الخميس 18 ابريل 2024
قل أعوذ برب الفلق
الساعة 08:13 صباحاً
سام الغباري سام الغباري

سُرِق محمد العسل، واخترع الناس قصة "الوغد الفاسد"، كان يولول على مصيبته، وقال له الناس "تستاهل"، والذين استحضروا مبادئ الشفافية القصوى تساءلوا بلؤم : من أين له خمسين ألف دولار ؟!

كان "محمد العسل" وكيلًا صوريًا لمحافظة ريمة، وريمة محتلة، وهو نازح مع أهله في #القاهرة، وقد اجتهد وكافح حتى استطاع شراء شقة بالية في شارع مظلم بإحدى أحياء مصر القديمة، وبالتقسيط على مدى أربع سنوات، وكان كل من في ريمة المخنوقين في صنعاء يلعنونه بلا سبب

وسألتهم : هل تلعنونه لأنه سُرِق، أم لأنه اصلاحي، أم لأنه اشترى شقة لعياله فلا يعلم متى يعود إلى وطنه، أم لأنه كان يدخر مالًا لغدر المستقبل؟، وأجاب أحدهم : من أجل هذا كله ؟

كان محمد العسل قد شارك في حملة مروعة ضدي تبناها قيادي هاشمي يزعم انتماءه إلى الإصلاح، وألفيته لدى باب سفارتنا في الرياض، وذهبت عنه مغاضبًا، فلحقني يكرر اعتذاره ويطيب خاطري، وشرحت له ما كان حقًا من ملابسات أمر شارك فيه بلا هدى، وكان يهز رأسه متأسفًا . وحين أدار ظهره مغادرًا رأيت روحًا شفافة طيبة،  وشابًا طموحًا أنشب الهم خطوطه على تفاصيل وجهه، وبياض شعره، إلا أنه كغيره من المتحمسين لم ينحن أو يساوم على مبادئه وحريته، يكره الخوثيين لعنصريتهم ويأمل أن يعود السلام العادل إلى وطنه .

لكن الناس كان لهم رأي آخر، احتشدوا عليه كأنه سرق مالهم، وأوردهم السجن والفلس والمهالك، نالوا منه لأنه وحيد وضعيف، بلا عائلة ثرية، ولا وظيفة حقيقية، ولا جاه أو حضوة لدى قيادته الحزبية، مجرد شاب يماني يقال له "العسل" .

بالأمس صادر الخوثيون كل أموال بنك التضامن الإسلامي، ورأيت الناس الذين تشفوا في "محمد العسل" يحتشدون بالدعاء والتضامن في صفحة "شوقي أحمد هائل"، وقد تضامنت مع شوقي أيضًا رغم أن تجارتهم كانت ترفد #الخوثي بمئة وعشرين مليار ريال سنويًا، تدفعها هذه العائلة الثرية لجباة الميليشيا وسدنتهم .

لم يعلق أحد حول ذلك الدعم المؤلم، فليس من المرؤة أن تعاتب في عزاء أو تتشفى في مصيبة، لكنهم اجتمعوا على شاب قرر أن يغادر موطنه ليبني مع حريته وطنًا صغيرًا في بلاد الآخرين، وسألت نفسي : ماذا لو تعرضت لأذى ؟ وطُردت من بلد يستضيفني وشردتني قوة قاهرة مع أطفالي لا سمح الله، وليس لي مدينة حرة أعود إليها ؟ هل سألقى ما لاقاه "محمد العسل" ، وفُزِعت لقدرة الناس على كتابة الألم، والتشفي في الوجع، والسخرية من مصيبة كادت تودي بصاحبها إلى الوفاة كمدًا على خراب بيته وضياع "تحويشة العُمر"

أي وحشية هذه الحرب التي صنعتنا، وأي بشر نحن وقد تخلينا عن انسانيتنا، وكل جبان من أولئك يستحضر موقفًا سلبيًا مع المكلوم فينهشه بكلماته ويحرض ضده ؟

كان تطبيق "آية" يضيء في جهازي، فتحته، وظهرت أمام عينيّ سورة الفلق، قرأت : بسم الله الرحمن الرحيم، قل اعوذ برب الفلق من شر ما خلق، ومن شر غاسق إذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد ..

وكأنني أقرأها لأول مرة .

 


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار