2021/01/27
ماذا بعد الاعتقال

السجن مسرح لإمتحان القوة ومقاومة ضدية متعددة، تشمل السجانين وإدارتها، وصولاً إلى المجتمع نفسه ولكن الامتحان الأساسي يظل هو علاقة المسجون بذاته، فهو ينازعه دائماً سؤال عن قدرته على مقاومة من يعتبرهم أعداءه بأسلحة غير متكافئة، فهي تسأل نفسها عن أية موارد تستطيع أن تعتمد عليها، ومن أين يمكنها أن تستمد الطاقة لكي تدافع عن نفسها  ربما يخص هذا الأمر كل المساجين.

لكن حين يتعلق الأمر بمعتقلة  كما هنا في الحالة اليمنية، فلا بد من قراءة السجن كإحدى آليات التكريس التي يمارسها ما يسموا أنفسهم بأنصار الله ، تكريس ليس للأرض فقط، بل وأيضاً لأجساد الذين يجري اعتقالهم، وضبطها بغية إذلالها وإنهاكها وإلحاق الهزيمة بها.

وهذا أمر يتأكد أكثر حين يكون الجسد أنثوياً، والأسير امرأة لهذا يبدو مهماً الإصغاء ملياً لأصوات الناجيات من المعتقلات ولتجربة الاعتقال التي مررن بها، وهي مرّة وقاسية في أغلبها.

وحين نحفر في البنية الذهنية للعقل المليشاوى والجماعة الحوثية   ، نتبين كيف أن أسر النساء هو مدخل لإذلال ثقافي ومعنوي.

صحيح أن جميع السجون هي سجون للإذلال والقمع وممارسة الإرهاب لكن سجون مليشيا الحوثي، من خلال تجارب المعتقلات هي بمثابة موت بالحياة فانتهاك أجساد المعتقلات يبدو من منظور الحوثيين وكأنه نجاح في انتهاك النظام والأعراف والموروث الثقافي بغية إذلالها وإنهاكها وإلحاق الهزيمة بها للانتقام من المجتمع الذي يرفضهم ويرفض ممارساتهم وانقلابهم .

لكن المفارقة أن تجربة الأسر التي تنتهي بالتحرر قد لا تعني دائماً تتويج المرأة المحررة بإكليل البطولة فثمة تجربة أخرى قد تكون أكثر وطأة من الأسر نفسه، وهي المتعلقة بحياة ما بعد الأسر، في مجتمع ينظر للمرأة فيها الكثير من النظرة الدونية.

سونيا صالح أحد تلك الناجيات من معتقلات الحوثي فهي ناشطه حقوقية ومؤسسة لمنظمة رغم الصعاب ,خريجة جامعة صنعاء ,قدمت العديد من الاعمال والمبادرات الخيرية ووصلت أعمالها إلى محافظة حضرموت القطن ,وقامت بعمل مبادرة كفالة أيتام وتبنت العديد منهم.

تروى سونيا فى بداية حديثها  كنت مرتاحة في صنعاء عشت في حده وبداية الحرب نقلت الى شميلة شارع ٢٤ وأنا معروفه في صنعاء حيث تم اعتقالي في ٦٣٢٠١٩ حينها كنت في طريقي الى حده أوصل مساعدة لرجل يعاني من تليف بالكبد كان ذلك ضمن مبادرة مساعدة مرضى السرطان والكبد التي أنفذها ضمن مشاريع المبادرة .

وحين وصلت محطة ١٤اكتوبر في حده تم محاصرة المكان من قبل الامن القومي ومجموعة كبيرة من المسلحين انزلوني من سيارتي وربطوا عيوني واخذوني بواسطة باص   للأمن القومي.

وأرجعت  سبب إعتقالها  لبعض المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي وجهت فيها انتقادات لاذعة لارتفاع قيمة الإيجار الشهرى للعقارات

 في ظل انعدام الرواتب ,و حين كنت أرى الأطقم الحوثية تطرد  سكان العمارات نحو الشارع بدلا من حل تلك الإشكالية والتخفيف عن كاهل المستأجر بت استنكر ذلك .

وتؤكد الناجية من سجون الحوثي: أن تجربتها في معتقلات الميليشيا مؤلمة وعصية عن النسيان، جعلتها ترى أشياء يصعب استيعابها؛ كونها أقرب للخيال المرعب، ولكنها للأسف تحدث فعلًا داخل جدران أقبية التعذيب الحوثية.

مرت سونيا بثلاث مراحل بالمعتقل الحوثي كما تروي  المرحلة الاولى في مكتب الوكيل بالأمن القومي لمدة أسبوع تم التحقيق معي  ثم نقلي الى سجن سري وايداعي الضغاطة والتي هي غرفه متر ونص في متر ,ظلام دامس مكبلة من الأيدى والأرجل وقضيت فيها اتعس وأمر أيام حياتي فهي  بالنسبة لي بمثابة موت بالحياة فقد مارست عليا مليشيا الحوثي  عدد من أساليب التعذيب ابتداء من الصاعق الكهربائي والماء البارد وثم سلخ الجلد وانتهاءً بنزع اظافر قدمي اليمنى بالإضافة الى تغييبي عن العالم وعدم السماح لي بالتواصل عبر الهاتف مع اهلي نهائيا.

وأوضحت سونيا: أن ميليشيا الحوثي الإرهابية  تستخدم النساء كورقة ضغط سياسية، مشيرة إلى أن السجون الحوثية ممتلئة بالنساء، اللاتي يتعرضن لتعذيب عنيف، يبدأ من نزع الأظافر والتعذيب الجسدي والنفسي، مرورًا بالابتزاز والاعتداءات المشينة، انتهاءً بالمساومة على التجنيد مقابل الإفراج.

تقول سونيا : كنت أسمع أصوات وصايح وبكاء السيدات اللاتي يتم تعذيبهن بالضغاطات المجاورة لي وعندما تم تحويلي للسجن المركزي تعرفت على اكثر من 200ضحيه وهن ضحايا ما أطلق عليها الحوثي بالحرب الناعمة , كنت استرق احاديث معهن احيانا على غفلة من الزينبيات وقت الزيارة وقد كنت المح آثار التعذيب يغطي ظهورهن وصدورهن

وتؤكد سونيا أن الخروج من الأسر لا يعني الحرية حيث ونحن في بلد يعتبر أن النساء لا يجب أن يكن في السجن حتى ولو من أجل قضية عادلة لأن السجن هو عالم للرجال فقط

لهذا يغدو التفكير في "كلام الناس" جزء من تجربة الأسر ذاتها التي تستمر بعد انتهائه، حيث توضع الأسيرة في وضعية مفارَقة قاسية فهي في نظرها امرأة قاومت كهنوت المليشيا وفي نظر المجتمع بنية اجتماعية محافِظة تمثل الجسد النسائي خارج دوائر الصراع والاعتقال.

توضح سونيا: المرأة عند دخولها السجن يتبرى منها الأهل وعند خروجها من السجن تواجه المجتمع بالإضافة الى أهلها هذا اذا خرجت ولا يزال أهلها معترفين بها ,وانا اعرف هناك من كنا معي في السجن وقد قتلن على يد أهلهن بعد خروجهن من السجن .

وتضيف : الدولة لم تعي هذا الملف أي اهتمام ولم تمنح المرأة أي شيء فأنا منذ خروجي من السجن وحتى اليوم لا زلت اتواصل مع جهات عدة أملا في المساعدة إلا أنه ليس هناك أي تجاوب لا من قبل الجهات المعنية ولا من المنظمات ولا حتى من حقوق الإنسان سوى كلام يقال على وسائل الإعلام

وتؤكد سونيا حتى الآن لا يوجد أي برنامج حماية لي ولا أحد منهم ساعدني ليس انا فقط بل ان هناك من هن عالقات في محافظة عدن ينتظرن الخروج أملا في النجاة حيث والعديد منهن تحولن الى متسولات في شوارع محافظة صنعاء بعد أن تبرأ منهن أهلهن وخذلهن المجتمع .

وحول دوافع الاختطاف والاعتقال أكد الناشط الحقوقي علي محسن عميران :أن عمليات الاختطاف والاعتقال للنساء والفتيات من قبل المليشيات الحوثية تتم بمبررات واهية وبأسلوب همجي غير مسبوق يضرب عرض الحائط بكل المواثيق الدولية وعادات وتقاليد وأخلاق المجتمع حيث تقوم ميليشيات الحوثي الانقلابية عبر عناصر ما يسمى بالزينبيات باعتقال واختطاف كثيراً من النساء بدون اي تهم ولأهداف انتقامية كيدية و للضغط على أسرهن في حال كان أحد أقاربهن مطلوباً للميليشيات الانقلابية فالكثير من  النساء المحتجزات في سجون ميليشيات الحوثي ليس لديهن أي نشاط سياسي أو حقوقي وهن ربات منازل

واضاف عميران أن ميليشيات الحوثي تستغل مكانة المرأة في المجتمع اليمني المحافظ ومدى تجسيدها لمفاهيم الشرف والكرامة للانتقام من المجتمع الذي يرفضها ويرفض ممارساتها وانقلابها

فيما أكد عضو الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني نعمان الحذيفي :” بأن وضع الأخوات اللاتي تم اعتقالاهن و من قبل الجماعة الحوثية ومن ثم افرج عنهن يواجهن مشكلات جمة بعد عملية الإفراج اذا يحتجن إعادة تأهيل ليس فقط على الصعيد الجسدي والنفسي وحسب وانما على الصعيد الأسري والاجتماعي في ظل مجتمع تقليدي يرى في المراءة السجينة أمر معيب وكثير من النساء المفرج عنهن يجدن صعوبة بالغة في هذا الجانب .

ودعا الحذيفي  المنظمات الحقوقية النسوية والجهات المعنية المختصة بتبني استراتيجية لإعادة تأهيل النساء المعتقلات والتعامل معهن كمناضلات قدمن حياتهن في مواجهة الجماعة الحوثية السلالية والانتصار للقضية الوطنية الكبرى اي يجب أن تحظي المعتقلات باهتمام أكبر من قبل الدولة والمجتمع.

رئيس الشبكة اليمنية للحقوق والحريات "محمد العمدة" في اليمن تساوت "المرأة" و"الرجل" في الانتهاكات والمعاناة التي خلفتها الحرب الدائرة على مدى ست سنوات مضت حتى اللحظة، بينما فشلت كل المساعي المحلية والدولية الرامية لتحقيق شيء من تلك المساواة بين الجنسين على صعيد الحقوق السياسية والاقتصادية خلال عقود من الزمن.

وأكد العمدة طبقا لكل المؤشرات ومعطيات الواقع فإن المرأة اليمنية المصنفة ضمن الفئات الضعيفة والأضعف وفقا للقانون الدولي الإنساني كانت ولازالت هي الأكثر تضررا من الحرب القائمة التي تخطت كافة القوانين والمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية وتجاهلت أيضا الأعراف والتقاليد المجتمعية التي تعتبر حتى فترة قريبة المساس بحرية وكرامة المرأة والزج بها في النزاع المسلح "عيبا أسود" وخط أحمر لا يمكن تجاوزه بأي شكل من الأشكال.

ونوه العمدة بأن نساء اليمن لم يتصدرن كشوفات القتلى والجرحى جراء أعمال القصف والقنص والألغام أو النازحين والمهجرين قسرا جراء الحرب كما هو متعارف عليه في ظل هكذا ظروف بل تصدرن أيضا كشوفات المختطفين والمخفيين قسرا والمعذبين وأنشأت سجون خاصة بهن والبعض منهن فقدن أباءهن وأبنائهن وأخريات خسرن وظائفهن ودفعتهن ظروف الحياة القاسية إلى مزاولة أعمال تفوق قدراتهن وطاقتهن وتخدش حيائهن فضلا عن تعرضهن لأعمال القتل والإصابة اليومية جراء القذائف المتساقطة على تلك المناطق والمحافظات بشكل شبه يومي أو رصاص القناصة التي وصلت إلى المطابخ وغرف النوم كما هو حاصل في مدينة تعز.

 

تم طباعة هذه الخبر من موقع بوابتي www.bawabatii.com - رابط الخبر: https://bawabatii.net/news281423.html