2021/06/14
دراسة تكشف أسباب تراجع معدل الخصوبة مشكلات العقم عند النساء والرجال حول العالم

 

تتراجع معدلات الولادات في شتى أنحاء العالم؛ حتى إنها في مختلف البلدان الأوروبية تصل إلى ما دون مستويات الإحلال السكاني [حيلولة المواليد دون التناقص السكاني]، أي عدد الأطفال الذي ينبغي أن تنجبه كل امرأة للحفاظ على عدد السكان في البلد ثابتاً خلال السنوات المقبلة. ربما تعزى حالات التراجع تلك إلى تأجيل كثير من البالغين خطوة الإنجاب عمداً بعد ولادة طفلهم الأول - أو اختيارهم فعلياً عدم الإنجاب - ولكن يتزايد عدد الدراسات التي تشير إلى أن السببين المذكورين لا يفسران على نحو وافٍ انخفاض معدلات المواليد التي يشهدها العالم. ويفيد بعض البحوث أيضاً بأن تراجع معدل الخصوبة نفسه عامل مساهم رئيس في تراجع أعداد الولادات.

 

أحد العوامل المتصلة بانخفاض الخصوبة هو التعرض لمواد كيماوية صناعية موجودة في بيئتنا. وتتوفر معلومات كثيرة عن الضرر الذي تلحقه تلك المواد بخصوبة الرجال، بيد أن طريقة تأثيرها في النساء لم تحظَ سوى بقليل من البحث العلمي. دراستنا الأخيرة، سعت إلى تبيان تلك العلاقة.

 

وخلصنا إلى أن التعرض لملوثات كيماوية شائعة كان مرتبطاً بانخفاض عدد البويضات التي تحملها النساء في المبيضين خلال سن الإنجاب. وعلى الرغم من حظر تلك المواد منذ ذلك الحين، غير أنها استخدمت في وقت من الأوقات في منتجات منزلية عدة، من بينها مواد تضاف إلى الأنسجة وغيرها لتأخير اللهب في حال حدوث حريق، وبخاخات للقضاء على البعوض، فضلاً عن أنها ما زالت موجودة في البيئة وفي أطعمة مختلفة مثل الأسماك الدهنية.

 

بويضات أقل

 

قسنا المستويات التي تحتوي عليها دماء 60 امرأة من 31 مادة كيماوية صناعية شائعة الاستخدام، من قبيل "أتش سي بي" HCB ("سداسي كلور البنزين"، مبيد للطفيليات الزراعية)، و"دي دي تي" DDT ("ثنائي الكلور ثنائي الفينيل ثالثي كلور الإليثيل"، مبيد حشرات). ولمعرفة معدلات الخصوبة في أوساط تلك النساء، قسنا أيضاً عدد البويضات غير الناضجة في المبيضين لدى كل واحدة منهن، وذلك عبر احتساب أعدادها الموجودة في عينات مأخوذة من أنسجة المبايض، مستخدمين المجهر. لما كانت المبايض موجودة داخل الجسم ويتطلب الوصول إليها إجراء عملية جراحية، اخترنا نساء حوامل كن يخضعن لولادة قيصرية، سمحن لنا بالحصول على عينات الأنسجة من دون الاضطرار إلى إجراء جراحة إضافية.

 

وتبين لنا أن النساء اللاتي احتوت العينات المأخوذة من دمائهن على مستويات أعلى من المواد الكيماوية حملن أيضاً عدداً أقل من البويضات غير الناضجة المتبقية في المبايض. كذلك وجدنا روابط مهمة بين انخفاض عدد البويضات من جهة، واحتواء عينات الدم على مواد كيماوية محددة من جهة أخرى، من بينها "ثنائي الفينيل المتعدد الكلور" (المستخدم في مواد التبريد (و"دي دي إي" DDE ("ثنائي كلورو ثنائي فينيل ثلاثي كلورو الإيثان"، وهو منتج ثانوي من الـ"دي دي تي") و"بي بي دي إي" PBDE ("ثنائي البروم ثنائي الفينيل متعدد البروم"، مادة مثبط للهب). ونظراً إلى أن خصوبة الإناث تعتمد على العمر، حرصنا على تعديل عملياتنا الحسابية وفق عمر المرأة المعنية. في النتيجة، اكتشفنا أن التعرض للمواد الكيماوية المذكورة أسفر عن وجود عدد أقل من البويضات لدى النساء من مختلف الأعمار.

 

كذلك وجدنا أن النساء اللاتي تلوثت دماؤهن بمستويات كيماوية عالية كان عليهن أن يحاولن لفترة طويلة قبل أن ينجحن في الحمل. وبالنسبة إلى من سجلن أعلى المستويات من المواد الكيماوية في دمائهن، فقد استغرقن أكثر من سنة قبل أن يتمكن من الحمل.

 

معلوم أنه خلافاً للرجال، تولد النساء بمخزون ثابت من البويضات غير الناضجة في المبيضين، وأنهن غير قادرات على إنتاج أي بويضات أخرى بعد الولادة. بصورة طبيعية، يتناقص ما يعرف بـ"احتياطي المبيضين" لدى المرأة (عدد البويضات في مبيضيها) من خلال الإباضة الشهرية (واحدة من مراحل الدورة الشهرية)، كذلك من خلال الموت الطبيعي للحويصلات أو الجريبات follicles التي تحتوي على البويضات. عندما تستنفد البويضات إلى ما دون المستوى الحرج، تنتهي الخصوبة الطبيعية لدى المرأة وتبدأ سن اليأس menopause، كما تسمى. وتشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن ثمة مواد كيماوية سامة تسرع عملية تلاشي جريبات المبيض، ما يقود إلى انخفاض الخصوبة وانقطاع الطمث المبكر earlier menopause.

 

حساء كيماوي

 

تجد المواد الكيماوية الصناعية طريقها إلينا من طريق الطعام الذي نتناوله، ومنتجات العناية بالبشرة، وحتى عبر أمهاتنا أثناء نمونا في أرحامهن.

 

منذ أربعينيات القرن العشرين شهدت المواد الكيماوية الصناعية المستخدمة، ووجودها الوفير في البيئة، تزايداً مطرداً، مع ما تطرحه من آثار مدمرة على النظم البيئية والحياة البرية، وحتى على خصوبة الإنسان. كثير منها دخل الأسواق من دون أن يخضع لما يكفي من اختبارات للسلامة. وللأسف، أدى ذلك في نهاية المطاف إلى تعرض الإنسان والبيئة إلى ما هو أشبه بـ"حساء" مكثف من المواد الكيماوية الصناعية.

 

حتى الآن، اتضح أن مواد كيماوية عدة تلحق الضرر بالقدرة الإنجابية بعد مضي عقود فقط على استخدامها من جانب المستهلك. تشمل تلك المواد "بي أف أي أس" PFAS ("الفاعلات بالسطح الفلورية"، مادة كيماوية مستخدمة في "التفلون" Teflon الذي يمنع إلتصاق الطعام بالأواني، و"سكوتشغارد" Scotchgard لحماية القماش والأثاث والسجاد من البقع، ورغوة إطفاء الحرائق)، ومركبات "الفثالات" phthalates (المستخدمة في العبوات البلاستيكية، والمعدات الطبية والصابون والشامبو)، كذلك مبيدات الآفات، ومواد كيماوية صناعية أخرى مثل مركبات "ثنائي الفينيل المتعدد الكلور".

 

تشمل الآثار السلبية المتأتية عن المواد المذكورة انخفاض عدد الحيوانات المنوية لدى الرجال، وربما قدرة النساء على الحمل. تعتبر دراستنا الأولى من نوعها التي تبحث في الصلة بين التعرض للمواد الكيماوية وعدد البويضات لدى المرأة.

 

كانت جميع المواد الكيماوية التي درسناها "تحدث على مدى فترة طويلة"، بمعني أنها تتراكم في الجسم على مر الزمن. اللافت أن معاهدة دولية كانت قيدت منذ عقود استخدام المواد الكيماوية التي وجدنا أنها مرتبطة بانخفاض عدد البويضات. ومع ذلك، بسبب وجودها المستمر، ما زالت تلوث النظام الإيكولوجي وغذاءنا.

 

ومن المثير للاهتمام أن "ثنائي الفينيل المتعدد الكلور" (أحد المواد الكيماوية التي درسناها) كان مرتبطاً أيضاً بانخفاض عدد الحيوانات المنوية والعقم عند مجموعة من الرجال. وبطبيعة الحال، يحتمل أن يفاقم الانخفاض المتزامن في الخصوبة في أوساط الذكور والإناث صعوبة الحمل على الأزواج.

 

في المستقبل، على الباحثين التحقق مما إذا كانت خصوبة جميع النساء - بدلاً من الاقتصار على الحوامل منهن - تتأثر بالمثل بتلك المواد الكيماوية، لكن النتائج قد تشجعنا على إعادة التفكير في السلامة الكيماوية، وأخذ الخصوبة في عين الاعتبار أثناء تقييمات السلامة. كذلك ربما يكون مفيداً أيضاً الابتعاد عن استعمال بعض الأطعمة (مثل ثمار البحر) وبعض المنتجات (الخاصة بالعناية بالبشرة والشعر) في خفض الآثار السلبية للمواد الكيماوية على فرصنا في إنجاب طفل.

 

ياسمين حسن طالبة دكتوراه في الطب التناسلي في "معهد كارولينسكا". بولينا دامديموبولو واحدة من كبار الباحثات في المواد الكيماوية وخصوبة النساء في "معهد كارولينسكا". وريتشيل دوكي بيورفانغ طالبة دكتوراه في الطب التناسلي في المعهد نفسه. نشر المقال للمرة الأولى في "ذا كونفرزيشن" The Conversation.

تم طباعة هذه الخبر من موقع بوابتي www.bawabatii.com - رابط الخبر: https://bawabatii.net/news291121.html