السبت 20 ابريل 2024
حمزة .. القائد الذي لم يهادن
الساعة 11:13 صباحاً
سلمان الحميدي سلمان الحميدي

هذا اليوم تبعت خالي إلى مقر الكتيبة التي أسسها حمزة، ذهبنا لنعزي الأفراد ونواسيهم. سمعت خالي عبدالواسع يخاطب قلوب أصحاب ابنه الكبير ويصبرهم، الشهادة من أجل الوطن شرف من الله، وحمزة كان يسعى من أجل نيل هذا الشرف، لقد ناله وهو يتقدم صفوف المقاتلين لمهاجمة مليشيا الحوثي، مع أنه كقائد عسكري كان بإمكانه إدارة المعركة وتوجيه الأفراد من بعيد، لكنه أصر أن يكون على رأس المهاجمين.

انقطعتُ عن حمزة منذ منتصف 2015 تقريباً، وبقيت أتقصى أخباره من الريفيين الذين يعودون من المدينة، وخلال هذه الفترة وخاصة ما قبل تأسيس كتيبته التابعة للمحور، لم أعرف ما كان يعمل، أما ما قبل 2014، فأنا أكثر من يعرف تفاصيله تقريباً، من كتابة استراحة القراء في الجمهورية أيام الدراسة، إلى الكلية البحرية، ومن الشرطة العسكرية بصنعاء إلى كلية التجارة بعمران، من عقد القران إلى بيت جدي..

وخالي يتحدث إلى أصحاب حمزة، عرفت عمله قبل تأسيس الكتيبة، عند بداية عمل الجيش الوطني والمقاومة، كان حمزة مكلفا بالعمل في الاتصالات العسكرية، لكنه بعد فترة شعر بأن هذا المجال لا يليق به، لقد عاد للبيت وأرسل بالأجهزة التي كانت بحوزته إلى مقر الاتصالات، استفسر خالي من حمزة عن السبب، قال حمزة: «ما تعلمناش بالقيادة والأركان علشان نجلس بالأركان». كان حمزة يستعيد أيام مشاركته في دورات عسكرية في القيادة بصنعاء، أتذكر بعض الكتب التي كان يذاكرها عندما نلتقي بمنزل خالي محمد كل خميس وجمعة، استراتيجية حرب المدن أو عنوان من هذا القبيل، كان حمزة قد تخرج من الكلية البحرية وجرى توزيعه إلى الشرطة العسكرية بصنعاء، ومن ثم التحق بمعسكر القيادة التابع للواء الرابع. 

عندما اقتحمت مليشيا الحوثي العاصمة صنعاء، عاد حمزة إلى تعز، وعندما وصل الحوثيون إلى تعز، كان حمزة قد "تجعب" وحمل البندقية، أتذكر ما قاله لي خاله وصديقي الشهيد عاصم شداد، بينما كان خالي عبدالواسع متجها من القرية إلى المدينة، كان المقاتلين المدنيين قد انتشروا في شارع الستين، كان حمزة راكبا في سيارة خالي، عندما وصلوا إلى الستين، قفز حمزة ليقاتل في صفوف المدنيين، وجده خالي متصلبا على موقفه فلم يرغمه على العودة إلى السيارة والذهاب إلى المدينة حيث عاش أيام المدرسة وبدت حينها أأمن من الستين.

*

حمزة عاش في المدينة وأيام الإجازات كان يعود إلى القرية، كان حريفا بلعب كرة القدم، وكان خطاطا يجمل السطور بشكل جذاب، وأيام المدرسة كان يقرأ من هنا وهناك ليكتب استراحة قارئ، كنا نجد اسمه في صفحة القراء بجريدة الجمهورية. كانت الإجازات التي يقضيها في القرية، أيام حكايا ومرح، تفاصيل وضحك، لعب وتعليم.

حمزة ما اطلع على شيء إلا وأبدع فيه، لم يكتف بالشهادة العسكرية والعمل الذي وقع عليه في صنعاء بعد تخرجه، لقد التحق بكلية التجارة بعمران، كان يحضر أيام المراجعة فقط، في سنة أولى استغربت من قوة درجاته، تسعينات، ثمانينات، وتلك التي يضع مدرسوها درجات الحضور، يحصل فيها حمزة على سبعينات.

قبل أربعة أسابيع، سألت حمزة ما إذا كان قد أخرج شهادته أم لا، لأني لم أستخرج شهادتي، قال لي حمزة بن خالي بأنه أوقف الدراسة بمستوى رابع تقريباً. 

مازحته: استأنف الآن..

أعلم أن القيام بعمل مدني إبان الحرب، خيانة بالنسبة لحمزة. هو يهتم بكل ماله علاقة مباشرة بهزيمة الحوثيين، كل همه كيف يمثل المؤسسة العسكرية أفضل تمثيل، كل همه كيف نحرر تعز، كل همه كيف يحتوي الناس حول مشروع التحرير، لهذا كان يسخر أفكاره ومعاشه وكل إمكانياته في هذا المشروع، من بعد العصر تجده يفكر بأشياء بحدود الإمكانيات، كيف نصنع ضبابا يحجب رؤية الأفراد الذين يهاجمون عن قناص المليشيا، في الليل يأخذ ألواحا ومسامير ويفصل دواليب للسرايا، يريد أن يقهر شحة الإمكانات، كيف تؤمن الكتيبة وجباتها، كل ذلك من أجل الوصول إلى الحد الأدنى على الأقل من التنظيم وتوفير مستلزمات المعركة. 

أتذكر عندما جاء أحد القيادات ورأى الأفراد يتليقون، ورأى علاقة الأفراد بقائدهم، ورأى هندامهم، ورآهم يتقافزون إلى الطقم ذاهبين إلى إحدى الجبهات كتعزيز طارئ، قال ذلك القائد لحمزة: والله إننا أحسدك، احنا وأفرادنا نتضارب ضرب.

ما وصل إليه حمزة، نتيجة طبيعية لعمل جاد مقرون بشيء مهم سمعته من حمزة ذات يوم: معرفة نفسية الأفراد والمقاتلين..

أما عن العمل وجديته به، فأكبر دليل هو ابتعاده عن المنزل والعائلة، فعلى الرغم أن شقته التي يستأجرها، تجعل الدوام العسكري والعودة إلى المنزل أمراً سهلاً للغاية بأي وقت، لكن حمزة لم يكن يعود إلا نادراً، وحين يعود للمنزل، فإنه يعود للمعسكر قبل الفجر.

لم يكن هدفه المال، رغم أنه كان من الممكن أن يفعل مثل بعض القادة ويدخر الكثير، أتت له قضايا وعقارات ومشاريع ليفصل فيها، رفض اتباع هوى النفس أقسم ألا يدنس روحه برزق الجاه والحيل، لقد استشهد مديوناً..

*

 

سأكتب عن تفاصيل ما عايشته مع حمزة خلال الأشهر الأخيرة

عن بعض التفاصيل والمواقف، في الكتيبة والمنطقة الأمنية ثم اللواء 145

سأكتب عن بعض الأعمال التي كان يقوم بها لتحسين سمعة الجيش التي شوهها المفصعين، الأفكار البسيطة التي ينفذها لتجديد ثقة المواطنين بالجيش..

سأكتب عن بعض الأعمال التي كان على وشك إنهائها، لتجميع القيادات العسكرية غرب المدينة وإصدار وثيقة أخلاقية تتبرأ من البلاطجة ونهابة الأراضي، ولملمة الشتات لمواجهة الحوثي..

سأكتب عن الأسباب التي جعلت الناس يحبونه، والأفراد يلتفون حوله، وقيادات الصف الأمامي لا يطلبون تعزيزا إلا إذا كان الأفراد يتبعون "حمزة شداد".

سأكتب عنه هذا أولاً، ليس لأنه سندي الذي فقدته فجأة، وليس لأنه بن خالي، ولا من أجل إدرار دموع المدينة بتفاصيل قائدها الذي افتقدته.

سأكتب عن تجربته العسكرية، ليس للتباهي به، وإنما لظني أن بعض زملائه وكذلك بعض القيادات العسكرية، قد يستفيدون مما سأكتبه عنه، وربما قد نجد من يتحمس ويعطي تعز ربع ما كان يعطيها حمزة من اهتمام، وهذا والله لو تجمع لتحقق التحرير، سأكتب ذلك لشعوري أن الوفاء لحمزة بن خالي يبدأ باستمرار الحماسة التي كان عليها حمزة تجاه تحرير المحافظة ثم البلاد..

ويعلم الله أني لم أكن أريد كتابة حمزة كقائد عسكري لأنني ميال لتفاصيل الحياة الإنسانية، للعاطفة التي كانت بيننا، لتلك الحياة التي ضجت بها بيت جدي، للوادي الذي كنا نسقيه معاً، للقلاب الذي كان يقوده وأنا بجواره، لصداقات القرية وتفاصيل إجازات الريف وضحكها، أنا أغالب حزني الأبدي على حمزة، ووفاء للبلاد سأبدأ من الميدان العسكري..

نقلا من صفحة الكاتب على فيسبوك

 


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار