الاربعاء 4 ديسمبر 2024
مدفع رمضان وتطور الزمن
الساعة 09:52 مساءً
سلمان الحميدي سلمان الحميدي

كان الناس يثقون بمدفع رمضان أكثر من الأذان الذي يبثه المذياع عند المغرب. والناس هنا، هم كبار السن الذين يفطرون في مسجد القرية بعد انتظار طويل، أما ثقتهم بالمدفع فلأن صوته لا يتأثر بأعطال فنية نظرا لبدائيته، ولأن صوته الطبيعي يصل إلى القرية التي تبعد عن المدينة ما يقارب من عشرة كيلو وعن المدفع المثبت في قلعة القاهرة تقريبا سبعة عشرة كيلو.
 
أما المذياع، الراديو، فهو من صناعة الإفرنجة وليس المعنى هنا أن يتخلوا عنه، بل يمكن أن يكون هناك خلل في التقاط الموجات، أو عطل فني يجعل من أذان المغرب يتأخر أو يتقدم، فيحتمل المؤذن وزر خديعة الصائمين، فكما هو معروف: "المؤذن مؤتمن" في الأوقات العادية، كيف بمغرب رمضان.
 
لا أعرف منذ متى يستخدم دوي المدفع كموعد للإفطار في تعز، ولكني لحقت مواسم مختلفة ليرتبط الصوم بذكريات المدفع البدائي، وإن غلب على مؤذني مساجدنا الريفية الاعتماد على المذياع في هذه الآونة.
 
والواضح أن لكل زمن طريقته في تحديد المواقيت، وأنه كلما جاءت فترة تطور تعاملنا مع الزمن، أقصد مع أذان المغرب تحديداً!!..
 
***
 
أخبرني جدي رحمه الله، عن حادثة عاشوها في أحد الرمضانات، لم تكن الساعات منشرة ولا أجهزة الراديو، عند مواعيد الصلاة يعتمدون على المزولة، وهي عصا تغرس في ساحة المسجد ومن خلال وصول الظل إلى نقطة معينة يرفعون الأذان، ولا أسأله كيف كانوا يحددون موعد المغرب، لكن الواضح أنهم يفعلون ذلك من خلال تقديرهم للغروب.
 
قال جدي أنهم كان في يوم صيفي برمضان، أغيمت السماء وتكاثرت السحب السوداء من بعد الظهيرة، بعد وقت قصير أذن العصر، وبعد وقت وجيز أيضا والأجواء مظلمة، صدح المؤذن بصوته لأذان المغرب فأفطر الناس، وبعد أن أفطروا وشربوا القهوة وجهزوا المدائع وتأهبوا للعشاء، خرجت الشمس.. القصة يرويها أيضا قدامى أبناء المنطقة خاصة أولئك الذين يبعدون عن قريتنا قليلا، أو يعيشون في بطن الجبل..
 
***
في أيام النزق التي عاشها عنتر، صاحبي الإصلاحي المتأثر بالاشتراكية عندما كانت الشيوعية مزدهرة في التبهة، كان المذياع متوفرا والساعة الكبيرة كذلك، ولكن كبار السن كانوا يعتمدون على صوت مدفع رمضان، كانوا يدخلون في صياح مع المؤذن المتشدد الذي يتعامل مع المدفع بدقة، وكان لصاحبي عنتر رأيه..
 
كانت هناك خرابة إلى جوار المسجد، تعود أبناء القرية أن يربطوا دوابهم فيها منذ فترة طويلة، فتكونت طبقة كبيرة من الروث وصارت قاعا كأنه سقف لطبل كبير، بمجرد أن تغرب الشمس، يدخل عنتر للخرابة ويرفع حجرا كبيرا ويضربه على الأرض بقوة، فيصدر دويا يشبه الدوي البعيد للمدفع، وهنا يؤذن المؤذن، ويفطر الناس رغم أن أصدقاء المؤذن يشكون بالوقت إذ ينظرون للساعات ويسمعون الإذاعة، وعندما يسمعون الصوت الحقيقي للمدفع يساورهم الشك، فيؤول المؤذن: هذي اشتكون حق الإقامة!.
 
قلت لعنتر أن يصوم عقدين متتالين تكفيرا عما فعل بالأولين..
 
***
في عهدنا، جاءت الساعات، والتقاويم الورقية، والإذاعات، وكان أذان المغرب يتوافق مع كل هذه المحددات ويؤكدها صوت مدفع رمضان..
 
حتى جاءت مليشيا الحوثي، الله لا ألحقها خير، فصمت مدفع رمضان، الحبيب الذي لم يؤذ أحد، وارتبط صوته بفرحة الصائمين عند فطرهم، وحل مكانه مدافع القتل التي تضرب بأي وقت ويصل صوتها لأي مكان..
 
ورغم التطور الهائل عند المؤذنين لمعرفة الوقت مثلاً، يعمل الحوثيون على إرغام اليمنيين على العودة إلى العهد الطباشيري:
"لا تفطروا إلا إذا ابصرتم ضوء النجمة.. لا مزولة ولا مدفع ولا ساعات ولا إمساكيات، ولا فلكيين.. النجمة يا سيدي" وهذا متعلق بالهوس بالبدائية، فالغرض الأصل من تعاملهم مع موعد المغرب ليس تعذيب اليمنيين، وإنما قطع أي وسائل معرفية أمامهم، وهذا عذاب مضاعف..
 
طيب إذا أغيمت السماء واحتجب ضوء النجمة ما يفعلوا؟
 
يفطروا على ضوء المشرف..


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار