الجمعة 19 ابريل 2024
الهوية الفردية للحضرمي ومدى تفاعله مع علم حضرموت
الساعة 03:50 مساءً
أحلام الكثيري أحلام الكثيري

في هذا المقال سأكون بصدد البحث عن السؤال الوجودي كيف يتفاعل الفرد الحضرمي في شبكات التواصل الاجتماعي مع محيطه، باختلاف المراحل العمرية من حياته، سواء ولد ونشأ داخل حضرموت، أو حملت ظروف عائلة أفراد ما، في الانتقال من بلد لأخر، وأفراد آخرون بالاستقرار في بلد ما بعينه، وأخرين نشئوا فيها ولم يغادروها.
لقد تنوعت أراء الباحثين، في مفهوم الهوية الفردية، وعالج الباحث الفرنسي "أريك اريكسون" مسألة الهوية الفردية من ناحية سيكولوجية، ونقطة الارتكاز في نظريته، إن الهوية لا تتشكل بتأثير الفرد بمجتمعه المحيط فقط، مشككًا في النظرية الفردانية التي ترى أن الفرد يمكنه أن ينفصل عن مجتمعة ويختلق هوية جديدة مستقلة عن مجتمعه، لأن تشكل الهوية يبدأ من خلال كفاح طويل، بدءً بمرحلة تخلُق شخصية الفرد أي مرحلة المراهقة، مرتكزًا على عنصرين، الأول: إحساس الفرد باندماج ذاته معنويًا، والثاني: اكتساب العلاقة مع محيطه، وقدرته على الإنتاج، فكثيرًا ما نسمع عبر المساحات والقنوات الصوتية، أو المنشورات والتغريدات في تويتر وفيس بوك، سؤالًا من أنت؟  للفرد أو من أنتم للمجموعة، فحين يُعرف الفرد عن نفسه يتوقع أن يلاقي القبول من الأفراد الأخرين في محيط شبكات التواصل الاجتماعي، رغبة منه بالاندماج مع الأخرين، فينتابه الشعور بأنه بحاحة إلى عالم اجتماعي ذا معنى، بحيث تتعاظم سعادة الفرد بمد جسور التفاعل بينه وبين المجتمع المحيط به، تاركًا العزلة، وشعوره بالغربة داخل بلد يقيم فيه في بلاد المهجر ، وانتمائه له انتماءً جزئي لا كلي، لإدراكه أن الاندماج مع المحيط، لن يفقده التحدي اليومي الذي يفرضه عليه الواقع من التفاعل المادي والمعنوي، مع مجموعات أخرى في محيطه على أرض الواقع، وعلى الرغم من اعتداد الحضرمي بهويته الحضرمية قولاً عند البعض لا فعلا، إلا أنه ثمة ما يجعلنا أمام عدة استفهامات، كيف يمكن لنا فهم علاقة الفرد في المجتمع الحضرمي باختلاف شرائحه، حيث نجد أن لكل مجموعة أفراد نمط حياة وثقافة مختلفة، باختلاف ثقافة البلد الذي نشئوا فيه؟، وكيف يمكن بناء عقد اجتماعي، يسهل اندماج وتفاعل الأفراد فيه مع القضايا الخاصة بحضرموت، كوحدة هوية مبنية على التكافل والتكامل، لا على الوحدة والتماثل، المبنية على قاعدة التنوع الفكري والسياسي والثقافي؟
يصنف الباحث "مارشا" (الأنا) في دراسته لاختبار فرضية "اريكسون" مدى تأثير النمو النفسي والاجتماعي عند المراهق كفرد، في تشكيل الهوية لديه، مصنفًا حالات الهوية ذات الطبيعة الديناميكية، لأربعة رتب، والتي تحددها غياب أو ظهور متغيرين أساسيين، هما "خبرة الفرد، أو عدم خبرة الفرد لأزمة الهوية"، ومدى التزامه أو عدم التزامه بالقرارات، سواء كانت حقيقية أو محض صدفة، فوقع رهينة لمتغيرات الواقع المفروضة عليه، وعليه سأسقط هذه الرتب على الأفراد في المجتمع الحضرمي كمثال:-
أولاً/ تحقيق الهوية: بحيث يدرك بعض الأفراد في المجتمع الحضرمي في شبكات التواصل، أن هناك ثمة أزمة هوية، في مجال ما أو عدة مجالات في حياتهم، تحدهم من فهم أسباب وجود الفجوة فيما بينهم، ليصلوا إلى قرار معين يلتزمون به معًا، مثلاً قرار: "أنا هويتي حضرمية لا شمالية ولا جنوبية، وعليه لابد أن تكون حضرموت ذات سيادة"، معتبرًا "مارشا" هنا أن الأنا الفردية السوية، هي التي تتمتع بدرجة أعلى من التوافق، وتقدير الذات، والقدرة على الإنتاجية.
ثانيًا/تعليق الهوية: أي يشعر فيها بعض الأفراد بأن هناك أزمة هوية، بحيث يظل يبحث عن هويته وأهدافه، وقد لا يلتزم بها في قراراته، ودائم التغير لأهدافه، يظل يبحث في حلقة دائرية مفرغة متسائلا، هل أنا حضرمي جنوبي أم حضرمي يمني، جهويًا في الجغرافيا اليمانية التي ينتمي إليها، وقد فرض الواقع السياسي عليه فرضًا، فكان لمدة ٢٣ عامًا هو حضرمي جنوبي، وأصبح أكثر من ٣٢ عامًا هو حضرمي يمني، إلا أن الأفراد في هذه الرتبة، لاستمرارهم في البحث عن الأهداف احتمالية تحولهم لمرتبة تحقيق الهوية، تبقى قائمة ولكنهم بحاجة إلى التوجيه السليم. 
ثالثًا/ انغلاق الهوية: يقع الأفراد هنا في فخ الانغلاق، لعدم ادراكهم أنهم يعانون من أزمة هوية، بحيث يرضخون لقوى خارجية، تتحكم في خياراتهم لأهدافهم، فيشعرون بالرضا لوجود الداعم النفسي لهم، فمثلا : نجد الحضارم الذين ينتمون لحزب ما، كهوية سياسية جهوية، يعانون من ضعف في هوية "الأنا" التي تفقدهم تقديرهم لذواتهم، وقدرتهم على الإنتاج بفعالية، فهم يعتمدون على أحزابهم، وفي قلق دائم، وسلوكهم النفسي يجعلهم غير قادرين على السيطرة على ردود أفعالهم، والتي غالبًا ما تقودهم إلى الوقوع في الخطأ، والتخلي عن القيم الأخلاقية و الإنسانية، في حالة عدم تحقيقهم لأهداف حزبهم أو فقدانهم لدعم حزبهم.
رابعًا/ تفكك وتشتت الهوية: وهي أسوأ رتبة في الهوية، والأفراد فيها يعانون من ضعف هوية "الأنا"، بدرجة كبيرة جدًا، ولا يعترفون بأنهم يعانون من أزمة هوية حقيقية، فمثلاً : بعض الأفراد الحضارم أهدافهم غير محددة، وأن الواقع المفروض عليهم، يجعلهم أكثر عدوانية، وغالبًا ما يلجئون فيها إلى تكريس فكرة السلطة والفساد الذي لا يمنعهم من ارتكاب جرائم غير قانونية وضد الإنسانية، وأقرب مثال للواقع هم أفراد القيادات السياسية الحضرمية التي ناصرت وتصدرت فكرة الجبهة القومية الاشتراكية، وأفراد آخرون ناصروا فكرة الوحدة تحت شعار "القومية العربية"، وكأنهم يقرون نيابة عن الشعب ، بأن حضرموت ليست ذات هوية ذاتية، لها استقلاليتها وسيادتها الكاملة على الأرض، متجاهلين حضارتها التاريخية، الضاربة قديمًا في الأعماق، لأكثر من ٣٠٠٠ عام ما قبل الميلاد، والتي قد أثبتتها النقوش المسندية، المنحوتة في جبالها وكهوفها، ومعابدها، و بعض آثارها التي تم اكتشافها، وأثار أخرى لم يتم التنقيب عنها، عمدًا ليتم استمرار طمس الهوية الحضرمية قسرًا.
وفي يوم الجمعة الموافق للسابع من أكتوبر من عام ألفين واثنين وعشرون ميلادي، احتشد في مدينة سيئون أبناء حضرموت، من جميع القبائل الحضرمية، وهم يحملون علم حضرموت، كرمزية دعوة لتوحد أبنائها، ساحلاً وواديًا والصحراء ، يومًا مهيبًا لم تشهده حضرموت منذ أكثر من خمسة وخمسون عامًا، نقلت شبكات التواصل بعضًا من الصور و المقاطع، والبيان الصادر عن أبناء قبائل أل كثير، الداعين لجميع القبائل الحضرمية لهذه الفعالية، باختلاف انتماءاتهم الحزبية، والفئة الصامتة، التي تشكل الجزء الأكبر في الحشد الذي اثبت وجوده، وأن عزلتهم ليست عن ضعف ، ولكن هم أقرب لفئة الأفراد المنتمين للمرتبة الثانية من تصنيف الهوية عند "مارشا"، وكانت المساحات الصوتية والتغريدات في تويتر والفيس بوك، تنقل الأحداث أولًاً بأول، وعلى الرغم من أن حدوث مثل هذه الفعالية، يعد مخاطرة كبرى، في ظل سوء الأوضاع الأمنية، والتي فرضتها الحرب ضد الحوثي، والحصار الأمني الأممي والإقليمي والدولي موانئها ومطاراتها، وتردي الأحوال المعيشية، الاقتصادية، التعليمية، والبيئية... الخ، وفي ظل بعض التهديدات، غير المسؤولة والصادرة عن أنصار الأحزاب السياسية المتنفذة في المشهد السياسي، لكن أصرار أبناء حضرموت المخلصين، المعتدين بهويتهم الحضرمية، على إقامة الفعالية، كان التحدي الأكبر، والذي جعلنا كمتابعين، عبر ما ينقل لنا في شبكات التواصل، لما يحدث على أرض الواقع، من داخل سيئون حضرموت الأبية، كنا جميعًا كحضارم في بلاد المهجر، نعد الوقت والدقائق ونحبس انفاسنًا، ندعو الله بأن يحفظ المحتشدين، من أي معوقات خارجية قد تطرأ بأي لحظة، أثبت المجتمع الحضرمي القبيلي للعالم أجمع، أنه شعب حضاري، ذا فكر مدني، وأن قوته تكمن  في احتشاد أبنائه وبصوت واحد حضرموت أولاً، والذي صدر عنه بيان، بتوافق أبناء جميع قبائل حضرموت بمخرجات مؤتمر حضرموت الجامع، وتمكين أبنائها أمنيًا وعسكريَا، في حضرموت، ولا للتبعية الحزبية، ولا للتهميش والإقصاء، وتم الإعلان عن انتهاء الفعالية ونجاحها بحمد الله، على أرض الواقع، لكن في الواقع الافتراضي، فتحت بعض المساحات الصوتية، ذات الطابع الحزبي الشمالي أو الجنوبي الجهوي، تبث سهامها نحو أبناء حضرموت، أصحاب دولة الوايف اي التويترية، اليوم رفرف علم حضرموت، وكان حشد البث الأرضي شاهد عيان، أثبت لنا جميعًا كحضارم، أن صوت أبناء حضرموت في الأرض، وتحت حراسة أمن قبائلها، أشبه بزلزال دك عروش بعض أخواننا الحزبين اليمنين، شمالاً وجنوبًا، وبعض الحضارم المنتمين لحزب ما، والذين هم في المرتبة الثالثة والرابعة " انغلاق الهوية" الذين يعانون من أزمة هوية حقيقية، ولكننا على يقين بأن صوت أبناء حضرموت، سيصل يومًا، يرونه بعيدًا ونراه قريبا، إلى العالم العربي الإقليمي والدولي، معلنين فيها عبر مجلس الأمن الدولي، سيادة واستقلال دولة حضرموت.

 


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار