إعادة انتشار الحوثيين بالحديدة: غموض التفاصيل يعزز شكوك الشرعية
2018/12/30
الساعة 11:49 صباحاً
منعطف جديد يدخله اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة، غربي اليمن، مع دخول الاستحقاق الميداني المرتبط بتنفيذ مضامين الاتفاق، وأولها ما يُعرف بـ"إعادة الانتشار"، وفتح الطرقات أمام المواد الإغاثية حيز التنفيذ.
وأعلنت مصادر في الأمم المتحدة فضلاً عن مسؤولين حوثيين، أن الجماعة بدأت، منذ ليل الجمعة السبت، بالخطوات التنفيذية عبر الانسحاب من ميناء الحُديدة وإعادة الانتشار داخل المدينة، إلا أن مصادر مقربة من القوات الحكومية شككت في ما أُعلن، على نحو يذكر بالجدل بشأن البنود الواردة في الاتفاق ومضامينها التي يفسرها الطرفان كلٌ بطريقته الخاصة.
كما تبرز مخاوف من أن يكون إعلان الحوثيين، تحديداً ما يتعلق بتسليم الميناء، مجرد مناورة في ظل الغموض حول من يتولى إدارة قوات "خفر السواحل" التي تسلمت الميناء، على اعتبار أن الشرعية تصرّ على أن تكون إدارة الموانئ ممثلة في اﻷشخاص المعينين قبل سبتمبر/ أيلول عام 2014، أي قبل اجتياح الحوثيين للمنطقة.
وأعلن الحوثيون، رسمياً، أمس السبت، أنهم بدأوا المرحلة الأولى من إعادة الانتشار في الحديدة، تنفيذاً لمضامين اتفاق استهوكهولم. ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، بنسختها التي يديرها الحوثيون، عن المتحدث باسم القوات الموالية للجماعة، العميد يحيى سريع، قوله إنه "بناءً على ما نص عليه اتفاق استوكهولم وتنفيذاً لتوجيهات القيادة، فقد بدأت قواتنا منذ ليلة أمس، تنفيذ المرحلة الأولى من إعادة الانتشار من ميناء الحديدة". وأضاف "إننا ننتظر من لجنة المراقبة الأممية إلزام الطرف الآخر بتنفيذ التزاماته المنصوص عليها في المرحلة الأولى من اتفاق استوكهولم وهي الانسحاب من الجهة الشرقية للمدينة وبقية الأجزاء الحرجة، حسب نص الاتفاق".
"محمد عبدالسلام أعلن عن استلام قوات خفر السواحل للميناء، بحضور فريق الأمم المتحدة،لكنه لم يحدد الإدارة التي تشرف على هذه القوة"
بدوره، قال المتحدث الرسمي باسم الجماعة، رئيس وفدها المفاوض، محمد عبدالسلام، أمس السبت، إن جماعته شرعت بالخطوات التنفيذية لاتفاق استوكهولم، بإعادة الانتشار من ميناء الحديدة وتسليمه لقوات خفر السواحل. وأوضح في سلسلة تغريدات على حسابه على تويتر أن هناك تقدماً بخطوات أساسية في اتفاق استوكهولم الخاصة بمحافظة الحديدة. ولفت إلى أن قوات الجيش واللجان الشعبية (مسلحي الجماعة والقوات الموالية لها)، نفذوا إعادة انتشار. وأشار إلى استلام قوات خفر السواحل للميناء، بحضور فريق الأمم المتحدة. ولم يوضح ما إذا كانت قوات "خفر السواحل" التي تسلمت إدارة أمن الميناء هي القوة التي تطالب الشرعية بأن تتسلم الميناء، بإدارتها المعينة قبل اجتياح الحوثيين.
واعتبر عبدالسلام أن هذا التطور يمثل "خطوة متقدمة تثبت حرص القيادة السياسية على تحقيق الأمن والاستقرار ودعم عملية السلام"، وأضاف ما تم "يعتبر تقدماً كبيراً يثبت المسؤولية والحرص على تجنيب محافظة الحديدة وعموم الوطن المعاناة الإنسانية"، معرباً عن أمله في أن يتم استكمال "الخطوة الأولى من قبل الطرف الآخر وفقاً لما نص عليه اتفاق استوكهولم وقرار مجلس الأمن الدولي 2451".
من جهتهم، أكد مسؤولون أمميون، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، لوكالة "أسوشييتد برس"، أن الحوثيين بدأوا منذ منتصف ليل الجمعة السبت، بالانسحاب من ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر. وأضافوا أن نقل السيطرة، أمس السبت، تم تنفيذه تحت إشراف مراقبي الأمم المتحدة كجزء من اتفاق السويد. كذلك نقلت وكالة رويترز عن مصدر في الأمم المتحدة قوله إن قوات الحوثيين اليمنية بدأت في إعادة الانتشار داخل مدينة الحديدة.
كما أفاد عضو وفد الحوثيين الذي شارك في محادثات السويد، حميد عاصم، لوكالة الأناضول، بأنه تم الاتفاق المبدئي على فتح الطريق الرابط بين مدينتي الحديدة وصنعاء لدخول المعونات الإغاثية، لافتاً إلى أن الاتفاق يأتي كأحد ثمار الاجتماعات مع فريق المراقبين الأمميين بقيادة الجنرال باتريك كاميرت، لكن من دون أن يذكر موعد فتح الممر. وأضاف أنه "تم الاتفاق أيضاً على دخول 12 سفينة إغاثية إلى ميناء الحديدة الاستراتيجي".
"أكدت مصادر محلية وأخرى في القوات الحكومية تأجيل مرور قافلة مساعدات إغاثية، كان من المقرر أن تعبر المدخل الشرقي لمدينة الحديدة، في منطقة كيلو 16"
في موازاة ذلك، أكدت مصادر محلية وأخرى في القوات الحكومية، لـ"العربي الجديد"، أمس السبت، تأجيل مرور قافلة مساعدات إغاثية كان من المقرر أن تعبر المدخل الشرقي لمدينة الحديدة، في منطقة كيلو 16، حيث تسيطر القوات الحكومية المدعومة من التحالف. وأرجعت التأجيل إلى رفض الحوثيين الشروع في الإجراءات المقرر أن تتم من قبلهم، من خلال فتح الحواجز وإزالة الألغام من المواقع القريبة من الطريق الرئيسي الرابط بين الحديدة وصنعاء.
ووفقاً للمصادر، فإن لجنة إعادة الانتشار التي اجتمعت لثلاثة أيام في الحديدة، برئاسة الجنرال الهولندي باتريك كاميرت (رئيس فريق المراقبين الدوليين) نجحت، يوم الجمعة الماضي، بإبرام تفاهمات مبدئية على تحديد الـ29 من ديسمبر/ كانون الأول موعداً لمرور أول قافلة إغاثية من الحديدة على طريق "كيلو 16" (المدخل الشرقي)، ووافق الفريق الحكومي على الخطوة، ولم يتسن على الفور الحصول على تعقيب من الحوثيين بشأن موقف الجماعة، وما إذا كانت بالفعل قد رفضت، السبت، القيام بالإجراءات اللازمة لفتح الطريق المغلق منذ سبتمبر/ أيلول الماضي.
وتعد منطقة "كيلو 16"، والأجزاء الشرقية والجنوبية للحديدة، الأكثر تأثراً بالمواجهات والمعارك التي دارت في الأشهر الماضية، وتقدمت على أثرها القوات الحكومية لتقطع طريقاً رئيسياً بين الحديدة وصنعاء في ظل وجود طريق آخر، شمال المدينة، بقي آمناً لمرور المساعدات وحركة المسافرين في الأشهر الأخيرة.
وفي ظل هذه الأجواء، بدت أوساط الحكومة اليمنية متشككة في صحة بدء انتشار الحوثيين، حتى أن مصدراً محلياً قريباً من الفريق الحكومي رد على سؤال "العربي الجديد"، حول ما أعلنته الجماعة، بأنهم ربما يقصدون "التوسع"، أي الانتشار في مواقع جديدة، على أن إعلان الحوثيين جاء محصوراً بالبدء في "ميناء الحديدة".
وفي السياق، تحضر تفاصيل الخلاف بشأن التنفيذ، إذ ينص اتفاق السويد المبرم بين الطرفين بشأن الحديدة والذي أعلن في الـ13 من الشهر الحالي، على "إعادة انتشار مشترك للقوات من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى ومدينة الحديدة إلى مواقع متفق عليها خارج المدينة والموانئ"، وهو ما يٌفسر بإلزام الحوثيين والقوات الحكومية على الانسحاب إلى مواقع "متفق عليها"، أي عبر وبإشراف لجنة "إعادة الانتشار"، المؤلفة من ثلاثة أعضاء عن الحكومة ومثلهم عن الحوثيين، وتترأسها الأمم المتحدة ممثلة بالجنرال باتريك كاميرت.
"الشرعية يجب أن تنسحب في المرحلة الأولى من المدخل الشرقي والمناطق الأخرى على أطراف المدينة الجنوبية والشرقية"
وإذا ما تم الانسحاب على هذا النحو، فإن أول المناطق التي يجب على الحوثيين الانسحاب منها، الموانئ (الحديدة، الصليف، رأس عيسى)، ومناطق متفرقة بالمدينة، في مقابل انسحاب الشرعية من المدخل الشرقي والمناطق الأخرى على أطراف المدينة الجنوبية والشرقية، كمرحلة أولى، تتبعها مراحل أخرى يتم التوافق حولها بشأن محافظة الحديدة ككل.
إلى جانب ذلك، لا يزال العائق الأكبر في طريق تنفيذ الاتفاق، تحديد القوات المفترض أن تتسلم مدينة الحديدة وموانئها، إذ إن الحوثيين يقدمون السلطة المحلية والقوات الأمنية التابعة لهم في الحديدة على أنهم هم الذين سيتسلمون أمن وإدارة المدينة وفقاً للاتفاق. وقد ظهر الجنرال باتريك كاميرت في الـ25 من الشهر الحالي، إلى جانب مدير أمن الحديدة المعين من الحوثيين، أبو علي الكحلاني، ما أثار لغطاً، بوصف الأخير الحارس الشخصي سابقاً لعبدالملك الحوثي.
وينص الاتفاق في السياق على أن "تقع مسؤولية أمن مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى على عاتق قوات الأمن المحلية وفقاً للقانون اليمني"، ويقول إنه "يجب احترام المسارات القانونية للسلطة وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها، بما فيها المشرفون (التابعون للحوثيين)".
الجدير بالذكر أن الخطوات التنفيذية الخاصة باتفاق الحديدة، كان من المفترض أن يُعلن عنها رسمياً في ختام اجتماعات كاميرت بممثلي الحوثيين والحكومة بين يومي الأربعاء والجمعة الماضيين. ومن دون الإعلان عن خطوات متفق بشأنها، وتسمية هوية القوات المعنية بتسلم مرافق الحديدة، بما فيها الموانئ، فإن الحديث عن تقدمٍ لا يزال محدوداً في الواقع العملي، في وقتٍ يقف فيه الطرفان في سباقٍ من الزمن، إذ يفترض أن تنتهي المرحلة الأولى من "إعادة الانتشار" من الحديدة وموانئها خلال 21 يوماً من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بدءاً من 18 ديسمبر الحالي.
بوابتي-العربي الجديد