الجمعة 29 مارس 2024
لقاء عابر مع وزير اعلام الحوثيين المنشق
الساعة 10:48 صباحاً
سامي نعمان سامي نعمان

التقيته في عزاء الزميل، بشير السيد في فبراير 2018 في صنعاء، رحمة الله تغشاهما معا..

دخل جابر، وزير إعلام سلطة الحوثيين حينها، قاعة العزاء وكنت أعول على ألا يراني، لكنه، ولكون القاعة مزدحمة بالصحفيين، وجدها فرصة لنسج علاقاته، وللتواصل مع زملائه السابقين، فطاف مع مرافقيه على جميع من في القاعة مصافحا ومازحا، وكان بين الحين والآخر يلتفت لمرافقيه ممازحا "اجلسوا وارتاحوا هذوم صحفيين مشتحصلوش معاهم حتى مقص أظافر"..

حين صافحني قالي "عادك عندنا بصنعاء.. يعني عاد الدنيا بخير.. كنت احسبك خارج مع دول العدوان".. قلت له "عاد لنا  أمان نجلس بالبلاد والا نخرج.. قل الحمدلله على سلامتك انه لازلنا نعيش.".. ضحك وقال" انت محد يعرف يمزح معك.. تعال يا رجال قد احنا ما نحصلش بعض يعلم الله منوه شحيي ومن شموت.. تعال زورني للوزارة، في موضوع مهم أشتي اناقشه معك، وسجل رقمي واتصلي.. "..

 قلت له خير..

حاولت أن اتجاهل، لكني كنت أدرك أن" الحوثية" أسوأ ما يمكن في هذا الكون وتفسد أخلاق أصدق الناس..

 أصدقكم القول أني خفت أن يضرني، وهو زميل وصديق عزيز من أيام جريدة الثوري والقضية وما بعدها وقبلها.. فاستحضرت المثل " قارب الخوف تأمن"

بعد 3 ايام راسلته قلت له بمن اتواصل حتى احدد موعد.

قال الزملاء الصحفيين يجيؤوا اي وقت مكتبي وبيتي مفتوح بدون مواعيد ولا بروتوكول..

دخلت وزارة الإعلام التي كانت شعلة ولم أصادف أحدا في طواريدها ولا درجها حتى وصلت مكتب جابر وكان الحماطي خارجا من عنده.. كلمت مدير مكتبه اني اريد ان التقيه قالي معك موعد قلت له بدون موعد.

سمعني جابر وخرج لاستقبالي وهو يمازح سكرتيره "هيا قد الخبر معك الصحفيين لا ينتظروش"..

دخلت وتحدثنا قليلا بكلام ودي، فدخل مدير مكتبه ومعه مجموعة أوراق.

فغمز عبدالسلام " تعرف هذا منوه"؟!

اومأت برأسي لا.. وكان الشاب قد بدى محرجا وكأنه يدرك ما سيقوله جابر..

قال " مش تسمع انه كل مسؤول معه مشرف.. هذا هو المشرف حقي.. كل شي بيده والختومات والمعاملات، مقدرش اجزع حاجة او اعمل صرف إلا بإذنه..  مشرف مهنجم.. وهو اللي يقيميني اني مؤمن ومخلص والا لا.. ويرفع بي تقارير " ..

اشتط الشاب غضبا وهو يصيح " قلدك الله إني مشرف عليك.. يا استاذ ليش هكذا تحرجنا عيب عليك.. هيا انا عاد ارحلي والله ما ارجع لبعد شهر".. وهم بمغادرة المكتب..

وكعادته جابر في المزاح طلب منه البقاء "تعال لا تزعلش احنا نمزح.. وبعدين مشرف مشرف.. كل الوزراء معاهم مشرفين.. حتى صالح الصماد معه مشرف"..

وحدثني بلهجته الضالعية وهو يوقع معاملات وبريد " بس انت داري.. انا وحقي المشرف متفاهمين.. انا ما ارجعش ورقة الا موقعة ولا أرفض له طلب مثلما يشتي، وهو ما يرفعش تقارير مثل حق المشرفين حق الوزراء الثانيين.. كل التقارير حقي 10 من 10"..

وسلمه الملف وهما يضحكان..

بعد أن غادر، طرق جابر الموضوع الذي استدعاني لأجله.. أيش رأيك نسوي وضعك وتمسك رئيس تحرير صحيفة الجمهورية - التي شغلها هو قبل أن يصبح وزيرا- عادنا ما رشحتوش ولا واحد.. شرفع بك ترشيح ونصنجلك قرار خلال أسبوع.. ايش رايك..

تظاهرت بالتفكير وقلت له أيش من شغل بلا مرتبات يا بن جابر.. ايش من رئيس تحرير..

رد بجدية: والله مالك علم.. قسما بالله في فلوس واعتمادات زي الرز أكثر من أيام صالح وهادي.. من قالك مافيش.. امشي بعدي وانا شعلمك كيف..

قلت له: الحقيقة انا مشتيش.. وقدنا مرتاح هكذا بعيد عن أي شغل أو استقطاب..

حاول أقناعي أكثر وزدت تمسكا بالاعتذار..

وأخيرا قال فكر ورجع لي خبر.. وقسما بالله اني اشتي مصلحتك..

نقلت النقاش إلى ملعبه هربا من الموضوع، وفتحت معه قضية الزملاء الصحفيين المعتقلين لدى الحوثيين، وعرضت عليه باعتباره صحفي يدرك مدى فداحة حبس الصحفيين، أن يقدم مقترحا بالافراج عنهم بدون مفاوضات وبدون أي شي او مقابل في إجراء سيحدث ردود فعل ايجابية لصالح الميليشيا، وقيادتها.. يكفي ما قضوه في السجن أيا كان التهمة.. فكيف وهم زملاء، واسرهم تعاني نفسيا ومعنويا وماديا.. وانا عن نفسي بكتب لك معلقة شكر، وانت اشكر اللي تشتي الصماد او عبدالملك..

أمسكت الرجل من اليد التي تؤلم، فاطرق برأسه وحاول البحث عن مخرج من المأزق

وقال.. نفسيا صح لكن ماديا عندنا معلومات انهم مرتاحين ومعاهم مخصص شهري 300 دولار من التحالف..

قلت له والله ما معاهم فلس ولا حاجة.. ثانيا بغض النظر صحفيين محبوسين..

قال اسمع انا عندي فكرة لو تنفذ.. شنفك لهم على طول..

قلت له.. إذا ممكنة على طول..

قال: أيش رأيك نجمع 10 او 20 صحفي وندخل دورة إيمانية.. انت ونايف حسان ومحمد عايش وأصحابكم وانا شزيد اكلمهم، وعملنا دورة ثقافية للصحفيين، وشنعزم الصماد يجي يعمل محاضرة من حقهم ونرفع له ورقة موقعة، ونتبني مطلب الإفراج عن الصحفيين كمخرجات الدورة..

وأضاف.. هي محاولة بدون وعد مني، لكن انا متأكد انها بتنجح.. لانه الموضوع قدهو على مستوى كبير، بس لو هم شترخرخوا مابوش احسن من الدورة..

سألته: دخلت دورات يا بن جابر..

رد بجدية.. هاه أكثر من مية دورة.. ها مو وصلني لمنصب وزير.. يوثقوا بك الجماعة ثقة عمياء بعد الدورات.. بالبداية كانوا يتصلوا بي وكنت كده خايف من الدورات مثلك، بس بعدين كان الا يتصلبي واحد يقلي معك دورة اقله انا مستعد اجزع لي الان، وبعدين كان من اتصلي اقله ياخي نشتي دورة.. وخلاص بعدين ما دوروش..

سالته: طيب وكنت تقوم تتهجد وتصلي وتستغفر مثلهم.. وايش درسوك..

قال: الصلاة والاستغفار مش ضروري هي إلا قدام الناس إنهم المستغفرين بالأسحار.. الاهم انك تدرس وتفهم حقهم المحاضرات وهذاك الخبر الأهبل ما بهنش حاجة.. الخبر حق الملازم، وترطن من حقهم الخبر على العدوان والمسيرة.. اتفلسف كيفما تشتي بإطار هذاك الخبر.. وبعدين ثقة عمياء.

لوى ذراعي سريعا عبدالسلام جابر.. وقلت له خير انا مش حق دورات..

 قال ضروري لو انت تشتي اصحابك يخرجوا.. كنت ادرك ان التحشيد للدورات مكسب كبير للمسؤول خصوصا من فئة نوعية، وكلما حشدت مجموعة مهنيين من فئة ما لدورة حوثية، زاد رصيدك لدى الجماعة.

غادرت يومها مكتب جابر.. وبعد أربعة أشهر اعتقلت لدى الحوثيين في تعز.. وثمة زملاء اتصلوا بجابر يخبروه ووعدهم بالافراج عني..

وحين التقيته في القاهرة مرارا العام الماضي، أخبرني انه تابع بعد افراجي، لكنه قال لكن مقدرش اقلك اني انا الذي خرجتك.. قلت لهم صاحبنا ومعروف وعلى ضمانتي وفكوا له شندخله دورة.. قالوا بيحققوا ويفكوا لك..

لم نتحدث عن سبب انشقاقه..

سالته ايش صار يا عبدالسلام..

رد بشكل مقتضب وكأنه لا يريد نقاش الموضوع: ياخي عنصريين محد يقدر يتعايش معهم..

كان ردا مكثفا يختصر كل إرهاب وعنصرية وسيكولوجية ميليشيا الحوثي الارهابية.. ردا كافيا ومقنعا..

عنصريون لا يتعايشون مع أحد..

رحمك الله يا عبدالسلام جابر..


آخر الأخبار