الجمعة 19 ابريل 2024
الوحدة والانفصال.. وبينها الموت!
الساعة 01:33 مساءً
محمد اللطيفي محمد اللطيفي

 

لم تكن الوحدة اليمنية التي أعلنت في(22 مايو 1990) خيارا شعبيا، بل قرارا نخبويا، نال رضا الجماهير، صحيح أن خروج الناس تأييدا لقرار الوحدة كان نابعا من حبهم لبلدهم، لكن دورهم لم يتجاوز التصفيق العاطفي للقرار الرسمي لنظامي الشمال والجنوب، وهو ما جعل الوحدة تتأسس على أعمدة غير ثابتة البنيان ولا راسخة الجذور، كونها وحدة رسمية وليست شعبية، حيث كانت بالنسبة للنخبة السياسية التي كانت تحكم الشطرين بمثابة هروب من أزمات داخل كل نظام، أكثر من كونها اقتناعا بأهمية التئام اليمنَين في يمن واحد، كان نظام علي سالم البيض يعاني من صراع أجنحة داخل الحزب الاشتراكي، بينما كان نظام علي صالح يعاني من أزمات اقتصادية خانقة، وقد وجد كل من زعيمي الشطرين في الوحدة فرصته الوحيدة لدفن فشله السياسي في معالجة مشاكل نظامه.

هذه الوحدة النخبوية، خلقت نظاما وحدويا انتهازيا، حقق مصالح مؤقتة لنخب الشطرين، لكنه لم يضع حلولا حقيقية لمشاكل الصراع التاريخي والسياسي بين الشطرين، وهو ما جعل من جمر العودة للتشظي خامدة تحت تراب الوحدة الوهمية، وكانت كل الوقائع حينها تشير إلى أن كل طرف يضمر للآخر نية الغدر والضغينة، ولم تفلح كل الوساطات العربية حينها على وأد فتنة الصراع بين “العلّيين” (كما هو تعبير البردوني، عندما تساءل في قصيدة له عن أي علّي سيخصي علّي)، وقد أدت موازين القوى الداخلية والخارجية إلى غلبة كفة صالح على كفة سالم البيض.

لقد نتج عن “الوحدة النخبوية” اتجاه نخبة الجنوب نحو فرض انفصال قهري عن نظام الوحدة، فقد قرر البيض العودة إلى ما قبل (1990) بقوة السلاح، وهو ما جعل نظام صالح يتجه بدعم اقليمي نحو مواجهة “الانفصال القسري” “بالوحدة القهرية”، وكانت موازين القوى بين نظام الوحدة أو الموت، ونظام الانفصال أو الموت، تتجه لصالح موت الانفصال، وهو ما حدث في العام (1994) عندما تمت إعادة فرض الوحدة بقوة السلاح والعنف.

ولأن القرار الشعبي كان مجرد واجهة عند فرض إعادة الوحدة قهريا، تماما كما كان عند تشكيل وحدة مايو (1990)، فان هذه الوحدة التي فرضت بعد (1994) لم يكن مقدر لها أن تستمر أيضا، فقد كانت تعبير عن غلبة نظام حكم عائلي يحكم الشمال على نظام حكم أيدلوجي كان يحكم الجنوب، وقد أدار نظام صالح الشطر الجنوبي؛ والشمالي أيضا، بعقلية الفيد واللصوصية، وتشكلت معه نخبة انتهازية؛ من الجنوب والشمال، مثلت لصالح واجهة ثقافة حزبية ودينية واجتماعية لنهب كل ثروات مناطق الجنوب والوسط والشمال، وهذا النهب خلق احتقانا داخل الجنوب الذي وجد نفسه رهينة نظام انتهازي هجين من الشمال والجنوب، دمر كل فرص الايمان؛ ليس فقط بالوحدة، بل بفكرة صلاحية كل تلك النخب الشطرية لحكم اليمن موحدا أو مشطرا.

الطريقة التي أدار بها نظام صالح اليمن عموما؛ والمناطق الجنوبية خصوصا، أدت إلى تكوّن حراك جنوبي مضاد لفكرة الوحدة، وبدأ هذه الحراك كتعبير سلمي لتحقيق مطالب حقوقية لإنصاف الجنوب في توزيع الثروة والوظائف، لكنه تحول مع تجاهل النظام الحاكم لتلك المطالب إلى حراك ينادي بالانفصال، وظل هذ الحراك الانفصالي سلميا، لكن هذا الحراك أيضا لم يكن يعبر بشكل جمعي عن ارادة كل أبناء الجنوب، وهو جعله ضعيفا ومشتتا، وسهلا لتمزيقه إلى أجنحة من قبل نظام صالح، الذي يجيد سياسة تفريخ الكيانات المعارضة له.

ورغم أن خلع علي صالح من الحكم نتيجة لثورة (11 فبراير 2011)، مثل فرصة كبيرة لتحقيق مطالب الجنوب في التساوي السياسي وتوزيع عادل للثروات، إلا أن النخب الجنوبية؛ كعادتها، فضلت الصراع والتشظي إلى أجنحة، ما أضاع عليها التوحد لصالح القضية الجنوبية، التي كانت كل العوامل متوفرة لصالح معالجتها جذريا، فلأول مرة تسلّم سلطة اليمن ككل؛ والشمال خصوصا،  لشخصية جنوبية، وكان الحوار الوطني قد مثلّ فرصة لمعالجة القضية الجنوبية في إطار يمن اتحادي، بعيدا عن صيغة الوحدة القسرية أو الانفصال القهري، ومع  أن حلول القضية الجنوبية سواء منها اليمن الاتحادي أو حتى التوجه نحو الحكم الذاتي للجنوب، كانت يمكن لها أن تتم عبر سلطة الشرعية التي أضحت بيد النخبة الجنوبية، إلا أن نخب الحراك الانفصالي فضلت الذهاب نحو المناداة بالانفصال برؤية عاطفية وبدون استراتيجية حقيقية، وهو ما جعلها ترتهن لأجندات خارجية على حساب قضيتها الاصلية.

وقائع السنوات الماضية أثبت أنه حتى الحراك الانفصالي المسلح، والذي ينطوي تحت مسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، ورغم كل الدعم الذي تلقاه من أطراف اقليمية، إلا أن خيار الانفصال القسري فشل مرة أخرى في تحقيق مراده، فها هي عدن ومناطق جنوبية بيد سلطة المجلس الانتقالي، الذي يملك كل أدوات القرار، وبيده مليشيات مسلحة مدعومة من الامارات والسعودية، ومع ذلك لم ينجح في فرض رغبته الانفصالية بقوة السلاح، تماما كما لم تنجح مليشيا الحوثي في تحقيق خيار الوحدة بمقياسها، حيث عجزت عن السيطرة على مناطق الجنوب.

لقد ظلت وستظل خيارات فرض الوحدة أو الانفصال بالقوة ورغما عن الارادة الجمعية لجماهير الشطرين، خيارات فاشلة، صحيح أنها مدمرة ومكلفة، لكنها لم ولن تنجح، ليس فقط لأنها ليست شعبية، بل لأنها أيضا ليست في أجندة الدول الداعمة للقوى المتطرفة للوحدة أو الانفصال، فهذه القوى الاقليمية والدولية لا تدعم  فكرة الانفصال الجغرافي في إطار دولتين مستقلتين، لأن ذلك ليس في مصلحتها، بل تقوم تلك الدول؛ ومنها الامارات على سبيل المثال، في استثمار النزعة الانفصالية لدى قوة الحراك المسلح، لتحقيق مطامعها في المناطق الساحلية للجنوب، ولا تريد من تلك القوى الانفصالية إلا أن تكون أداة مسلحة لحماية مصالحها، بدليل أن هذه القوى الانفصالية هي التي تؤدي الآن مهمات لصالح أبوظبي في سواحل المخا والحديدة، وهي سواحل شمالية.

حاليا ومع مرور الذكرى (33) للوحدة اليمنية، يمكن لمتطرفي الجنوب والشمال أن يلحظوا بعناية نتائج الفترة الزمنية لتاريخ الصراع بين الوحدة و الانفصال، ويمكنهم الاكتشاف ببساطة أن خيار الموت والعنف فاشل وبامتياز، وأن هذا العنف لتحقيق الأهداف لن يفيد سوى أجندات القوى الاقليمية، طهران وأبوظبي والرياض، والقوى الدولية؛ واشنطن ولندن وموسكو،  وهو ما يؤكد حقيقة أن اليمن لن تستقر ولن يجد الناس في الشطرين في النهاية أفضل من اليمن الاتحادي، وهو اليمن الذي يناضل من أجله يمنيون في الجبهات شمالا وجنوب وشرقا وغربا، ويتخلق من أجله جيل جديد يؤمن بتجاوز العقد المناطقية والايدلوجية والجهوية.


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار