2021/01/14
لماذا يتدهور سعر صرف  العملة الجديدة؟!

د.محمد حسين حلبوب

لماذا يتدهور سعر صرف العملة الجديدة؟!،  للإجابة على هذا السؤال من الضروري الإشارة الى الامور التالية:-

اولا: بسبب إجراءات الحوثي ( النقدية, والجمركية ), تشكل في اليمن اقتصادين نقديين منفصلين عن بعضهما. اقتصاد نقدي خاص بالمناطق التي يحكمها الحوثي, تتداول فيه رسميا ( العملة القديمة ) ويجرم فيه التداول ( بالعملة الجديدة ), وتصادر السلطات ما تجده منها. واقتصاد نقدي خاص بالمناطق التي تحكمها الشرعية. تستخدم فيه رسميا  ( العملة الجديدة) و ( العملة القديمة).

   وكنتيجة لذلك اصبح ( للعملة الجديدة ) عرض وطلب خاص بها.  وسوق محدود يتمثل بالمناطق التي تحكمها الشرعية فقط.

بينما اصبح ( للعملة القديمة ) عرض وطلب خاص بها ولكن سوقها ظل أكثر اتساعا. حيث يشمل على مناطق الحوثي, ومناطق الشرعية ايضا. -- ولكن بحكم تفضيل السكان واستقطاب العملة القديمة من قبل ( البنك المركزي للحوثي )  انحصر سوقها -- عمليا -- في مناطق سيطرت الحوثي.

ثانيا : كنتيجة للحرب والوضع الاقتصادي المتدهور, ولأسباب أخرى انهارت الثقة بالجهاز المصرفي, فأصبح سعر صرف ( الريال شيكات ) اقل بكثير من سعر صرف ( الريال كأش ). وأصبح ( للريال شيكات ) ايضا عرض وطلب خاص به وبالتالي سعر صرف خاص به يقل بنسب متغيره عن سعر صرف الريال الجديد وعن سعر صرف الريال القديم.

    وهكذا اصبح في اليمن - عمليا - ثلاث عملات ( الريال الورقي القديم ), و ( الريال الورقي الجديد ), و ( الريال شيكات ). ولكل منها سوق خاص به وسعر صرف مختلف عن الآخر.

    وبهكذا (  تشوه ) سوق العملة في اليمن, وأصبح ( العرض النقدي ), ثلاثة عروض. وذلك على النحو التالي :-

1- ( العرض النقدي ) من ( العملة الجديدة ) ويساوي ( النقد الورقي المتداول ( البنكنوت ) بالعملة الجديدة ) فقط. ويتم اصدارة من قبل البنك المركزي عدن. ووصلت قيمة ما تم اصداره منها -- حسب آخر معلومات غير مؤكده لدينا -- الى ( 1.755 ترليون ريال جديد).

2- العرض النقدي من ( العملة القديمة ) ويساوي ( النقد الورقي المتداول ( البنكنوت ) بالعملة القديمة فقط.

 وتم اصدار الجزء الاكبر منه والبالغ ( 810  مليار ريال ) من قبل البنك المركزي صنعاء قبل عام 2015م. ولاحقا تم انزال ما كان مخزون من العملة القديمة, مبلغ وقدرة ( 625 مليار ريال قديم). اي ان اجمالي ( العرض النقدي ) من ( العملة القديمة ) يصل الى ( 1.435 ترليون ريال قديم ).

3- العرض النقدي من ( الريال شيكات ) ويتكون من :--

أ- ( الودائع تحت الطلب + الودائع لآجل + ودائع الادخار ). التي كانت موجودة في البنك المركزي صنعاء وفي البنوك التجارية والإسلامية قبل الحرب وبلغت قيمتها ( 2.225 ترليون ريال يمني ).

ب -- ما يتم اصداره من قبل البنك المركزي صنعاء لتغطية العجز في ميزانية حكومته + ما يتم احتسابه من ارباح اذون الخزانة ويضاف الى قيمتها. وقد بلغ ما تم اصداره ( 3.1 ترليون ريال يمني ).

ج-- ( مبلغ ضخم غير معروف لأي احد ) يتم ( خلقه ) لدى الصرافين, على شكل ( تسهيلات ائتمانيه) غير محدودة السقوف. وذلك بعد ان اصبح كثير من الصرافين يقوم بمهام البنوك, دون ان تطبق عليهم الالتزامات والقيود التي يفرضها البنك المركزي على البنوك في منح (التسهيلات المصرفية ).

     وهكذا بلغ اجمالي عرض النقد ( للريال شيكات ) ( 5.3 ترليون ريال شيكات + س ) --  ( 2.225 + 3.1 ) + س --. وهذا مبلغ ضخم جدا ويمثل العامل الاساسي في تدهور العملة ( بأشكالها الثلاثة ).

     وفيما يخص ( العملة الجديدة ) فقد ظهرت عوامل استثنائية أدت إلى زيادة كبيرة في العرض منها وذلك على النحو التالي :--

 1- قيام ( البنك المركزي للحوثي  ) بتطبيق ( التجربة النقدية الكردية ) في العراق بعد حرب عام 1990م, وتعامل مع ( الطبعة القديمة ) للريال اليمني, كما تعاملت ( حكومة كردستان ) مع ( الطبعة السويسرية) من العملة العراقية. أي عدم الاعتراف بالعملة الجديدة.

وبذلك تم ( طرد ) ما تم اصداره من ( العملة الجديدة ), من ( مناطق الحوثي ) إلى مناطق الشرعية. فزاد العرض من ( العملة الجديدة ) بشكل كبير في مناطق الشرعية.........(1).

      وبغض النظر عن حجم الخسائر المهولة, التي تحملها القطاع الخاص في ( مناطق الحوثي), وعن الركود الاقتصادي الشديد الذي يعيشه اقتصاد مناطق الحوثي, الا ان ( البنك المركزي للحوثي ), كسب ( معركه اقتصادية ) مهمه. من خلال سحب البساط من تحت أقدام ( البنك المركزي عدن ), ووضعه في موقف حرج للغاية. ( برد بضاعته اليه ).

2- جمع ( بنك الحوثي المركزي ), كميه كبيرة من ( العملة الجديدة ), بأشكال مختلفة كان من أهمها :-

- مصادره, الأموال من القطاع الخاص.

- استبدال ( مئة ألف ) لكل مواطن من ( العملة الجديدة ), بعمله الكترونيه.

 - ما جمعه ( البنك المركزي الحوثي ) من إيرادات حكومية, قبل اعلان عدم اعترافه ( بالعملة الجديدة ).

    ومن المؤكد أن ( البنك المركزي للحوثي ) لم يحرق أو يتلف ما جمعه.

بل استخدم ذلك في شراء العملات الأجنبية, والسلع التي يحتاجها, ( للمجهود الحربي), من مناطق الشرعية.

وهذا الأمر أدى إلى زيادة العرض من ( العملة الجديدة ), في مناطق الشرعية.

3- اعتمد البنك المركزي عدن على ( التدخل المباشر في السوق ) من خلال ( الوديعة السعودية ). كأداة, وحيده - تقريبا - للحفاظ على سعر صرف ( العملة الجديدة ), واهمل بقية أدوات السياسة النقدية.

   ومن وجهة نظري, فان تجربة التدخل المباشر في السوق من خلال ( الوديعة السعودية ), كانت تجربة فاشله بكل المقاييس.

وكان ( الحوثي ),  هو المستفيد الأكبر منها, ليس لأنها حلت له مشكلة استيراد السلع الأساسية, والمشتقات النفطية, لسكانه الأكثر عددا. لا بل أنها زادت من ايراداته الجمركية, ومنحته فرصه استخدام ما جمعه من الإيرادات الحكومية, لشراء العملات الأجنبية المتدفقة إلى اليمن من تحويلات المغتربين ومن المنظمات الدوليةـ والامر الذي مكنه من تغطية مشترياته العسكرية بالعملات الأجنبية, وتكوين, ( احتياطي نقدي بالعملة الأجنبية ) لبنكه المركزي.

4- استمر ( بنك الحوثي المركزي ), في تغطية, الجزء الأكبر من عجز ميزانية ( حكومة الحوثي ) , ( بالتمويل التضخمي). من خلال إصداره ( شيكات بدون رصيد ). تحظى ( بالقبول العام ), بسبب اعتراف البنك المركزي عدن بها.

   وقد حصلنا على وثيقه ( سريه ) يعترف فيها الحوثي بان اجمالي قيمة ما اصدرة من ( عمله ) يتم تداولها على شكل ( شيكات بدون رصيد ) قد بلغت ( 3 ) ترليون ريال يمني. والمأساة ان جزء كبير منها, كان ولايزال يتم تسييلها ( تحويلها الى كاش ). وذلك ( بعملات جديده ), عبر البنك المركزي عدن, عبر ( آلية المقاصة ) وبذلك اصبح العرض من ( العملات الجديدة ) غير محدود.

وفي الجانب الآخر ( جانب الطلب على العملة الجديدة ), فقد تأثر بالعوامل التالية :--

1-- انخفاض الطلب على العملة الجديدة من قبل سكان مناطق الحوثي. لكون ميزان المدفوعات بين مناطق الحوثي ومناطق الشرعية لصالح مناطق الحوثي.

وذلك نظرا للسياسة المالية التوسعية لحكومة الشرعية. والسياسة المالية الانكماشية لحكومة الحوثي, ولأسباب سياسية وادارية اخرى، أي أن المقبوضات من صادرات مناطق الحوثي الى مناطق الشرعية + تحويلات المغتربين من مناطق الشرعية أكبر من مدفوعاته إلى مناطق الشرعية. 

 

2- انخفض الطلب على ( العملة الجديدة ) نتيجة انخفاض العرض من العملات الأجنبية, لأسباب كثيره من اهمها :-

أ- انخفاض صادرات المشتقات النفطية.

ب- انخفاض الصادرات الخدمية.

ج - توقف الصرف من الوديعه السعودية.

د- توقف المقبوضات من العملات الصعبة التي كانت تدفعها الامارات لتغطية النفقات  العسكرية.

ه- توقف المقبوضات من العملات الاجنبية التي كانت تدفعها السعودية لتغطية النفقات العسكرية.

  الخلاصة: ان معالجة تدهور سعر صرف العملة الجديدة يتطلب معالجة كل من العوامل التسعة اعلاه، وعلى وجه الخصوص العامل الاساسي المتمثل في ( زيادة العرض من العملة الجديدة ), التي يسببها تحويل ( الريال شيكات ) الى ( كاش ) بالعملة الجديدة, والناتج عن ضعف ادارة البنك المركزي عدن وتواطؤ وفساد بعض موظفيه.

 

 

تم طباعة هذه الخبر من موقع بوابتي www.bawabatii.com - رابط الخبر: https://bawabatii.net/news280472.html