الجمعة 29 مارس 2024
الرئيسية - كتابات - صنعاء وصراع القوى المتناقضة
صنعاء وصراع القوى المتناقضة
صنعاء وصراع القوى المتناقضة
الساعة 08:32 صباحاً (بشرى المقطري)

تخوض القوى اليمنية، بشكل دوري، معارك لتحجيم منافسيها في المناطق الخاضعة لها، ومع أن هذه المعارك قد تخفُت حيناً، أو يجري تأجيلها إلى مرحلة لاحقة، فإنها ما تلبث وأن تصعد إلى السطح السياسي، إذ إن القوى المتناقضة تنظيمياً أو سياسياً تشكّل تحدّيا مستقبلياً لبعضها بعضا، حيث تتنافس على استثمار النطاقات الجغرافية عينها، ومن ثم السلطوية.

 وإذا كانت دورات الصراعات البينية، إضافة إلى سياسة التمكين والإزاحة التي تبنّتها القوى المتدخلة قد حدّدت قوى السلطة في اليمن، فإن شكل التسوية السياسية المقبلة صعّد من حالة التنافس البيني، وإن اختلف تبعاً لاستراتيجيات سلطات الحرب المختلفة، لفرض استحقاقها على منافسيها، بيد أن مقتضيات الصراع قد تأخذ، في بعض المناطق اليمنية، شكلاً أكثر استمرارية، ومن ثم حدّية، وذلك لطبيعة سلطة الحرب وتعاطيها مع القوى الفاعلة، وما تمتلكه هذه القوى من أدوات قوةٍ يمكنها توظيفها مستقبلاً لصالحها.



حكم المشهد اليمني المتشظّي سياسياً ووطنياً جملة من التفاعلات البينية من بُنية سلطات الحرب وسلطات الأمر الواقع وأدواتها في إدارة الحياة السياسية المحلية، إلى الحيز المتاح لحراك القوى، ومن ثم خياراتها السياسية، وما يترتب عليه من إنتاج واقع سياسي يتسم بالبعد الصراعي بين قوى مركزية وأخرى هامشية أو مقيّدة.

وفي هذا السياق، شكّلت جماعة الحوثي، بوصفها جماعة دينية، ومن ثم سلطة أمر واقع، نقيضاً بنيوياً وسياسياً للحالة المدنية بكياناتها وتنظيماتها، انعكس على الحياة السياسية في المناطق الخاضعة لها، وعلى علاقتها بالأحزاب السياسية، والخيارات المتاحة أمامها، كما أن وصول الجماعة إلى السلطة عبر الغلبة والعنف المسلح جعلها تُعادي العمل السياسي بوصفه خيارا للتداول السلمي للسلطة، مقابل تضمينها أدواتها القهرية في أجهزتها القمعية لإدارة المجتمعات الخاضعة لها، بحيث أخضعت القوى السياسية والاجتماعية لهيمنتها ولتوجهاتها السياسية، ومن ثم قوّضت المجال المدني بشكل عام.

 كما أن طبيعة الجماعة التي ترى في الآخر الذي لا يندرج ضمن هويتها الدينية تهديداً وجودياً لها فاقم من عملية قمعها الدورية الأحزاب السياسية، بما يضمن احتكارها المجال العام، وضمان عدم وجود أي قوة سياسية بديلة مؤهلة لتصدّر المشهد السياسي، بحيث يلتفّ حولها المجتمع لمعارضة سلطتها في المستقبل.

 

بانتفاء حاجة الجماعة لقوة إسناد، بعد تحوّلها إلى سلطة أمر واقع، أعادت ضبط العلاقة مع القوى السياسية باعتبارها قوةً هامشيةً وملحقةً بها

وإذا كانت جماعة الحوثي قد أدارت، في مرحلتها المبكّرة، نوعا من التحالفات مع بعض الأحزاب السياسية، أي وفق تحالفات الضرورة، فإن ذلك خضع لقاعدة الاختراق للقوى السياسية واستمالة أعضائها، مقابل توظيفها سياسياً في معركتها للسيطرة على السلطة أكثر منه إدارة علاقة ندّية معها، بحيث إنه، وبانتفاء حاجة الجماعة لقوة إسناد، بعد تحوّلها إلى سلطة أمر واقع، أعادت ضبط العلاقة مع القوى السياسية باعتبارها قوةً هامشيةً وملحقةً بها.

وإن استخدمتها بوصفها أدوات سياسية واجتماعية للتحشيد لجبهات الحرب، إلا أن الجماعة التي تراهن على استمرار احتكار المجال السياسي في المناطق الخاضعة لها شرطا يضمن بقاءها أخضعت علاقتها بالأحزاب لمقاربتها الأمنية في المقام الأول، إذ يصعّد مخاوفها من بديل سياسي مدني على حسابها في مرحلة ما بعد الحرب، جعلها تصعّد معركتها للسيطرة على القوى التي ترى أنها خارج سيطرتها الكلية، أو على الأقل تستطيع التحرّك خارج أطرها وقنواتها.

لذلك بدا أن معركتها مع حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء، وغيرها من المناطق الخاضعة لها، والذي يمتلك أدواتٍ لا تمتلكها الجماعة، مصيرية بالنسبة لها.

لا يمكن فهم ديناميكية الصراع الدائم والمتجدّد بين جماعة الحوثي بوصفها سلطة أمر واقع وحزب المؤتمر الشعبي، من دون إدراك ما أنتجته علاقة التحالف البيني من اختراقات متبادلة في بنيتيهما التي تمتد أيضاً إلى مفاصل السلطة ومؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء والمناطق الأخرى الخاضعة لجماعة الحوثي، إلى جانب معرفة مواطن القوة والضعف، ومن ثم احتمالية أن يستغلّها أي طرفٍ في أي وقتٍ ممكن.

 فمع تناقض "الجماعة" و"المؤتمر"، من حيث البنية التنظيمية والأدوات، فإنهما يتنافسان على استثمار الحقل الاجتماعي والجغرافي والسياسي نفسه، وإن اختلفت طبيعة الاستثمار والقدرة على توظيفه، وإذا كان التحالف السياسي البيني شكل عماد علاقتهما، فإن نتائجه، وإن اختلفت بالنسبة لكليهما، لكنها مثلت عواملَ كامنةً لتجدّد الصراع.

 إذ إن "المؤتمر" وإن هيأ للجماعة العبور إلى السلطة، من خلال التمدّد إلى النطاقات القبلية والجغرافية التي لا تشكل حاضنةً بالنسبة لها، فإنها فشلت في حماية هذه المكاسب، إذ افتقرت الجماعة التي لا تملك خبرة "المؤتمر" في إدارة علاقة متناسبة مع القوى القبلية والمجتمعية من موقعها بوصفها سلطة، بحيث جعلت من سياسة البطش والإخضاع استراتيجية للتعامل مع القوى القبلية، ومن ثم فقدت ولاءها، وإنْ رضخت لها مؤقتاً بفعل القهر واستخدام الجماعة القوة في إخضاعها.

 


آخر الأخبار