الجمعة 29 مارس 2024
وكانت السبعون أشرف أيام الخلود
الساعة 03:59 مساءً
بلال الطيب بلال الطيب

 

بعيدًا عن العُقدة اليـَزنية المُتجذرة في نفوس اليمنيين، كانت مَلحمة السبعين يومًا البطولية انتصارًا يمنيًا خالصًا، وامتدادًا طبيعيًا لتأكيد هويتنا الوطنية، وإعادة إعلام الناس بتفاصيلها المائزة، يُشكل تجذيرًا للثورة، وتحفيزًا للصمود والمقاومة، ومقارعةً للباطل، مهما كانت قوة هذا الباطل وسطوته، وتأصيلًا للوعي لدى الأجيال، حتى لا تُصادر تلك الروح الوثابة من الذاكرة والوجدان.

ذَهب الجميع لمُقـارعة الجحيم، ولا هَدف لهم إلا التنكيل بجحافل الإمامة المُتوثبة للانقضاض على عاصمتهم، عاصمة كل اليمنيين، وأثبتـوا بـأفواه البنادق أنَّ صنعاء 1968م غير صنعاء 1948م، فيما شعار (الجمهورية أو الموت) يأتي هادرًا من خلفِ دخان الرصاص.

كتب حينها الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح، قصيدة شعرية حفز من خلالها المقاومين على الصمود، عنوانها: (إلى السلاح.. أيها المواطنون)، جاء فيها:

انتشرت على جوانب الشمس الجراح

يكاد يلفظ الأنفاس

يختفي تحت العباءة الصباح

فقاتلوا ...

أيلولكم مجنونة من حوله الرياح

جنكيز خان والمغول قادمون

الأهل والديار والبنون

غدا سيعدمون

إن لم نعد السور والخنادق

ونشرع البنادق

سترتدي المدينة السواد

ستغرق النساء في الحداد

سيرجع الفساد

الليل، والارهاب، والسجون

سيرجعون

يا أيها الرجال.. يا ضمير شعبنا العظيم

يا حاملي رءوسكم على الأكف في تصميم

يا من تقاتلون في الجحيم

أنتم نهار الشمس في العيون

ولن تهون أمة، أنتم بنوها

لن تهون

تاريخنا أمانة على أعناقكم والغد

أطفالنا.. أكف أمهاتنا إلى سمائكم تمتد

لا تجعلوها - يا شموسنا - خائبة ترتد

ردوا جحافل الأعداء

لا تغمضوا أعينكم

شدوا على جموعهم شدًا

فأنتم اليوم الذي يصول

أنتم الغد الذي يثور لن يهدأ

وأنتم السلاح والكفاح

وبحلول شُباط - فبراير 1968م، بدأت بوادر الحسم تلوح في الأفق، ومن3 إلى 8 من ذات الشهر، كانت معارك عَيْبَان الأخيرة تحجز صفحاتها بزهو في كتب التاريخ. كطرفي كماشة، وتحت ستار كثيف من الضباب، وزخات خفيفة من المطر، أطبقت حشود النصر على القوات الإمامية المُتمركزة هناك، قوات مُسلحة ومقاومة شعبية خرجت من صنعاء بقيادة النقيب عبد الرقيب عبد الوهاب، ومن الحديدة خرجت قوات أخرى مدعومة بقوات شعبية قوامها 5,000 مقاتل، بقيادة الشيخ أحمد عبد ربه العوضي، مسنودة بسلاح الطيران، وتحقق النصر الكبير.

أربعينياتُنا فيها رَفَضْنا، وضُحى سبتمبرٍ فيه رَفَضْنا، ومـدى السبعيـن يومًا قد رفضنا، وسنمضي رافضـين.

صنعاء العصية على السقوط أصبحت مدينة مفتوحة، تلاشت من حولها كمائن الونيت، وحمم الهوزر والهاون، وطغت على الجميع نشوة احتفاء بنصر حاسم واستثنائي.

قال أحدهم: إنَّه يشبه موقعة الخندق حين تبددت تحالفات القضاء على ديننا الحنيف، وقال آخر: إنَّه يشبه حصار لينغراد حين انحسرت قوة نازية كبرى كانت تجتاح العالم دون توقف، أحس داعمو التخلف أنَّ روح الثورة قد تتجاوزهم، فبادروا إلى حلول لم ترضِ المُنتصرين؛ لكنها حقنت الدمـاء.

ومن السبعين حيث اللهيب

قصة عنوانها عاش الجنود

هكذا غنى الفنان الكبير أيوب طارش بانتشاء، فيما كتب الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح قصيدة أخرى خلَّد فيها بطولات أبطال فك الحصار، أبطال ملحمة السبعين يومًا، ومنها نقتطف:

من زرعوا الشمس على سمائنا

وثبتوا النجوم والأقمار

وثبتوا النهار

على طريق أيلول العظيم

صدوا جحافل القديم

أوقفوا سير العار

وكانت السبعون أشرف أيام الخلود


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار