الاربعاء 4 ديسمبر 2024
أسباب سياسية وراء أزمة الوقود الحالية
الساعة 09:35 صباحاً
رأفت الأكحلي رأفت الأكحلي

سبب أزمة المشتقات النفطية هو نفس سبب فشل كل مفاوضات السلام إلى اليوم.

يعاني المواطنون في صنعاء وبقية المناطق الواقعة خارج سيطرة الحكومة من أزمة خانقة في الوقود انعكست على كافة مجالات الحياة وفاقمت من الأزمة الانسانية.

وفيما تتبادل الأطراف الاتهامات في وسائل الإعلام أحببت أن أوضح خلفية هذه الأزمة بشكل ملخص من خلال اطلاعي على الكثير من التفاصيل ومواكبتي لتطورات الأزمة في مراحلها المختلفة منذ ما يقارب السنتين.

أصرت الحكومة منذ نهاية ٢٠١٨ على تنظيم استيراد المشتقات النفطية، بعد أن أصبح المجال مفتوحا لأي تاجر أن يستورد المشتقات النفطية سواء إلى عدن أو الحديدة أو المكلا منذ بداية ٢٠١٨، تحت يافطة الرقابة على غسيل الأموال وتجفيف مصادر تمويل الحركات الإرهابية.

وبدأت أولا باشتراط أن يتم الدفع لأي شحنات وقود عبر القنوات البنكية (بدلا من التحويلات عبر الصرافين وعبر شبكات غير رسمية) وأن يقوم التاجر بتقديم الإثباتات حول مصادر الأموال (كشف حسابات البنك) وصورة من التحويل البنكي للحصول على الإذن بدخول الباخرة المستوردة إلى الموانئ اليمنية من قبل المكتب الفني التابع للجنة الاقتصادية في عدن.

 قاومت سلطات الأمر الواقع في صنعاء هذا الأمر بشدة وضغطت على التجار بعدم تسليم أي أوراق إلى سلطات عدن واستمر الأمر في شد وجذب حول هذا الموضوع ودخول بعض الشحنات ورفض بعضها وضغط سلطات صنعاء والحكومة في عدن على التجار للالتزام بما يفرضه كل طرف.

وكلما تعقدت الأمور كانت أزمات الوقود تطفو على السطح وتتحرك المنظمات الدولية للضغط على الحكومة بالسماح بدخول بعض الشحنات من جانب إنساني فيما تدافع الحكومة أن على المنظمات أن تتوجه بالضغط على سلطات صنعاء التي ترفض السماح للتجار بالالتزام بالمتطلبات التي تسمح بالتحقق من مصادر التمويل ومراقبة مستوردي الوقود وظلت الأمور تترواح على هذا الشكل.

وفي يوليو ٢٠١٩ قامت الحكومة بإصدار قرار إضافي كان أهم ما فيه هو تطبيق رسوم ضريبية وجمركية على الوقود يتم توريدها من التاجر المستورد لحساب الحكومة في عدن للحصول على تصريح دخول شحنات الوقود إلى الموانئ.

وقد أثيرت ضجة كبيرة حول هذا الموضوع في حينه حيث رفضت سلطات صنعاء السماح بتطبيق هذا القرار وبدأت بالضغط على التجار لمنعهم من توريد أي رسوم إلى الحكومة في عدن.

 ومرة أخرى تدخل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لمحاولة الوصول إلى حل ودافعت الحكومة عن حقها في تحصيل موارد سيادية فيما دافعت سلطات صنعاء عن حقها في تحصيل أي موارد لمواد تأتي إلى مناطق سيطرتها والاستفادة من هذه الموارد بالشكل الذي تراه.

وفي مسار موازي، كانت المشاورات تجري بخصوص تطبيق اتفاق الحديدة التي توصلت إليه الأطراف في استوكهولم في ديسمبر ٢٠١٨، بما فيه البند الاقتصادي الذي نص على أن "تودع جميع إيرادات موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى في البنك المركزي اليمني من خلال فرعه الموجود في الحديدة للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية في محافظة الحديدة وجميع أنحاء اليمن".

 وفي ظل التطورات الناتجة عن قرار الحكومة الخاص برسوم المشتقات النفطية، تكثفت الجهود للضغط في اتجاه الوصول إلى اتفاق ولو بشكل مؤقت يسمح بدخول سفن المشتقات إلى الحديدة، وعليه تم الاتفاق في أكتوبر ٢٠١٩ على آلية يقوم عبرها مكتب المبعوث بلعب دور الوسيط المراسل حيث يسلم المستوردين جميع الوثائق لمكتب المبعوث الذي يقوم بدوره بالتأكيد للجنة الفنية استكمال الوثائق فتقوم هي بدورها بإصدار ترخيص دخول الشحنة، ويقوم المستوردون بتوريد الرسوم إلى حساب في فرع البنك المركزي في الحديدة، على أن تبقى المبالغ الموردة في الحساب إلى حين التوصل إلى اتفاق بشأن آلية صرفها على الرواتب.

وقد كانت الحكومة رافضة في بداية الأمر أن يتم التوريد إلى فرع البنك المركزي في الحديدة (الواقع تحت سيطرة سلطات الأمر الواقع في صنعاء) إلا أنها قبلت بذلك تحت ضغوط كبيرة من المجتمع الدولي. وفي ذات الوقت كانت سلطات صنعاء رافضة أن يتم إعطاء التصاريح من قبل الحكومة في عدن إلا أنها قبلت بذلك أيضا تحت الضغوط.

طبقت الآلية بسلاسة في الشهور الأولى من نوفمبر ٢٠١٩ إلى أبريل ٢٠٢٠، إلا أن عدم التوصل لاتفاق بخصوص الية صرف هذه المبالغ لتغطية الرواتب تسبب في انهيار الآلية، حيث كانت سلطات صنعاء تصر على التوصل لألية لصرف الرواتب لمناطق سيطرتهم مع تغطية الحكومة للفوارق ما بين ما يتم جمعه من رسوم المشتقات وفاتورة الرواتب، فيما تصر الحكومة على أن تسلم جميع الإيرادات في مناطق سيطرة سلطات الأمر الواقع (وليس فقط رسوم المشتقات) لسد الفجوة وتمكينها من دفع الرواتب، وفي هذه الحالة تطرح سلطات صنعاء أن الإيرادات ليست فقط في مناطقها وانما جميع الإيرادات من عموم اليمن يجب أن تضع في سلة واحدة بإدارة مشتركة بينهم وبين الحكومة وتدفع منها الرواتب، فيأتي رد الحكومة أنها حكومة شرعية لها سيادة على مواردها في مقابل انقلاب لا يمكن القبول بمشاركتهم في إدارة موارد البلاد.

 وهكذا استمرت هذه الدائرة المفرغة إلى نهاية أبريل حين قامت السلطات في صنعاء بصرف ٣٥ مليار ريال من الحساب (بحسب بيان الحكومة) معللة ذلك بدفع نصف راتب للموظفين وعدم منطقية الانتظار لموافقة حكومة تعاني من مشاكلها الخاصة في مناطقها (وبالذات بعد أحداث أبريل في عدن)، ما اعتبرته الحكومة (وأغلبية المجتمع الدولي) خرقا للاتفاق واتهمت سلطات الأمر الواقع في صنعاء بصرف المبلغ في تمويل مجهودها الحربي.

وعلى إثر هذا الخرق، أوقفت الحكومة إصدار التصاريح لأي سفن مشتقات نفطية قادمة للحديدة إلى حين توريد رسومها الجمركية للحكومة، ووقف المجتمع الدولي مشلولا أمام هذا التطور فلا يستطيعون الضغط على الحكومة بعد خرق الاتفاق من قبل سلطات الأمر الواقع في صنعاء، ولا يستطيعون الضغط على سلطات الأمر الواقع في صنعاء بإعادة الأموال إلى الحساب والعودة إلى الاتفاق السابق.

تأمل المبعوث بالهرب إلى الأمام عبر مبادرته المطروحة على الأطراف والتي تتضمن في شقها الاقتصادي/الإنساني رفع القيود على استيراد المشتقات النفطية، إلا أن عدم تحقيق تقدم ملموس في الاستجابة لمبادرته وعدم إيجاد حلول لإعادة تطبيق الاتفاق القديم أو الخروج باتفاق جديد لقضية المشتقات النفطية أدى إلى نفاذ الكميات الموجودة في السوق وبدء الأزمة التي نشهدها اليوم.

تقول الحكومة أن التجار قادرين على تزويد كافة المناطق الواقعة تحت سيطرة سلطات الأمر الواقع في صنعاء عبر القاطرات من مناطق الحكومة، فيما ترفض سلطات صنعاء السماح بدخول هذه القاطرات تحت مبررات مختلفة (انتشر مؤخرا فيديو لعبد الحافظ معجب من قناة الساحات في مقابلة مع المتحدث باسم شركة النفط في صنعاء يوضح ضعف هذه المبررات) إلا أن الحقيقة أن السلطات في صنعاء تعلم أنها إذا سمحت بتطبيع الأوضاع وتزويد السوق في مناطقها عبر مناطق الحكومة فإنها ستفقد تماما أي إمكانية لرفض إجراءات منع دخول سفن المشتقات إلى الحديدة.

عودة إلى عنوان هذا المقال، فإن سبب أزمة المشتقات النفطية اليوم هو الخلاف المبدئي حول تعريف الأطراف لنفسها وللطرف الآخر، وعدم قدرة المجتمع الدولي على دعم تعريف واضح والعمل بناء عليه. ترى الحكومة نفسها صاحبة الشرعية وفي مواجهة طرف انقلابي، وبالتالي تتمسك بحقها في سيادتها على كامل أرضها وتصر أن على الطرف الانقلابي أن ينصاع للقرارات الدولية، بينما ترى سلطات الأمر الواقع في صنعاء نفسها طرفاً ندياً يسيطر على مناطقه ويحكمها ويدخل في المفاوضات على هذا الأساس، مع رفع السقف أحياناً وعدم اعتبار الحكومة طرفاً مقابلاً والتصريح بأن الطرف المقابل الذي يجب أن يتفاوض معهم هي السعودية.

وفيما لا زال المجتمع الدولي قانونيا ملتزماً بقرارات مجلس الأمن وبالتحديد القرار  ٢٢١٦ والصادر في عام ٢٠١٥ والذي يصنف الأمور بوضوح إلى حكومة شرعية وانقلاب، إلا أن مجريات الأمور على أرض الواقع خلال خمس سنوات من الحرب وتعقيدات الأزمة الإنسانية وضعف الحكومة وتشتتها تجعل تعاملهم في الكثير من الأحيان أقرب بكثير إلى التعامل مع طرفين نديين. وفي ظل عدم وصول أي من الطرفين إلى مرحلة تقديم تنازلات في هذه القضية المبدأية، فإن كل جهود السلام تراوح مكانها وتعاود هذه القضية (قضية مبدأ الشرعية) تجسيد نفسها في ملفات مختلفة مثل ملف المشتقات النفطية وملف الرواتب وملفات أخرى عديدة.

شخصياً لا أدري ما الحل في هذا الوضع، ولكن ما أرجوه هو أن تقدم الأطراف مصلحة المواطنين وتضع تخفيف معاناتهم قبل أي مصالح وقضايا أخرى ونسأل الله أن يرفع عنا هذا البلاء في القريب العاجل إن شاء الله.

 


آخر الأخبار