2021/08/20
هل "طالبان" حركة تحرّر وطني؟

تشكِّل الأحداث الراهنة في أفغانستان فرصة مناسِبة لطرح هذا السؤال: هل "طالبان" حركة تحرّر وطني؟

في الواقع، طالبان هي "حركة تحرر وطني" وليست كذلك في آنٍ واحد. فهي قابلة لتأوّلٍ مزدوج أو متعدد.

والأمر في نهاية المطاف يتوقف على الموقع المعرفي والفكري والأخلاقي الذي ننظر من خلاله إليها.

يمكن اعتبارها من خارجها على أنها "حركة تحرر وطني" حتى لو لم تكن طالبان تعي نفسها على أنها كذلك. ومن الواضح أن خطابها وأدبياتها يتجهان لتعبئة الحساسية الدينية الإسلامية بدلاً (أو أكثر) من تعبئة الحساسية الوطنية الأفغانية. لكن بما أن أفرادها وقادتها من أصل أفغاني، وبما أن الطرف الذي خاضت طالبان ضده الحرب هو طرف أجنبي وغير "مُسْلِم" في نفس الوقت، فإن طالبان بالنتيجة قد اكتسبتْ، كما يبدو، واحدة من أهم الصفات الكلاسيكية لحركات التحرر الوطني في العصور الحديثة: الكفاح المسلح ضد غازٍ أجنبي. أي أنها اكتسبتْ شكلياً هذه الصفة عن غير قصد.

ومع ذلك، كونها تعتنق آيديولوجية نضالية دينية متطرفة، فوطنيتها وفقاً للمفاهيم والحساسيات الحديثة تصبح في نظر البعض محل شك، أو منقوصة على الأقل. الفكرة الوطنية، بالمفهوم الغربي (الويستفالي) السائد في عالَم اليوم، هي فكرة ذات طبيعة إقليمية/ جغرافية في المقام الأول، أي أنها تتحدد بالأرض، أمَّا الدين فحدّه الإيمان. وهذا لا يعني استحالة ظهور نماذج وطنية كانت تجمع نظرياً عند التأسيس بين حَدّ الإيمان وحدّ الأرض. فالمنطق هنا وجودي وتاريخي يتعلق بإمكانية التحقُّق والبقاء أو عدم إمكانية ذلك، فهو ليس منطقاً معيارياً سابقاً على الوجود.

على أن امتلاك طالبان لبعض صفات حركات التحرر الوطني لا يجعل منها بالضرورة قوة فاضلة وجيِّدة بالنسبة للشعب الأفغاني ومصالحه وخيره العام.

 قد تكون أفعالها وبالاً ومصيبة ماحقة أكثر من الاحتلال نفسه.

يستطيع المواطن الأفغاني المغلوب على أمره أن يقر لطالبان بكونها "حركة تحرر وطني"، وأنها دحرت الاحتلال عن البلاد، لكنه يستطيع أيضاً وفي نفس اللحظة أن يرفض طالبان من منطلق وطني آخر أكثر عمقاً: بسبب أفكارها الظلامية الفاسدة، وسلوكها المتشدد باسم "الشريعة"، فكل ذلك من شأنه أن يضر بحياة الأفغان ويعزلهم عن العالم.

ولو كان للأفغان أن يختاروا، لما اختاروا "طالبان" بالتأكيد كي تحررهم من "الاحتلال" ثم تضطهدهم وتفسد حياتهم باسم "تحرير" جعلته يبدو في نظر مواطنيها أقرب إلى الكابوس والنازلة الكبرى (ومشاهد مطار كابل تبين ذلك)، وهو ما يدل على أن مثل هذه الظواهر هي من تلك الأمور السيئة التي يمكن أن تحدث لنا على نحوٍ فاجع ولا يكون لنا خيار في منعها.

وبالتالي؛ فمصيرها النهائي، بل ومعناها التاريخي، هو فقط ما سوف يقرره الزمن بالتدريج.

تم طباعة هذه الخبر من موقع بوابتي www.bawabatii.com - رابط الخبر: https://bawabatii.net/news294538.html