2017/01/09
التحقيق مع صدّام
حسن خضر يعرف العرب، خاصة الذين تابعوا الشأن العراقي، عشيّة الغزو الأمريكي، الكثير من العبارات الإنشائية، عن الخير والشر، التي استخدمها صدّام حسين في خطاباته المُتلفزة. ويبدو من وقائع التحقيق معه، كما وردت في كتاب "استجواب الرئيس: التحقيق مع صدّام حسين"، الذي تناولنا جانباً منه في مقالة الأسبوع الماضي، أنه أسمع محققيه الأمريكيين الكثير من هذا الكلام. كان الانطباع الرئيس لجون نيكسون، كبير المحققين، وصاحب الكتاب، أن صدّام مغرور، جاهل، وشديد الاعتداد بنفسه، لا يعرف الكثير عن العالم خارج العراق، ولكنه يملك كاريزما شخصية، وموهبة اكتشاف نقاط الضعف لدى الآخرين، والنفاذ منها، واستغلالها. وقد حاول استخدام هذا الأمر حتى مع محققيه الأمريكيين. ويبدو أن هذه الموهبة، كما يقول نيكسون، كانت سلاحه الرئيس في تصفية خصومه، والبقاء في سدة الحكم على مدار عقود طويلة. وقد تمسّك على مدار جلسات التحقيق الطويلة بأمرين: أولاً، أنه رئيس العراق، ويريد التفاوض، وثانياً، أنه كاتب يحتاج ورقاً وأقلاماً لقضاء الوقت في الكتابة، ففي ذهنه رواية يريد كتابتها. ورغم أن الأمريكيين منحوه صفة أسير حرب، إلا أن المحققين لم يشبعوا رغبته في التعامل معه كرئيس، وخاطبوه دائماً باسمه مجرداً من لقبه الرئاسي، وصفته الرسمية. وفي الوقت نفسه رفضوا تزويده بأدوات الكتابة لأسباب أمنية. لم يكن التحقيق مع صدّام سهلاً، إذ رفض الإجابة، مثلاً، عن كيفية خروجه من بغداد بعد سقوطها، كما رفض الكلام عن الأشخاص الذين قدّموا له يد العون، والأماكن التي اختبأ فيها قبل القبض عليه، قائلاً إنه لن يبوح بأسماء أشخاص قد يحتاجهم في وقت لاحق. وفي هذا الصدد، يقول نيكسون إن صدّام لم يكن مدركاً لحقيقة الورطة التي وقع فيها. وأقرب الأشياء إلى قلبه كان الكلام مع محققيه عن التاريخ. وكان الكلام في هذا الجانب مفيداً من وجهة نظرهم بقدر ما يُسهم في رسم خطوط عامة لشخصية صدّام، وثقافته، ومدى معرفته بشؤون العالم. ولكن همهم الرئيس كان العثور على طرف خيط يمكنهم من الوصول إلى أسلحة الدمار الشامل، التي قيل إن العراقيين أخفوها عن عيون المفتشين الدوليين. وكان واضحاً من البداية أن ذريعة أسلحة الدمار الشامل، التي بررت بها عليها الولايات المتحدة غزو العراق، تفتقر إلى سند في الواقع. وفي بداية جلسات التحقيق قال لهم صدّام إذا كنتم قد نجحتم في القبض على صدّام حسين، وتطوّع خائن فدلكم على مكانه، لماذا لا يتطوع خائن آخر ويدلكم على مكان تلك الأسلحة. وفي هذا الصدد يلوم نيكسون أطرافاً في المعارضة العراقية حاولت إقناع الأمريكيين بوجود تلك الأسلحة، كما يلوم البيت الأبيض، الذي أراد سماع ما يريد سماعه فقط، حتى وإن كان بلا سند في الواقع، ويلقي باللوم، أيضاً، على عاتق وكالة الاستخبارات المركزية، التي تخلّت عن حسها المهني، في محاولة لإرضاء بوش الابن وإدارته، التي رفضت الاستماع لكل وجهة نظر مغايرة. ويبدو أن مقابلة نيكسون مع الرئيس بوش في البيت الأبيض، بعد القبض على صدّام، قد تركت أثراً سيئاً في نفس الأوّل. فعندما سأله بوش عن شخصية صدّام، وحاول الرد عليه بطريقة موضوعية، قطّب بوش جبينه، وتبادل نظرات خاصة مع نائبه ديك تشيني، وأنهى اللقاء بطريقة ساخرة، لأنه سمع ما لا يريد سماعه. وفي جانب حياته الشخصية، كانت لدى الاستخبارات المركزية تحليلات نفسية وسياسية تقول إن صدّام عومل في طفولته بطريقة قاسية من جانب زوج أمه، وأن تلك المعاملة أورثته قسوة الطباع، والعدوانية، وقد تكون أحد الدوافع لامتلاك أسلحة الدمار الشامل. ولكن صدّام أنكر المعاملة القاسية قائلا إن ذلك الرجل كان عطوفاً، ولا يأتمن أحداً على أسراره سوى صدّام نفسه. وعن ولديه قصي وعدي قال إنه سمع بالخبر بعد مقنلهما على يد القوات الأمريكية، وأنه يشعر بالفخر لأنهما قتلا في اشتباك مع قوات الاحتلال. وفي السياق نفسه رفض تأكيد أو نفي ما إذا كانت زوجته الثانية، التي عملت في وقت سابقة مضيفة في شركة الخطوط الجوية العراقية، قد أنجبت ولداً باسم علي. قال صدّام لمحققيه إذا قلت لكم إن هذه حقيقة هل ستقتلونه أيضاً؟ كانت خلاصة نيكسون، بعد جلسات التحقيق الطويلة، ومعاينته للوضع في العراق عن كثب، أن الولايات المتحدة أخطأت في غزو العراق، وهذا ما ثبت بعد اندلاع الحرب الأهلية، وتفشي الإرهاب، والخسائر البشرية والمادية الهائلة التي تكبدها الأميركيون. أما خلاصة القارئ بعد الانتهاء من قراءة كتاب كهذا، فيمكن العثور عليها في حقيقة التناقض بين سياسات وأجندات مختلف المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية في الولايات المتحدة، وهذا التناقض معطوفاً على امتلاك وتوظيف آلة عسكرية جبّارة، يُغري بالتفكير في الصورة المجازية لفيل هائج وسط غرفة من الزجاج. ولا تكتمل خلاصة كهذه دون التذكير بانطباع عام بشأن مدى معرفة كبار المحللين في أجهزة الاستخبارات الأمريكية بالعراق، والعالم العربي بشكل عام، فهذه المعرفة تبدو سطحية تماماً، وتتناقض، بالتأكيد، مع الصورة الأسطورية الشائعة في العالم. ولعل في خلاصة كهذه ما يوحي ببعض جوانب الخلل في سياسة الولايات المتحدة في العالم العربي، والشرق الأوسط.
تم طباعة هذه الخبر من موقع بوابتي www.bawabatii.com - رابط الخبر: https://bawabatii.net/news100626.html