنفيه في أقاصي الأرض، ومن ثم من مِن السوريين الثائرين مستعد لتناسي الخلافات مع المجرم الأول والتوحد معه مقابل الهجمة الأميركية "الغاشمة" وهل ما بينهم مجرد خلافات أم دماء مهدورة وحقوق منتهكة وكرامة مغتصبة؟ وهل استهدفت هذه الهجمة مدنيين أبرياء أم جنود المجرم وشيئاً يسيراً من أدوات جريمته؟
الأسد في العقل السوري الحديث ليس مجرد طاغية جلاد، ولا مجرم حرب، ولا خائناً بائعاً للوطن، هو في الحقيقة كل ذلك بما يجعله العدو رقم واحد للشعب السوري والهدف الذي لا يتقدم عليه أي هدف.
وماذا عن أهداف ترامب ومآربه وسجل الولايات المتحدة في الغزو والقتل؟ يتحدث المتحدثون ويتمهل المتمهلون ويتحمس البعض لتذكير السوريين بأن واشنطن ليست جمعية خيرية وأن معاقبة الأسد على يديها ليست كرمى لعيون الشعب السوري، ورغم أننا نوافق على كل ذلك، بل نذهب إلى أبعد منه، ونعلم تماماً أن للضربة أبعاداً داخلية أميركية أكثر مما لها من الأبعاد الإقليمية المتعلقة بإسرائيل وإيران، ولكن مهلاً، ألم نكن طيلة السنوات الماضية نتذاكر الخذلان الأميركي للثورة السورية والتواطؤ مع الأسد لنستنتج من كل ذلك أنها رأس النفاق الدولي، لماذا لا نرحب بخرق هذا التواطؤ ولو ظاهرياً؟
الحقيقة الساطعة بعيداً عن كل التحليلات، هي أن معاقبة الأسد الفورية على مجزرة ارتكبها باستخدام السلاح الكيمياوي الذي ما زال يمتلكه رغم إقرار المجتمع الدولي بأنه تعاون في نزع كامل سلاحه الكيمياوي سابقاً يعني أن حالة التواطؤ الدولي الذي لا يعكره شيء مع جرائم الأسد ولت تماماً، ودخلنا في مرحلة من التقييد، صحيح أن من المخزي أن تكون رسالة العالم للأسد بهذه الضربة أنه ليس بإمكانك أن تقتل شعبك إلا بالسلاح المسموح به دولياً، بيد أن هذا التقييد، رغم استخفافه بدمائنا، عندما يكون جدياً فإنه يفعل فعله في إعادة ضبط معادلة الصراع، وتضع الأسد وحلفاءه أمام حسابات جديدة، وفي العموم كانت الضربة كافية لخلق انطباع لدى الجميع بأن بقاء الأسد لم يعد حتمية، وأن الدلال الدولي الذي تمتع به على مدى سنوات ليس مفتوحاً إلى الأبد، وأن الغزل المتصاعد بحقه من قبل ترامب وغيره لا قيمة له على أرض الواقع، فهل يتلقى الأسد الرسالة ويستبق نهاية المسار برحيل مرتب مضمون النتيجة، أم يفضل مواصلة لعبة حافة الهاوية التي ستبتلعه عاجلاً أم آجلاً؟