الجمعة 19 ابريل 2024
إنها أيامنا الصافية يا قوم !
الساعة 09:16 مساءً
محمد المياحي محمد المياحي

سأنتقم من كل الذين قالوا لي صوتك لا يصلح للغناء يا مياحي، لديّ صوت أجش وغليظ، ينفع لإلقاء بيانات الإنقلابات العسكرية والخطب الجماهيرية أو قاعة المحاضرات، هذا تنميط أرفضه، صوتي جهوري ويفتقد للنبرة العذبة، أعلم هذا؛ لكن من منحكم الحق بالتنمر عليّ يا رفاق، لقد صمتُ عليكم سنوات، وكنت أبلغ غصتي وحيدا، تستمعون لي في أي حديث وبدهشة كبيرة، وحين أحاول الغناء تثورون ضدي بوقاحة؛ كأني ارتكبت موبقة كبيرة. وأكثركم طيبة، يستمع إليّ وحين أكمل يكتفي بالبصمت وتبادل النظرات مع الصديق الأخر. 

لقد حاصرتموني طويلا، وأورثتموني شعورا بالنبذ، ولا تدرون قسوة المنبوذ حين ينتقم، وها قد جاءت الفرصة كي أفعل..تعترفون لي قائلين: أنت يا محمد تنفع لفلسفة الأغنية، متذوق جيد، تحببنا لها حين تشرحها وتجعلنا نكرهها حين تغنيها. 
تعتقدون أن هذا بيسعدني ويجعلني أتنازل عن حقي بالغناء. لا يا رفاق، بلاش نذالة، كما أن هذا النوع من المواساة لا أحبه، أنا غاصب منكم، أنا يمني وكل يمني هو فنان بالضرورة. 
طوال السنوات الماضية، لم يتبق لي من مكان أختلس فيه الغناء، سوى حين أكون بالحمام أو في درج العمارة، حيث الجدران وحدها تشجعني وتمنحني أملًا أن صوتي مقبولا بعض الشيء، فلتذهبوا للجحيم يا رفاق، والمجد للجدران الخرسانية، تلك التي تسمعني وتردد صدى صوتي بخشوع، ولو تململتْ تفعل ذلك بصمت ولا تجرح مشاعري الغنائية الملعوصة. 

حسنًا، يا رفاق، لقد انتهى زمن التنمر ومصادرة حق الناس في اللهو والطرب، نحن في في أيام عيد الأغنية اليمنية، هذه نهارات وليال خارج الزمن. أيام تسقط فيها الحدود والقوانين، تجميد مؤقت للمعايير الصارمة، ورشة مفتوحة للتدرب على الغناء، للموهبين وعديمي موهبة، لعباقرة الفن ومبتدئيه، للمتدينين والمنحرفين، المتصوفين والملحدين، هذا كرنفال حر ومفتوح للجميع، حيث الفن كتابنا الوحيد، والأغاني أسفارنا الخالدة في اللوح المحفوظ منذ الأزل. 

وعليه، وعملا بتوجيهات الرئيس الوسيم جمال طه JaMal TaHa ، قررت أخصص الثلاث الأيام المقبلة للغناء بشكل متواصل، منذ الليلة، سأغني بلا انقطاع، منذ  أول غصن في الجلسة افتتحت أغنية محببة لقلبي وبدأت بالترديد بعدها. أسمع الأغنية وأقرأ كلماتها وأردد بعدها، أتوقف وأعيد بعض مقاطعها، أعيش مع الأغنية، كلمة كلمة، نبرة نبرة، بخشوع شديد أصعد معها نحو الذرى البعيدة، وأراقب أثرها داخلي، أتشربها بحواسي كلها، بعقلي وخيالي، أذهب إلى أقصى حالاتي الشعورية وأترك لها مهمة إعادة صياغتي كليًا. 

جميعكم تسمعون أغاني، ويبقى الفارق بين طروب وأخر، هو درجة التوحد التي يبلغها مع الفن، تلك الحالة من الاستغراق الروحي الشامل، الانفصال الكلي عن الزمان والمكان، حين تشعر أنك مأخوذ باللحن والكلمة بكل تلابيب روحك، حالة من التلاشي التام، الوجد والحلول، بتعبير المتصوفة. حيث لا تدري هل أنت الفنان أم المستمع، اللحن أم الأذن المصغية له، وهذا يتطلب مراس طويل مع الأغاني، دربة داخلية وتراكم روحي كبير، وانتقاء متجانس للأغاني في كل سفرة فنية. 
لا أقول أني أبلغ هذا المستوى دائما لكن هذه أيامنا الخالصة للتربية الفنية العالية، استثمروها جيدا.

إلى الصديقة التي وقالت لي : صوتك أحسن من هشام الشويع بشوية، ما زالت عبارتك عالقة في ذهني، لم يحطمني كلامك يا لئيمة، بل زادني اصرارا ع الوصول للحلم. انتظريني يا متوحشة. 
انتظروني الليلة أو غدًا، في بث مباشر، سأتدرب فيه أمام الملأ على الغناء، ولدي تصريح حماية من رئيس جمهورية الصافية، ومنذ سيجرؤ أن ينهرك وأنت بحماية الرئيس، إنها أيامنا الصافية يا قوم، سنغني ونغني ونوزع البهجة في الطرقات، سأفتح حائط الرفيقات المقربات وأغني لهن هكذا بدون مقدمات ومن لا تنطرب من قلبها سأحظرها وأغادر. أنتم ايضًا، افعلوا الشيء ذاته، نساءً ورجال، لا تترددوا عن محاولة الغناء، بأصواتكم النقية أو الخاربة، نبراتكم المبحوحة أو العذبة، بغلاظتكم ورقتكم، غنوا ملء الليل والنهار، ثوروا ضد كل ما يخجلكم من الصدح بأصواتكم، وغدا سننجب أوطاننا من جديد، من هذا الميراث المعنوي الغزير، من الألحان والأغاني والقصائد، من رحم المجاز يولد وطن ويولد حب وتتناسل البهجة في كل مكان. 


1#يوليو_يوم_الأغنية_اليمنية


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار