الجمعة 29 مارس 2024
قُبلة
الساعة 08:27 مساءً
ثابت الأحمدي ثابت الأحمدي

القُبلة لازمة الحياة.. تولد، فتمطرك القُبلات صغيرا من كل المستقبلين من حولك..  تكبر قليلا، فتزداد أكثر، وفيها، وبها تنتعش وجدانيا، وتتكون ملكاتك الإنسانية في طورها الأول، إذ ترسم هذه القُبلات شخصيتك، أو على الأقل تساهم فيها، من خلال ما يمنحك به محيطك العائلي من المحبة والرعاية والعطف، ويمطرونك من القُبلات الحانية.

تستمر هذه القُبلات ــ ذات المنحى العاطفي ــ مصحوبة بشفقة الأم أو الأب ومن في حكمهما سنوات، حتى تصيرَ يافعًا، فشابا، فتقل قليلا، وقد تنعدم، لأي سبب من الأسباب، ولكن لتتلقفك قبلاتٌ أخرى، تمثل لك وقود الحياة الجديدة، وقد غادرتَ عُشَّ الطفولة ببراءتها إلى عالم الشباب بمرحه.

تتغير مساراتُ وأنواعُ القبلات الجديدة، كما يتغيرُ نوع غذائك وطبيعته، صار جسمك أكبر، يحتاج إلى نوع آخر من الغذاء، كما يحتاج إلى نوع آخر من القُبلات. صرت اليوم كبيرًا، لا تتسع لك ملابس التي كنت تلبسها، ولا تروق لك أشكالها وأنماطها، فقد صرت أكبر، الشأن ذاته تماما مع القبلات، تحتاج قبلاتٍ أكبر ومتنوعة، إضافة إلى السابقة.

إنها حاجة بيولوجية تلازم حياتك مع كل تحول من تحولات حياتك، ولا غنى لك عنها أبدا.

الشباب هي المرحلة الثانية بعد الطفولة وفيها تتغذى نفسيا على القبلات، كما تتغذى ماديا على الأكل، وكل منهما له مساقه ومساره ومصادره، ولا غنى عنهما أبدا.

القبلة رسول القلب، وما أحوجك في هذه المرحلة إلى قلب حانٍ يناجيك، ومشاعر دافئة تناغيك. تهدهد فيك ألم الحياة، وتغسل عن كاهلك عفا الأيام..

أو قل: ما أحوجك إلى قلبٍ يُنعش قلبك، وروحٍ تداعب روحك..!

في هذه المرحلة حاجتك للقُبلة لا تقل عن حاجتك للطعام والشراب، "مُقبِّلا ومقَبَّلا"..! حاجة النفس كحاجة الجسد تماما، لا فرق. وأي خلل يطرأ على أحدهما ينعكس ذلك على أدائك، فتتحول إلى إنسان مكبوت، يعاني العُقد النفسية، فإذا ما تراكمت انفجرت سلوكا إجراميا متوحشا. وهاتوا لي مجرما أو إرهابيا واحدا خلت طفولته وشبابه من العقد النفسية. إنهم كومات عُقد، ما عرفوا القبلات ولا الحب يوما ما، تراكمت فانفجرت..!

رنين قبلة على مسامع شاب تفوق في لذتها رنين الذهب في كف تاجر، أو نغمة لحن على شفاه صوفي ناسك..!

وتأتي الشيخوخة.. وتحيل حياتك إلى مساق آخر في عالم القبلات.. أصبحت كبيرا، الكل يُقبل رأسك ويدك، بعضها عن صدق ومحبة، وبعضها جبر خاطر لا أكثر. وربما كانت بعض القبلات كقبلة يهوذا الاسخريوطي؛ خاصة إذا كنت قد زرعت في زمنك السابق ما يشبهها..!

حياتنا محفوفة بالقبلات، وإن شئت قل: حياتنا هي القبلات.. فهل نحسن صناعتها؟!

مساؤكم قُبلة.. صباحكم قُبلة..!


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار