2015/10/25
هل نستحق ما يجري لنا؟
سهى الجندي
نحن أمة لا تعرف معنى الحياة، ولا تستمتع بها، ويمضي العمر والإنسان غارق في كآبة لا يعلم ألمها سوى الله. وبينما لدينا الكثير من حملة الشهادات العليا، فإنهم لا يتجرأون على الخروج من البوتقة التي سكبوا فيها منذ نعومة أظفارهم، والحياة بالنسبة لهم إما غالب أو مغلوب ولا مكان للحلول الوسط، ويقول المثل الإنجليزي “Live and let live” ولكن مفهومنا عن الحياة هو أننا نلغي الآخر وننفذ إرادتنا، وهذا ينطبق على رأس الهرم إلى عامل النظافة. وقلة قليلة هم الذين يعيشون حياة هادئة، يأخذون حقوقهم ويعطون كل ذي حق حقه. وغالبا ما يكون هؤلاء تلقوا تعليمهم في الخارج. ولو افترضنا أن العالم العربي مقسم إلى قطع صغيرة وقمنا بجمعها، لكانت الصورة النهائية هي ما نراه اليوم. وأما هذه الأجزاء فهي:
أولا: نظام الحكم غير المقيد وعدم تداول السلطة. مما يجعل لعاب الطامعين بالسيطرة يسيل لهذا الكنز الذي لا ينضب، ذلك أن مفهوم السلطة يختلف عن مفهوم العالم لها، فالسلطة ليست عبئا ولا سهرا وتفكيرا في كيفية التطوير والتحسين، ونجد المقربين من نظام الحكم يغرفون من موازنة الدولة بدون حساب، لذا يقتتل الناس طمعا بها ينكلون ببعضهم البعض.
ثانيا: رب العمل يعتبر نفسه إلها في مؤسسته ولا يقيم اعتبارا لحقوق العمال بالخصم والتوقيف والفصل، ولا يستطيع صاحب الحق أن يحصل حقوقه إلا إذا ذكر صاحب العمل بالآخرة ودعا له بالخير لكي يخجله، ولو أنه أرسل نفسه على سجيتها لقال له "يا حيوان أغلق فمك واعطني حقني ولا يهمني إذا ذهبت إلى الجحيم"
ثالثا: الوافد إلى بلاد العرب يذوق الأمرين، إلا إذا كان "خواجا" فيصبح العربي عبدا عنده. وشائع جدا أن ترى العربي خائفا من مواطن الدولة حتى لو كان أقل منه علما وخبرة، وهذا الأخير يجيز لنفسه إعطاء التعليمات بل ورفع الصوت والتوبيخ، لمجرد أنه من البلد ذاتها، أما الآسيوي فقد يُضرب ولا منصف له.
رابعا: الخيانة. وهو الأمر الذي قتل العرب منذ أبي رغال وأبرهة الأشرم، وهناك من العرب من يجلسون على جبال من ذهب، انسلوا وتحالفوا مع الأجنبي على حساب مصالح العرب، كالوحش المفترس الذي ظفر بفريسة وهرب بها من القطيع كي يأكلها وحده.
خامسا: المجتمع. وهذا عبارة عن بؤرة للنفاق والازدواجية والغيبة وأكل الحقوق، لذا فإن أفراده لا يعرفون طعما للحياة ولا ينطلقون للعلم والبحث والاستقصاء ورفعة الشأن، ومنهم أثرياء لدرجة الكفر، لا يوقفون بعض ثروتهم للخدمة العامة. وليس هناك منظمات مدنية تعنى بالنشاطات الثقافية التي تسودها الحضارة والأخلاق والآداب. لذا يخرج الشباب طلبا للمتعة في الخارج. وكم يرهب الناس بعضهم البعض وكم قالوا عن فقد الصداقة والوفاء، فصاروا يتوارون عن الأنظار ويعملون ما يحلو لهم في الخفاء. وفي العالم العربي أعلى نسبة للعنوسة تفوق ال 50%، فما هي هذه الحياة التي تحرم فيها الفتيات من الحياة الطبيعية؟ ولو عزم البعض على الإصلاح فإنهم يصلحون من خلال الوعظ والإرشاد والتعاليم الدينية، يذكرون الناس بأن الدنيا فانية فلا يجدر بهم الاهتمام بها، بل يجب عليهم التفرغ للعبادة لكي يجدوا المكافأة بانتظارهم في الحياة الآخرة، فأين هي الحياة إذن؟ هل يجب أن يصرفوا النظر عنها؟ لماذا لا يعمل هؤلاء على استئصال المشاكل بدلا من تخدير الناس وتجميد عقولهم؟
سادسا: الأسرة. هذه المؤسسة الاجتماعية البائسة التي يسيطر فيها الذكور بصرف النظر عن غرارتهم وهبوط همتهم. فتسعى المرأة لإنجاب الذكور لكي تثبت نفسها وتتجنب الطلاق أو الزواج الثاني، وتعطي مالها وجهدها، وإذا أعرض الزوج عنها، تجلس لتضرب كفا بكف. وفوق هذا وذاك، تفقد احترام المجتمع الذي كان يرحب بها عندما كانت متزوجة وترافق زوجها في زياراته. ولا ينصفها قانون ولا شرع. وربما يشكك بعض القراء في هذا الأمر، ولكنهم لو يطلعون على الإحصاءات ويشاهدون البرامج التلفزيونية التي تطرح هذه المشكلة بجرأة، لوقفوا على حقيقة الأمر.
اتصلت بي إحدى الصديقات منذ عقود خلت ودعتني إلى أمر هام. وهي مسيحية عربية، ذهبت واستقبلتني ورفعت يدها اليمين لتريني خاتم الخطبة، فقلت "مبروك، ومن صاحب الحظ التعس؟" قالت هو بريطاني، فصدمت، وقلت "أتتزوجين ببريطاني؟" ثم جلسنا واستفاضت بالحديث حتى بكينا وشرقنا بدمعنا. وخلاصة شكواها أنها تجاوزت الثلاثين ولم يتقدم لخطبتها أحد، وعمرها يجري وهي تريد أن تستقر وتنجب ولدا أو بنتا وتعيش حياتها الطبيعية. وبعد مضي السنين، أدركت أن ما قالته صحيح تماما، ولو أن الشرع والعادات الاجتماعية تسمح لنا، لوجدت الفتيات العربيات العانسات يفرحن للارتباط ب "خواجا".
تم طباعة هذه الخبر من موقع بوابتي www.bawabatii.com -
رابط الخبر: https://bawabatii.net/news27880.html