الاربعاء 24 ابريل 2024
الرئيسية - عربية ودولية - استعباد الكوريات جنسيا في الحرب العالمية الثانية يشعل فتيل التوتر بين طوكيو وسول
استعباد الكوريات جنسيا في الحرب العالمية الثانية يشعل فتيل التوتر بين طوكيو وسول
الساعة 08:55 مساءً (وكالات)

 

 



أصدرت محكمة في العاصمة الكورية الجنوبية سول في الثامن من يناير/كانون الثاني الجاري حكمها في قضية الاسترقاق الجنسي لنساء كوريات من قبل الجيش الياباني إبان الحرب العالمية الثانية واحتلال الجيش الإمبراطوري لمناطق شاسعة من آسيا، وهن النسوة اللاتي أطلق عليهن لقب "نساء المتعة" تخفيفًا وتلطيفًا للحقيقة المؤلمة المتعلقة بالاستعباد الجنسي الممنهج. وقضت المحكمة، في أول دعوى قضائية من نوعها، على اليابان بدفع تعويضات قيمتها 74 ألف يورو لكل ضحية من الضحايا الاثنتي عشر أو لعائلات من قضى منهن وعددهن سبعة.

 

واعتبرت المحكمة أن اليابان الإمبراطورية كانت مسؤولة عن نظام "نساء المتعة"، وأكدت في حيثيات حكمها أن "الشاكيات خضعن لاستغلال جنسي متمادٍ، في عمل غير قانوني ضد الإنسانية ومن الواجب تعويض الضحايا عن الأذى الذهني".

 

وعلق أليسيو باتالانو، أستاذ شؤون الدفاع والأمن في شرق آسيا في "كينغز كوليدج" بلندن، بقوله "إن قرار المحكمة هذا يفتح حلقة جديدة من التوترات الدبلوماسية بين الدولتين".

 

 

 

من هن المستعبدات جنسيًا؟

 

بين عامي 1910 و1945، احتل الجيش الإمبراطوري الياباني شبه الجزيرة الكورية. ومن أجل الترفيه عن جنوده وضباطه أقام معسكرات جلب فيها مئات الآلاف من النساء الكوريات رغم إرادتهن لاستغلالهن واستعبادهن جنسيا. وأطلق لاحقا على هؤلاء النساء "نساء المتعة".

 

وبعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية واستعادة قوات الحلفاء للأراضي المحتلة، تكشفت وقائع هذه الانتهاكات الجنسية بعد العثور على هذه المعسكرات وتحرير النسوة المستعبدات. ولم يقتصر استغلال الجيش الإمبراطوري على استغلال النسوة الكوريات بل ضم إليهن لاحقا أثناء فترات توسعه في آسيا نسوة أخريات من الصين وفيتنام. ويقدر الكوريون عدد الفتيات اللاتي استعبدن في المعسكرات اليابانية بنحو 200 ألف فتاة كورية، بينما يقدر الصينيون العدد الكلي بنحو 410 ألف فتاة من آسيا.

 

ظل أمر هؤلاء النسوة طي النسيان بعد انتهاء الحرب وحتى نهاية القرن العشرين تقريبا، حتى ظهرن مرة أخرى على الملأ عام 1992 مدفوعين من جماعات الضغط النسوية في كوريا الجنوبية التي جمعت شهاداتهن على ما حدث وكيف أنهن انتزعن من أحضان أهلهن بدعوى العمل في المصانع اليابانية لكنهن في الحقيقة أجبرن على العمل في معسكرات الدعارة التي أقامها الجيش الإمبراطوري.

 

"اعتذار حقيقي وصادق"

 

منذ ذاك الوقت أصبح هذا الموضوع الشائك حجر عثرة في طريق تطبيع العلاقات بين الصديقين اللدودين كوريا واليابان، وشوكة في حلق الحكومات اليابانية المتعاقبة التي تنكر المسؤولية التاريخية لبلادها في هذا الملف. بيد أن الكوريين مصممون على انتزاع اعتراف من طوكيو بمسؤوليتها وينتظرون منها، كما قال الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي-إن عام 2018، أن تعتذر "اعتذارا صادقا وحقيقيا" عن الفظائع والانتهاكات الجنسية التي ارتكبها جيشها إبان فترة الاحتلال.

 

وكان الرئيس الكوري، المنتمي لتيار يسار الوسط، قد قال أيضا "إن اليابان لا يحق لها أن تقول إن قضية النساء المستعبدات جنسيا تم حلها، أو تسويتها طبقا لاتفاق عام 2015 المعيب بين البلدين، وأنه لا يمكن تغطية الانتهاكات اللاإنسانية لحقوق الإنسان خلال الحرب بالقول إنها حسمت".

 

لقد دعم هذا التيار بصورة مطلقة قضية "نساء المتعة" ولم يعط أبدًا موافقته على اتفاقية عام 2015، وبالتالي أنهى ارتباطه الدبلوماسي مع اليابان. ومنذ وصول مون جاي-إن، محامي حقوق الإنسان، إلى الحكم عام 2017 والعلاقات بين البلدين في توتر مستمر بخصوص القضايا العالقة بينهما منذ عقود طويلة. فهذا الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة المحافظة بقيادة الرئيسة السابقة بارك غوين-هيي التي أسقطت بتهم فساد، واجه انتقادات من جزء من الرأي العام الكوري الجنوبي خصوصا بسبب رفض اليابان تحمل المسؤولية القانونية كاملة.

 

الرد الياباني

 

غير أن اليابان، التي تتنصل من أية مسؤولية تاريخية، ترفض بشدة الدعاوى الكورية وتعتبر الموضوع مغلقا بمقتضى اتفاقية عام 1965 لتطبيع العلاقات بين الدولتين، والتي قامت بموجبها اليابان بتقديم حزمة من التعويضات لكوريا الجنوبية عن فترة الاستعمار، ومن ضمنها تعويضات لملف "نساء المتعة". وعندما عاد الموضوع للطفو على السطح في بداية الألفية الثالثة، توصل الطرفان لاتفاق في 28 ديسمبر/كانون الأول عام 2015 لتسوية الملف وإغلاقه إغلاقا نهائيا "لا رجعة فيه" عبر دفع تعويضات تصل إلى 7 ملايين يورو لصالح مؤسسة خاصة تدعى "المصالحة والعلاج" لإعادة تأهيل الضحايا نفسيا وتعويضهن عما عانينه من أضرار جسدية ونفسية.

 

لكن الحكم القضائي الذي صدر مؤخرا أعاد القضية مرة أخرى للصدارة، وهو ما أثار غضب الحكومة اليابانية التي نددت بالحكم واستدعت سفيرها في كوريا الجنوبية. فيما قال رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوغا إن على سول "التخلي عن هذا المسار القضائي"، نظرا لأن "مسألة نساء المتعة سبق أن وجدت طريقها إلى الحل بصورة كاملة ونهائية". وأضاف "بلدنا لن يقبل يوما بهذا الحكم".

 

ورفضت طوكيو باستمرار المثول أمام القضاء الكوري الجنوبي، بحجة أن الخلاف سُوّي بموجب معاهدة 1965 التي نصّت على دفع تعويضات وأكدت أن كل المطالبات المتبادلة بين الدولتين ومواطنيهما "حُلّت بصورة كاملة ونهائية". وتنفي الحكومة اليابانية أي مسؤولية مباشرة عن هذه الانتهاكات الجنسية، مؤكدة أن الضحايا كنّ يُستخدمن من مدنيين وأن بيوت الدعارة العسكرية كانت تُشغّل لأهداف تجارية.

 

من وجهة نظر أليسيو باتالانو فإن الموضوع برمته ليس إلا مجرد مسألة سياسة خارجية في العلاقات الثنائية بين البلدين. وتكمن المشكلة الحقيقية في التعاطف الكبير الذي تلقاه قضية "نساء المتعة" في كوريا الجنوبية إضافة لارتباطها بمجريات السياسة المحلية. ويضيف بأن معظم السياسيين الكوريين يميلون إلى التلاعب بهذه القضية لتوجيه النقاش السياسي في البلاد ويشجعون التعبئة الشعبية حول هذا الموضوع. كما أنهم أنهوا اتفاقية تاريخية مع اليابان أدت إلى بدء تعويض الضحايا. لكن كل شيء توقف بطلب من سول عام 2018 وبعد أن دفعت اليابان بالفعل أكثر من نصف الأموال المتفق عليها.

 

وهكذا فإن الجانب الياباني لم يعد يرى جدوى من الاستماع إذا لم تبذل كوريا الجنوبية جهدًا مماثلا. ويتابع باتالانو بالقول إن اليابانيين ينتظرون ما ستفعله كوريا الجنوبية، التي قد تستغل وتطلب تجميد الأموال اليابانية على الأراضي الكورية الوطنية على سبيل المثال وهو ما سيزيد الطين بلة ويفاقم التوتر بين الطرفين. وأعتقد أن اليابانيين سيكونون في انتظار رد فعل الإدارة الأمريكية الجديدة؛ فواشنطن هي من أشرف على اتفاقية عام 2015، كما أنه من المهم بالنسبة لها أن يحافظ حليفاها في شمال شرق آسيا على علاقات دبلوماسية جيدة. في الواقع، كان نائب الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت هو جو بايدن. ولعب فريقه دورًا رئيسيًا في المفاوضات بين الدولتين.

 

وينهي باتالانو حديثه قائلا إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل حكومة مون جاي-إن، الملتزمة جدًا بمسألة "نساء المتعة"، ستكون على استعداد للاستماع إلى وساطة محتملة من واشنطن بشأن هذه النقطة؟

 

ومن الجدير بالذكر أن طوكيو وسول تتشاركان علاقة استراتيجية مع حليفتهما الولايات المتحدة في منطقة تهيمن عليها الصين وتواجه تهديدا من البرنامج العسكري النووي الكوري الشمالي.


آخر الأخبار