السبت 12 اكتوبر 2024
 ثورة الرياح!
الساعة 05:35 مساءً
فتحي بن لزرق فتحي بن لزرق

الإهداء إلى اليمن التي كانت وفي قلوبنا (ستظل)!.

من يزرع الريح يجني ((العاصفة)) .

لازلت أتذكر بمرارة صورة المرأة اليمنية التي وقفت ذات يوم في صنعاء ممسكة بنسخة من القرآن الكريم طالبة من كل رجال اليمن ألا يخذلوها وقد فعلوا.

ترى أين هي اليوم؟

الزمان : مارس من العام 2011والمكان العاصمة صنعاء والحدث بلادً تترنح .

كان صوتها مجلجلا وواضحا وصادقا :" ثمة مراهقون يقودون البلاد نحو الهاوية  وقد حدث فعلاً.

قال لي صديقي ونحن نسير عصر اليوم مشيا على الأقدام على رصيف كورنيش ساحل أبين .

ما الذي يمكن يافتحي ان يكتبه الإنسان بعد كل هذه السنين عما حدث؟

قلت له :" في ذكرى ماحدث وحدها الخراف من ظنت ان الذئاب مؤتمنة على مستقبلها وحياتها.

وهل تؤتمن الذئاب؟

في بلادي هذه وحدهم الجلادون يبيعون السياط .

ويبيع الماجنون فضيلة تنزف دماُ.

وييبع الكاذبون حقيقة ممزقة قدت من دبر.

ويبيع الليل نوراً زائفاً ولا يأتي النهار.

في ذكرى الـ 11 من فبراير ما الذي يمكن لليمنيين ان يكتبوه أو يتذكروه في هذه المناسبة وهذا التاريخ.

حينما  يتسلل الوطن من بين يديك كحبات رمل ناعمة وحينما تصبح الأشياء البسيطة حلماً بعيد المنال وحينما تخشى على نفسك من العابرين المارين في الطرقات وحينما يصبح الماضي الذي لايعود هو المستقبل الذي تهفو أليه أنفس الناس فاعلم ان ماحدث لم يكن ثورة ولن يكون .

ذات يوم كان لليمنيين دولة ومؤسسات ونظام وقانون وجيش دولة وأمن وبدلات زاهية ومرتبات تأتي كل شهر ومياه تسري في أنابيب الشرب وأضواء إنارة ومطارات وعالم وثمة قصور ومظالم .

وكل شيء ..

نعم كل شيء..

قلت :" أقسم ياهذا انه لو لم يكن للدولة اليمنية التي كانت قائمة من فضل إلا ان اليمني يمضي في الطرقات لايسأله أحد من أنت والى أين ذاهب،لكفتها.

كان الأولى ان نصلح بيتنا من الداخل وألا نهدمه.

في ذكرى 11 فبراير من كل عام سيقلب اليمنيون البوم صور للدولة التي كانت بين أيديهم وأضاعوها.

سيحكون لأطفالهم عن الشوارع التي مروا بها دونما سؤال والمرتبات التي كانت تأتي بلا انتظار والطائرات التي حلقت ذات يوم في سماء ومساء كل مدينة.

عن الشوارع التي لاتمتلئ بالمسلحين ولا بالأطقم والأبنية الخالية من زخات الرصاص وآثارها.

سيحكون عمن باعوا الواقع بالأوهام والحقيقة بالكذب والممكن بالمستحيل وماتيسر بما تعسر.

قليلة هي الأصوات التي صرخت في الناس ألا تهدموا وطنكم ألا تخرقوا سفينتكم ألا تحرفوا مسار رحلتكم ألا تسقطوا غصن الزيتون من أياديكم ..

ألا تطفئوا ضوء شمعتكم بأفواهكم.

وفي ذكرى 11 فبراير يتساءل المرء اين سيبصق التاريخ وفي أي وجوه وهل ثمة متسع لبصاق؟

قال لي مستحثا ما الذي سيكتبه التاريخ عمن سرقوا ماحدث وقادوه لاحقا؟

قلت له :" وأما الشعب ففعلا أراد حياةً أفضل ولكن من قادوا المرحلة كانوا تجار شنطة وبائعي أوهام لا أكثر..

قال لي :" وماذا سيقول التاريخ عما حدث؟

قلت له :" ان لم يبصق المؤرخون فسيقولون إنها الثورة التي أنتجت ثوارا هربوا خارج البلاد وأشعلوا الشموع في ذكرى ثورة حولتهم إلى مليارديرات وثورة أكلوا بملاعقها الذهبية كل ماهو فاخر والتحف الناس السماء وحثوا الأرض جوعا وعطشا.

وإن كان التاريخ يقول ان ثائراً قط ماهرب، لايهرب الثوار حتى في حكايات الأطفال .

الثوار جائعون .

الثوار لايعرفون غير تراب الأرض.

الثوار لايعرفون سوى الوطن مكانا.

وفي اليمن فر الثوار وعائلاتهم ،وباتوا يسكنون الفلل الفارهة و القصور في الخارج ويتجولون بين شهر وآخر بين دولة وأخرى لكنهم يغردون كل ليلة عن الكرامة والحرية والجوع .

الجوع ياهذا؟

نعم ..الجوع!

وفي ذكرى 11 فبراير يجلس اليمني على قارعة مقاهي القاهرة ومنافٍ عدة وهو الإنسان الذي لم يغادر عتبة حارته.

- طلباتك إيه يافندم؟

- اشتي وطن؟

- وطن أيه ياعم انت ؟ بقولك تشرب ايه.؟

- اشتي وطن  معاكم وطن ؟ تبيعوا وطن ياخي انا مضيع وطن اشتي بلادي ..

إنتِ وين ؟ تعبت مني المطارات تعبت مني المسافات

أنا بكل المدن مريت وانا من غربتي مليت

وعاشق .. عاشق .. عاشق

أنثر شوقي في صوتي إذا ناديت

إنتِ وين ؟ إنتِ وين؟

هذه بلاد تاجرت في أرضها وتفرقت شيعا بكل مزاد ،لم يبق من صخب الجياد سوى الأسى

تاريخ هذه الأرض بعض جياد!

يكفي ان تزور حيا واحدا وصغيرا في مصر لكي تدرك ما الذي حل بهذه البلاد، يكفي ان تصاحب يمنياً في رحلة عابرة لكي تدرك فداحة ماحدث؟

وفي ذكرى ثورة فبراير تسأل ساحة التغيير بعضها عمن مروا من هنا وغابوا وارتحلوا.

ولو ان الناس سألوا أنفسهم من أين تأتي الأوطان؟ لأدركوا ان ثمة وطنا ، ما جاء من قارعة طريق.!

المسافرون على متن طيران القطرية المتوجهة إلى اسطنبول عليكم التوجه إلى صالة مغادرة رقم 11.

وفي اليمن يتردد صوت الباحثين عن شربة ماء ودبة غاز وبترول وضوء ووضوء ودونما أرقام ولاهويات ولا أمل .

الشوارع المنطفئة منذ عقد من الزمن، والأحلام المصادرة والوطن الذي تحول إلى زنزانة كبيرة تقاسمها المجرمون بكل أنواعهم.

ومن بعيد يأتي صوتٌ معاتبٌ.

أين الوعود واين ماعاهدتني؟.

وفي كل ذكرى سنظل نكتب لكي لايزيف التاريخ ولكي لايقرأ أطفالنا ذات يوم ان مجدا كان سيصنعه من تاجروا بوجع هذه البلاد.

أعيدوا لهذه البلاد يمنها الذي يعرفها وتعرفه و ارحلوا بيمنكم الجديد فليس منا ولن يكون..!

11فبراير 2022


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار