الجمعة 26 ابريل 2024
لو سمحت..حبتين روتي!
الساعة 08:30 مساءً
سام البحيري سام البحيري

كنا جوار الرصيف الذي يقف عليه بائع البطاط،
مر جوارنا رجل في الخمسين من عمره لا يظهر عليه أثر التسول ولا تقول ملامحه أنه شحات.
 بيده طفل  لا يتجاوز العشر من عمره، حافي القدمين وعلى وجهه أثر  الشحوب والتعب.
كان الوقت قرابة الحادية عشر ظهرا،
وبائع البطاط في أوج زحمته يُصرف كل الزبائن.

اقترب الرجل المسن من بائع البطاط، ويمسح بيده اليسرى لحيته البيضاء وباليد الأخرى أميره الصغير.

ومع اقترابه أكثر سمعنا طفله الصغير يردد: 
أباه أباه أشتي روتي ..أباه أباه أنا جاوع أشتي روتي.


كان الأب ينظر لبائع البطاط، ولطفله ويقضم شفته من الإحراج ويمسح لحيته البيضاء بماء وجه يظهر أنه لم يقطر بيوم من الأيام لسؤال أحد.

بعد أن تفرق الجميع من جوار بائع البطاط، اقترب الأب وقال للبائع: 

لو سمحت حبتين روتي....
الولد الصغير كان لحظتها يرفع بنطاله بكلتا يديه منتشيا، ويبتسم ابتسامة مسروقة من بين البؤس والحاجة.

بائع البطاط للأب: 
سندوتش بطاط أو بيض..؟!

الأب: لا لا كذا 
بس كما أنا ما معي زلط.
صاحب البطاط مله كيف يا عم...؟
الأب: إن شاء الله يا ابني شجزع من هنا مرة ثاني وأجيبها لك.
بائع البطاط: كلهم يقولوا كذا ولا عاد نبصر لهم صورة.
وأخرج حبتين روتي واعطاها للأب.

أوشك ماء وجهه أن يسيل، ولمحت قشعريرة تجري بجسده بسرعة الإعصار لا يشعر بها إلا من أنهكه ذل السؤال وقد كان بالأمس عزيزا.


جلس بجوانا على الرصيف يتأمل ولده، وقد وضع يده على خده حتى فرغ ولده من أكل حبة الروتي الأولى، ثم ازاح يده من على خده ليقضم بنانه بكل حسرة وووجع.

سأله صديقي لحظتها: 

كيف حالك يا حاج؟ 
أدار وجهه تجاه صديقي وقال الحمدلله 
فعاود له السؤال
من وين أنت...؟!
فأجاب
أنا   من الحديدة بس نازح هنا بتعز...

هذه الإجابة كانت كافية لتلخيص كل المشهد، ومعرفة عزة النفس التي يمتلكها أبناء التهائم ونخوتهم وجودهم وقلوبهم الطيبة،وبنفسس الوقت معرفة ما آلت إليه الأوضاع بسبب الحرب والنزوح.

طلب صديقي من بائع البطاط سندوتشات وأعطاها للطفل الصغير، وظل يكمل الحديث مع الأب وأنا أستمع لحديثمها بحرقة يعقوبية.
إلى أن وصل الأب بقوله : 
يا ابني كنا بنعمة وعز ببيوتنا وكنا مرتاحين ومعانا عمارة مثل هذه -وأشار بيده إلى عمارة قوامها ثلاثة أطباق  في الشارع المقابل- مؤجرين لها وشغالين ومبسوطين لكن جت الحرب هذه وخلتنا نزحنا وتبهذلنا والحمدلله وصلنا إلى حاله ما نقدر نشتري لأولادنا حبة روتي ..الحمدلله على كل حال.


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار