الجمعة 19 ابريل 2024
قندهار ( تعز ) قم ( صنعاء ) مقديشو (عدن ) ، نحن سلة نفايات الإرهاب
الساعة 01:51 صباحاً
عادل الشجاع عادل الشجاع

هذا العنوان اقتبسته من صديق، حيث جعلني أستحضر المدن الثلاث التي كانت تمثل حواضر اليمن وكيف كانت مراكز إشعاع حضاري أسهم في حضارات العالم ، فتحولت إلى سلال لنفايات الكراهية والإرهاب.

 

1 . تعز مدينة الستة مليون نسمة ، الفوضى تسير على أقدامها، وتصافحك أينما وليت وجهك ، الوجوه الشاحبة تزداد كثافة ومظاهر البؤس تهاجم المدينة من كل حدب وصوب بالرغم من أنها كانت مدينة الثقافة والمثقفين وكانت مدينة مفتوحة لكل الزائرين أصبحت مغلقة على نفسها ومقسمة بين المليشيات ، مسلحون شعث غبر يحملون أسلحتهم الكلاشينكوف على أكتافهم الهزيلة المائلة التي تبدو أطول منهم وأسنانهم الصدئة.

 

لم تعد تعز تملك مقدمات المدن ، لا زينة عند المداخل ولا أشجار باسقة ، ولا ورود على جنبات الطرق ولا لافتات تدلك على الاتجاه ، لقد أعيد رسمها على مقاس ذهن المليشيات المتوالدة كالفطر والتي تركت الحوثي ينعم بالاستقرار وتركته ينكل بأبناء الحيمة فيما هي منشغلة بالاقتتال فيما بينها ، إنها المدينة المبهمة الغائمة ، والمنطوية على نفسها ، لكنها مكتظة جدا ، لم يبق لها من نشاط سوى التناسل والقتل ، الناس يسيرون في الشوارع دون وجهة واضحة والظهور المحنية ظاهرة عامة.

 

تعز مدينة سريالية ، شديدة الفقر ، شديدة البؤس ، ظلمها أهلها ، وخاصة نخبتها السياسية التي بنت مليشيات لها تقتتل فيما بينها وتركت النصيب الأكبر من تعز للحوثي ، وهي فوق كل هذا لم تجد إلا حقدا وكرهية من أهلها قبل أعدائها ، فمن كان يصدق أن يكون رئيس الحكومة منها ورئيس البرلمان وأغلب مستشاري الرئيس ورؤساء الأحزاب ثم يذهبون إلى بناء مليشيات تقتل بعضها ، ومن كان يصدق بأن الحوثي سيقتل تعز ببعض أبنائها؟

 

2 . صنعاء وأنت تسير في شوارعها تقابلك وجوه تعتليها مسحة من البؤس ، وكأنها تعكس شقاء السنوات التي قضتها في قبضة الحوثي وتعاسة الحياة تحت قبضتهم بعد أن تحولت صنعاء إلى غابة من صور الإرهابي قاسم سليماني وصور ملالي إيران وتحولت إلى ملجأ لعصابة الحوثي الإرهابية، تشحت الأمم المتحدة الغذاء باسمها وتسلمها للحوثي لكي يرفد جبهاته بمزيد من القتلة ، بينما أهل صنعاء يقتاتون الجوع والجبهات تبتلع أبناءهم.

 

ستعيش صور صنعاء البائسة لتؤكد للأجيال اللاحقة كيف ارتبط الإرهاب وعصابة الحوثي بهذا المكان الذي يبدو نموذجا لحضارة أقرب للبدائية ، تتضح بها الوجوه والأماكن وسبل الحياة ، كأنما الإرهاب لا يمكن أن يترعرع ويستقر وينمو إلا في مثل هذه البيئات التي تمكنه من النمو كما حدث مع الحوثي ، ولعلها إشارة أيضا إلى أن الإرهاب بشكل عام يرتبط بظروف القهر والأموال المنهوبة والاستبداد والكبت ، فهذه هي مفردات البيئة الصالحة له.

 

صحيح أن الحوثي يمثل تهديدا لكل الشعب اليمني ولشعوب المنطقة والعالم ، إلا أن صنعاء تظل هي الأكثر ضررا ، فهذه العصابة تعتقد أنها أرسلت لقيادة الإنسانية نحو مسار يمحو كل بؤس وانحراف وأنها أمر السماء ويد القدر لتغيير كل هذا الانحراف وتحقيق بشارة الأرض من الدنس وهي البؤس والانحراف وهي الخطيئة الكبرى على هذه الأرض.

 

3 . عدن التي كانت زهرة المدائن ، أضحت اليوم مرتعا للخوف ، وأضحى سكانها الأكثر قلقا في العالم ، إذ يخاف من صوت منبه السيارة في الشارع ويخاف من الشباك إذا أغلقه الريح فجأة ويخاف من أصوات الجيران إذا تشاجروا ويخاف من الأمن الذي لم يعد في حمايته ويخاف من من رحلة العلاج إلى الخارج خوفا من أن يغلق المطار قبل عودته ، تعيش عدن حربا ليست لها ، وسلاما لغيرها ، بحرها مهان وأرضها سائبة.

 

يعيش الناس في رعب دائم والتدهور المأساوي يطال الحق في حرية التعبير وحرية الإعلام ويعيش الناس في ظروف مخيفة ، يحدث ذلك في ظل حالة من الإفلات من العقاب ، الحكومة باسم الشرعية والممارسة باسم الانتقالي ، قتل العشرات منذ عودة الحكومة إلى عدن من قبل قتلة غير معروفين في مدينة صغيرة يمكن إغلاق مداخلها بسهولة وتوفير الأمن لها ولأهلها ، لكن الخوف ليس من القتلة المجهولين ، بل من الانتقالي المعروف ، لأنه يمكنك الاختباء من القتلة المجهولين ، لكن لا يمكنك الاختباء من مليشيا الانتقالي ، يمكن لها بسهولة أن تقتلك أو تلقي القبض عليك فهي التي تسيطر على المدينة وعلى المداخل والمخارج.

 

الاغتيالات التي تجري اليوم في عدن لا تحمل سوى البؤس وفقدان الأحبة ، منذ عادت حكومة المناصفة لم تنقطع آذان العدنيين عن سماع دوي انفجارات والاشتباكات المصحوبة بالرصاص ، موجة جديدة من الاغتيالات ومفخخات الموت عادت وتزداد يوما تلو الآخر لتحصد أرواح العشرات من المدنيين والعسكريين وسط عتمة لا يرى اليمنيون فيها بوادر لانفراجة قد توقف نزيف الدم اليمني البريء.

 

عدن تقترب من منطقة لا يمكن التنبؤ بها في حال عدم إنجاز اتفاق الرياض وتمكين الحكومة من عملها ويفترض بالدولة التي ترعى هذا الاتفاق ألا تسمح لأي آلية موازية أو بديلة خارج ماتم الاتفاق عليه ، لأن ما يمارسه الانتقالي في عدن يمثل انتهازية واضحة تجاه الشرعية رغم ما جناه من المكاسب تحت راية الشرعية التي أرادت إعادة الهدوء وبسط الاستقرار في المحافظات الجنوبية وتوظيف كل القوى في مواجهة الحوثيين واستعادة المناطق التي يسيطرون عليها ، لكن الانتقالي على ما يبدو يسير في اتجاه معاكس تماما لغايات الشرعية ، حيث تمثل تحركات الانتقالي وتحشيدهم العسكري واستيلائهم على الموارد الاقتصادية وسيطرتهم على الأمن وصفة لإفشال حكومة المناصفة التي كانوا ينادون بها ، وإعادة عدن وشبوة وأبين وغيرها من المحافظات الجنوبية إلى مربع الصراع الدامي الذي جاء اتفاق الرياض لوقفه.


آخر الأخبار