2017/06/04
اختصر سنوات من حياتك
علي محمد علي
"من يدخل الطريق بلا مرشد سيستغرق مائة عام في رحلة لا تحتاج سوى يومين" جلال الدين الرومي.
جميل أن نتعلم من أخطائنا، فهذا دليل على أننا قادرون على وضع أهدافنا قيد التنفيذ، نجرب ونخطئ ونتعلم، والخطأ يُمكّننا من تجربة مختلف الاستراتيجيات للوقوف على أفضل السبل لتحقيق ما نرجو تحقيقه، ولكننا نُهمل المضار المترتبة على نظرية التجربة والخطأ.
أولها: تضييع الوقت، ننسى دائماً عامل الوقت بمحدوديته، لن يكون لديك الوقت الكافي لتحصل على كل الإجابات بمفردك، لتمر بكل التجارب، لتختبر كل السبل؛ لأنه قد يمتد الخطأ الذي تقع فيه ليشمل سنوات من حياتك.
وثانيها: الشعور بالألم المترتب على تكرار الخطأ، ينال منا التعب ولا نصيب شيئاً، هذا الشعور يقف عائقاً يمنعنا من متابعة العمل على أهدافنا، فنتجنب المحاولة خوفاً من تكرار الفشل.
وإن أفضل طريقة لتحقيق ما ترجو تحقيقه، هي أن تعثر على قدوة ما، شخص تمكن من تحقيق ما تصبو إليه، وأن تحاول التعرف على المعرفة التي كان يملكها والتي خولت له النجاح، وكيف كان يفكر، وما هي السبل التي وطئها فمهدها. إن هذا لن يزيد من فاعليتك فحسب؛ بل سيوفر عليك الكثير من الوقت، ويجنبك سقطات الفشل.
الناجحون لم يسقطوا على قمة جبل النجاح فجأة، ولكنهم أنفقوا سنوات من عمرهم في استكشاف الطرق المفضية إلى الغاية التي يريدون، مُحمَّلين بتجارب من سبقهم، فبالاعتماد على معرفتهم وتجاربهم لن يكون عليك اكتشاف العجلة من جديد؛ بل يمكنك تحسينها فقط أو إعادة اكتشافها.
إذ إنه ليس من المحتمل أن يأتي الإنسان بفكرة أصيلة وجديدة تماماً، أي فكرة هي نتاج تجميع أفكار قديمة معاً، هذه الأفكار مصدرها من الآخرين الذين سبقونا على الطريق ولولاها لما كان هناك ما يوصف بأنه جديد، وكما قال بسكال: "أنا لم آتِ بجديد، فقط أعدت ترتيب الكلمات".
يجب أن يكون أصدقاؤك ومعارفك مقسمين إلى أقسام:
فأولهم، الأصدقاء الذين هم أقل منك سناً وخبرة بالحياة، وهؤلاء يمكنك تعليمهم والنصح لهم، محتسباً ذلك عند الله، ليهيئ لك من يعلمك، ولا تنس مهما كانت ضآلة المعلومات التي ستشاركهم إياها، فقد تغير حياة أحدهم للأفضل.
وثانيهم، الأصدقاء الذين هم في عمرك نفسه، يجب أن تقضي بعض الوقت مع من يفهمك ويشاركك الأحلام والسعادات، يتبادل معك الخبرات وينصح لك، ويكون مرآتك التي ترى فيها نفسك؛ لتقف على عيوبك.
يقول بلزاك: "إنما تحيا النفوس بأن تعطي غيرها من نفائسها، وأن تأخذ من نفائس النفوس الأخرى، وهي قد تعطي غيرها، ثم تستعيدُ بعضَ ما أعطته بعد أن تحوِّله النفوس الأخرى إلى ذخائر ونفائس من عندها، وهذا التبادل ضروري للنفس كما أن التنفُّس ضروري للجسم".
وثالثهم، أولئك الأصدقاء الذين يكبرونك بداية من 10 سنوات فيما يزيد، قد لا تشعر معهم بالارتياح، ولكنهم متفوقون عمن سواهم بحصيلة تجارب السنين التي سيقدمونها لك مجاناً في شتى مجالات الحياة، قد يشير أحدهم إليك عن شيء عجزت أنت عن استنباطه ورؤيته، وقد يرى أحدهم فيك ما لا تراه أنت في نفسك.
ورابعهم، المتفوقون والاستثنائيون: وهؤلاء ممن قد لا تجمعك بهم معرفة أو تربطك بهم قرابة، فعليك أن تبدأ بالبحث عنهم.
حدد ما تريد عمله في حياتك، قد يكون مشروعك الذي تريد تنميته، كتابك الذي تريد تأليفه، موسيقاك التي بداخلك تتوق إلى الخروج، وما إن تقرر العمل حتى تبدأ بالبحث عن قدوة، هذا المستشار الذي سار على الدرب قبلك، اسأله النصيحة، أن يسدي إليك يداً، أن يدعمك، اعمل لديه دون مقابل، تعلم منه، اقرأ كتبه، حاصره حتى تتعلم.
ولا تقف في ركن تنتظر أن يأتي هو إليك ليساعدك في اجتياز ما تريد وتحقيق ما تنشد؛ بل اذهب أنت إليه واطلب المساعدة، وهذا لن ينتقص من قدرك شيئاً؛ بل ينتقص منه سكوتك عن عجزك، فإذا كنت تبتغي عون الطبيب فلا بد من أن تكشف عن الجرح.
ومن المفترض أن تعاون مثل هؤلاء الناجحين معك سيكون صعباً، ولكن بمقدار الصعوبة ستحصد نتائج عظيمة، وتأكد أنك لن تحصل على شيء ما لم تدفع ثمنه، وبمخالطتك إياهم تصيبك عدواهم، فالنجاح له عدوى كالأمراض، فإن من لا ثقة له بنفسه قد يأنس إلى من له ثقة كبيرة بها، وإن الضعيف غير القادر على تحمل الآلام يكتسب شجاعة برؤية قدرة وشجاعة غيره.
وأخيراً، قد تحتاج مساعدة ممن قد غادروا الحياة، وهنا يأتي دور الكتب، هذه الكتب التي خلفوها تخفي داخلها مخططات الطرق المختصرة، تحوي خريطة الكنز، عامل الكتاب كما لو كان صاحبه، تحدث معه، استدعه في كل مرة تحتاج فيها إلى المساعدة.
وإذا ما بقيت تتعقب نهج الناجحين وقمت بما قاموا به فلن يحول أي شيء دون حصولك على النتائج نفسها، "وحين يكون الطالب جاهزاً، سيظهر الأستاذ إلى الوجود".
تم طباعة هذه الخبر من موقع بوابتي www.bawabatii.com -
رابط الخبر: https://bawabatii.net/news132078.html