محمد قيراط
مما لا شك فيه أن للقراءة أهمية كبيرة في بناء الأمم والحضارات وسبب لتقدمها. فالدول المتقدمة والمتحضرة تتميز شعوبها بحب الاطلاع والقراءة والفضول العلمي والبحث عن المعرفة من المهد إلى اللحد بعكس الدول التي يسيطر عليها الجهل والتخلف والفقر. قال تعال "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم" (سورة العلق). وهنا يشير سيد قطب في ظلال القرآن في تفسير هذه الآية إلى أن خط التاريخ تحول كما لم يتحول من قبل قط وكما لم يتحول من بعد أيضا وكان هذا الحدث هو مفرق الطريق. وكذلك ذكر أن سبب تعليم الرب للإنسان (بالقلم) لأن القلم كان ولا يزال أوسع وأعمق أدوات التعليم أثرا في حياة الإنسان. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة" رواه مسلم. فنرى أن للقراءة أهمية عظمى تزخر بها نصوص القرآن والسنة النبوية وما نراه اليوم من عزوف الناس عن القراءة واقع مؤسف يقضي على أسباب الرقي والتقدم والازدهار.
رغم انتشار تنظيم معارض الكِـتاب في مُـعظم البلدان العربية، يُلاحظ الجميع انصراف الناس عن الحضور وعدم الإقبال على الشراء..فما هو السبب؟ ورغم انتشار "المكتبات العامة" في العديد من الميادين والمدارس والجامعات العربية، فإن الإقبال على القراءة والمطالعة يبقى مشكلة كبيرة تؤرق المسؤولين عن التربية والتعليم..فلماذا؟! وإذا كانت هناك قلة من المثّـقفين من الشباب العربي ما زالوا يقرؤون أو يُوفرون لاقتناء الكتاب..فماذا يقرؤون؟! وإذا كان الخبراء يؤكِّـدون أن معظم الصُّـحف والمجلاّت في العالم العربي تُـعاني من "حالة ركود ملحوظ" وعدم إقبال على الشراء.. فما هي الأسباب؟ وهل يمكن القول بأن الفضائيات العربية بما توفِّـره من برامج حوارية ونشرات إخبارية وتقارير حيّـة...قد فاقمت من أزمة المطالعة في العالم العربي؟
تبرز الإحصاءات الخاصة بمعدلات القراءة في الوطن العربي حجم تدهور الوضع التعليمي والثقافي والمعرفي الذي تواجهه الدول العربية، خاصة إذا قارنا هذه الإحصاءات والمؤشرات بمثيلاتها في الدول الغربية. متوسط معدل القراءة في العالم العربي لا يتعدى ربع صفحة للفرد سنويًا، وذلك بحسب نتائج خلصت إليها لجنة متابعة شؤون النشر في المجلس الأعلى للثقافة في مصر. ويعتبر هذا المعدل منخفضًا ومتراجعًا عن السنوات الماضية، ففي عام 2003، وبحسب تقرير التنمية البشرية الصادر عن اليونسكو، كان كل 80 عربيًا يقرؤون كتابًا واحدًا، بينما كان المواطن الأوروبي يقرأ 35 كتابًا في السنة، والمواطن الإسرائيلي يقرأ 40 كتابًا، ورغم الفارق الكبير في نصيب القراءة للمواطن العربي مقارنة بالأوروبي، إلا أنه يعتبر أفضل من الوقت الحالي، حيث تراجع إلى ربع صفحة فقط، وهو معدل كارثي.
يشير تقرير التنمية البشرية عام 2011، الصادر عن "مؤسسة الفكر العربي" إلى أن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنويًا، بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل 200 ساعة سنويًا، ومن الملاحظ أن هناك اختلافات في الأرقام الخاصة بمعدل القراءة في الوطن العربي، ويعود ذلك إلى الأدوات المستخدمة في البحث والتحليل، لكن أغلبها تصل إلى نفس النتيجة، وهو إثبات وجود فرق شاسع بين ما يقرأه المواطن العربي ونظيره في الدول الأوروبية، سواء كانت النتيجة بالدقيقة أو بالصفحة أو بالكتاب، فكلها تؤدي إلى تأكيد هذه الهوة الواسعة بين ثقافة القراءة والمطالعة عند العرب وباقي شعوب العالم. بالنسبة للكتب أنتجت الدول العربية 6500 كتاب عام 1991، بالمقارنة بـ 102000 كتاب في أمريكا الشمالية، و42000 كتاب في أمريكا اللاتينية والكاريبي. وبحسب "تقرير التنمية الثقافية" الذي أصدرته منظمة اليونسكو فإن عدد كتب الثقافة العامة التي تنشر سنويًا في العالم العربي لا يتجاوز الـ5000 عنوان. أما في أمريكا، على سبيل المثال، فيصدر سنويًا نحو 300 ألف كتاب. أما بالنسبة إلى عدد النسخ المطبوعة من كل كتاب عربي نجد اتساع الهوة، فالكتاب العربي لا يطبع منه إلا ألف أو ألفان على أكثر تقدير، وفي حالات نادرة تصل إلى 5 آلاف، بينما تتجاوز النسخ المطبوعة لكل كتاب في الغرب 50 ألف نسخة، وقد يصل إلى أكثر من هذا العدد. أما بالنسبة إلى ترجمة الكتب فإنها تصل في الوطن العربي إلى 20% من الكتب التي يتم ترجمتها في اليونان مثلًا.
إنّ تدني الإقبال العام على القراءة مشكلة كانت ولا تزال تثقل قطاع الثقافة والتعليم في العالم العربي. إذ يشير تقرير اليونسكو الصادر عام 2014 إلى أنّ أعلى نسبة للأمية توجد في الوطن العربي، بلغت نسبة الأمية في مجمل الوطن العربي في سنة 2014 حوالي 19% من إجماليّ السكان، وبلغ عدد الأميين نحو 96 مليون نسمة. والقراءة في العالم العربي تأتي في المرتبة الأخيرة بالنسبة لاهتمامات المواطن، حيث يبلغ معدّل القراءة عند الفرد 6 دقائق سنويّا مقابل 200 ساعة للفرد في أوروبا وأمريكا. إضافة إلى أنّ الطفل الأمريكي يقرأ تقريبا 6 دقائق في اليوم بينما يقرأ الطفل العربي 7 دقائق سنويا. كما تشير دراسات أخرى إلى أنّ كتابا واحدا فقط يصدر لكل 12 ألف مواطن عربي، بينما يصدر كتاب واحد لكل 500 إنجليزي، ولكل 900 ألماني. ويرجع الباحثون هذا الوضع إلى عدد من الأسباب أبرزها: قصور مناهج التعليم والتربية في الوطن العربي وضعفها واعتمادها على الحفظ والتلقين، عدم تغيير أساليب تنمية مهارات القراءة في المرحلة الابتدائية وفي الثانوية والجامعيّة، عدم تشجيع أفراد الأسرة الطفل على القراءة والتفكير منذ الصغر، منافسة وسائل الإعلام المختلفة للكتاب خاصة الفضائيات والإذاعات، هناك أيضًا أسباب أخرى تقف وراء تراجع معدلات القراءة في الوطن العربي، منها تنافس الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث يقضي المواطن العربي وقتًا أطول على هذه المواقع بدلًا من قراءة الكتب. من أسباب العزوف عن القراءة كذلك قلّة الدعم المالي لإنشاء المكتبات العامّة ودعم الكتاب ليصبح رخيص الثمن وفي متناول الجميع...إلخ وهناك العديد من الأسباب التي تقف وراء أزمة القراءة في الوطن العربي، أهمها ارتفاع مستوى الأمية، إلى جانب الصعوبات الاقتصادية التي لا توفر للمواطن العربي الوقت والمال للقراءة، إلى جانب نقص انتشار الكتب وعدم تشجيع المناهج الدراسية والتربية الأسرية على القراءة. وللخروج من هذه الأزمة لا بد للدول العربية ووزارات الثقافة والشباب والتعليم ومنظمات المجتمع المدني أن تضع الخطط الاستراتيجية من أجل غرس ثقافة القراءة في نفوس الصغار والشباب، واتباع البرامج التعليمية التي من شأنها أن تشجع الطلاب على القراءة، أيضًا البرامج التربوية والأسرية التي تشجع الأطفال على القراءة في المنازل، إلى جانب البرامج والمسابقات الخاصة بالشباب لتشجيعهم على القراءة، وذلك للتغلب على هذه الأزمة التي تهدد الوطن العربي ثقافيًا وحضاريًا وعلميًا.
لمتابعة أخبار “بوابتي” أول باول إشترك عبر قناة بوابتي تليجرام اضغط (
هنــــا )