السبت 26 ابريل 2025
الأمن القومي السعودي … وكيف نتصور اليمن داخله
الساعة 04:39 مساءً
د. عبدالقادر الجنيد د. عبدالقادر الجنيد

السعوديون، يفهمون اليمنيين جيدا ولا يختلفون كثيرا فيما بينهم بشأن اليمنيين.

اليمنيون، معهم عشرات المفاهيم عن السعوديين ويختلفون فيما بينهم بشأن جيرانهم إلى درجة الزعيق.

فهم السعودية محرج ولكن ضروري
*
موضوع اليوم، هو محاولة لفهم السعوديين بغرض تمكين اليمنيين على التفاعل معهم لمصلحة البلدين: الأرض والشعب.
وسوف نضع أنفسنا في موقف صانع القرار السعودي وليس في موقف المواطن اليمني أو صانع القرار اليمني.

لا يوجد مواطن يمني ولا يوجد صانع قرار يمني.

المواطنون اليمنيون؛ قد تشرذموا، وقد فقدوا ضابط الإيقاع الذي يمكن أن يضع لهم سردية مشتركة أو مصالح عليا حيوية مشتركة أو أمن قومي مشترك أو قائد واحد يشترك اليمنيون على الموافقة عليه.

والمدخل لفهم السعوديين، هو: 
١- الجغرافيا السياسية للمملكة والأمن القومي السعودي.
٢- التهديدات المحتملة للمملكة: إيران- اليمن- اسرائيل- تركيا- مصر- العراق.

**
أولا: التهديدات المحتملة للمملكة
**

مصر
*
قد انتهت كمصدر تهديد للمملكة بعد هزيمة ١٩٦٧ على يد اسرائيل.
وقد أصبحت مصر أقرب إلى دور الحليف للمملكة.

العراق
*
قد انتهت كمصدر تهديد بانتهاء العراق كدولة وبعد أن تشرذمت على يد أمريكا ومن بعدها إيران.

شاركت السعودية في عاصفة الصحراء الأمريكية التي حررت الكويت من قبضة الرئيس صدام حسين على يد الرئيس بوش الأب ولم تكن راضية عن قتل الرئيس صدام حسين على يد الرئيس بوش الإبن الذي انتهت مغامراته بتحطيم العراق وتسليم البلاد كمستعمرة استيطانية لإيران.

ويمكن أن تكون العراق مزعجة وتقوم بدور "الوكيل" فقط إذا اشتعل الصراع بين السعودية وإيران.
ولكن السعودية لا تسمح باشتعال الصراع "المباشر" مع إيران، حتى عندما توسع الحرس الثوري الإيراني في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

تركيا
*
تهديد غامض يتوسع في قطر وليبيا والصومال والسودان وسوريا مع دور غامض آخر مع الحركات الإسلامية.
… والكثير من هذا لا يعجب السعودية.
ولكن لا يبدو أن البلدين منشغلتان بممارسة الصراع "الغير مباشر" في هذه البؤر، كما تفعل دولة الإمارات.

اسرائيل
*
لا تشكل تهديدا مباشرا على المملكة ولكنها تسبب السخط والغضب الشديد وعدم الاستقرار في المنطقة.
… وهذا لا يناسب المملكة.
والمملكة، تحاول إعطاء قطعة لحم لإسرائيل لتتوقف عن نهش لحم الفلسطينيين.
وخطر اسرائيل يساعد على تقليم أظافر ومخالب خطر إيران.
والمملكة، لا يمكن أن تتصرف بحيث يبدو عليها أنها معجبة بهذا الدور..

… ويبقى معنا إيران واليمن.

**
ثانيا: الأمن القومي السعودي والتهديد الإيراني
**

١- طموح إيران: ثابت
*
إيران، طموحة سواء تحت الشاه بهلوي أو الخميني أو خامنئي.
لكن السعودية كانت في صف أقرب إلى الشاه بسبب أمريكا ثم بعد ذلك في صف معادي للخميني وخامنئي بسبب أمريكا أيضا وبسبب جرأة الحرس الثوري الإيراني الزائدة عن الحد المقبول للمملكة.

٢- الشاه بهلوي
*
نصب نفسه شرطيا على المنطقة بموافقة أمريكا، وهيمن على كل دول الخليج واستولى على جزر الإمارات وإن كان قام بأدوار مقبولة في محاربة المد القومي العربي في مصر والعراق واليمن ( حروب الملكية الجمهورية- ١٩٦٧ - ١٩٦٢) وفي وقف المد الاشتراكي (الشيوعي)  من جنوب اليمن إلى سلطنة عمان.

٣- مصارعة السعودية للجمهورية الإسلامية الإيرانية
*
صراع سياسي وحربي لم يتوقف لخمسة واربعين سنة منذ ١٩٧٩.
حروب مستترة وغير مباشرة وبالنيابة والوكلاء بين المملكة السعودية وفيلق القدس الإيراني؛ في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

٤- الحوثي جلب إيران لليمن.
*
ومن قبلها جاء الصريون والعراقيون والاتحاد السوفيتي إلى اليمن 
وكانت السعودية تعتبر كل هذا تهديدا لها.

٥- عاصفة الحزم وحرب اليمن
*
هذه أول حرب تشنها السعودية بقواتها وبطريقة مباشرة خارج حدودها، لأنها لم تتحمل الجرأة الزائدة للحرس الثوري الإيراني الذي وصل إلى حدودها الجنوبية مع اليمن وتوغل نفوذه في صنعاء عاصمة "الحديقة الخلفية" للمملكة.
‏فشلت عاصفة الحزم.
نقلت إيران الحرب إلى داخل السعودية.
انصدمت السعودية بأن أمريكا لن تحميها.
تصالحت السعودية مع إيران برعاية الصين المنافسة لأمريكا.
استسلمت السعودية لإيران في خارطة الطريق التي كتبتها مع الحوثيين.
تحلم أمريكا بإقامة حلف بين السعودية واسرائيل ضد إيران.
… وهكذا تحول مفهوم الأمن القومي السعودي تجاه إيران.

٦- اليمن ونظريات "المؤامرة" و "الدومينو"
*
الطريف في هذا الأمر،
هو أن اليمنيين لا يتوقفون عن بذل النصائح للسعوديين بشأن تغيير فهمهم المفاجئ للأمن القومي السعودي.
ومن كثر المصائب التي قد تعرض لها اليمنيون، فإنهم يُغَلبون "نظرية المؤامرة" في كل شيئ ولا يكترثون بتساقط القطع والمسلمات تحت "نظرية الدومينو"

٧- مرونة أمريكا
*
المدهش في الأمر،
هو أن الأمريكيين لا يكترثون كثيرا بتغيرات السعودية وتجنبها للصراع مع إيران.
وربما حتى أن الأمريكيين يتفهمون التغيرات السعودية.
ويبدو أن الأمريكيين يراعون الرغبات السعودية.
والمتوقع أن تستفيد السعودية من هذا التفهم الأمريكي بترحيله إلى نوع من الهدية وإسداء الجميل وتقديم عربون صداقة لإيران.

**
ثالثا: الأمن القومي السعودي يتصالح مع تهديد إيران
**

١- الاعتبارات التي غيرت السعوديين
*
إيران، دولة إقليمية عظمى وهي من الجيران منذ فجر التاريخ وسوف تبقى إلى الأبد.
بينما أمريكا دولة عظمى تتغير مصالحها ولن تبقى إلى الأبد.
يجب تجنب اكتساب أحقاد تاريخية جديدة بين السعودية وإيران.
يمكن أن تقدم السعودية هدايا مغرية ومجزية لإيران بينما هي تتعرض لكل هذه التهديدات من قبل اسرائيل وأمريكا.

قررت المملكة السعودية إعادة تعريف أمنها القومي على أساس مراعاة القوى الإقليمية العظيمة (إيران) مع الإحتفاظ بما يمكنها من العلاقات بالدولة العالمية الأعظم (أمريكا).

٢- زيارة الأمير خالد لأمريكا
*
زيارة الأمير السعودي في فبراير الماضي أوضحت للأمريكيين مخاطر شن حرب ضد إيران على السعودية وعلى كل المنطقة.
وأن السعودية تعارض ضرب إيران.

وبالتأكيد أن الأمريكيين يتفهمون المخاوف السعودية وقد وضعوها كأحد الاعتبارات وهم يتغيرون ويناورون الإيرانيين.

وبالتأكيد فإن السعودية قد أبلغت إيران بما قام به الأمير خالد في واشنطن وأن إيران مبسوطة وقد تجملت من هذا.

٣- زيارة الأمير خالد لإيران
*
هذه ضربة معلم لصانع القرار السعودي.

زار الأمير خالد طهران، قبل اسبوعين بعد انقضاء شهر على ضربات أمريكا على أصدقائها الحوثيين في اليمن وبعد أن فقدت أصدقائها في لينان وسوريا.
إيران، في أضعف حالاتها ومعزولة وقد أصبحت فقيرة اقتصاديا، بينما السعودية في أقوى حالاتها وكل دول العالم تخطب ودها وتريد مصادقتها وهي غنية جدا.

السعودية، يمكن أن تقدم هدايا، حتى مبالغ مالية في الخفاء، لإيران المنكوبة المنبوذة التي تتعرض لكل هذه الكراهية وكل هذا العداء.

إذا كانت السعودية قد قبلت بالحوثيين وهم في قمة انتصارهم وانتصار الإيرانيين بخارطة الطريق،
… فإن الأمر أسهل بكثير بأن تقبل بهم وهم يتعرضون لكل هذا القصف الجوي الأمريكي الذي يدخل الآن يومه السابع والأربعين،
… ويمكن أن تراعي إيران رغبة السعودية باستعادة حديقتها الخلفية في اليمن بعد أن قدمت كل هذه الهدايا العلنية والمراضاة والمداراة الخفية.

الغالب، أن زيارة الأمير خالد لإيران قد حققت مكاسب للسعودية بعد أن قدم بعض الأشياء المناسبة.

**
رابعا: تصور مصلحة اليمن العليا داخل أمن السعودية
**

كان من المفاجئ لليمنيين أن تقبل السعودية بتسليم اليمن للحوثيين والإيرانيين في خارطة الطريق.

ولكننا يمكن أن تفهم هذا "التحور" السعودي، إذا أخذنا بالاعتبار حجم الثروة الهائلة التي بين أيديهم "الآن" والأحلام الكبيرة التي بانتظارهم في "المستقبل"؛
 والتي يمكن أن تتبدد وتتعطل داخل صراعات اليمن.

نحن اليمنيون، يجب أن نفهم كيف يفكر السعوديون.

ويجب أن يتيقن اليمنيون أن سياسة أمريكا في اليمن، تسير "فقط" بموجب ما تعنيه مصلحة السعودية وبموجب إزالة أي تهديد لإسرائيل.

ويجب أن نفهم ما يعنيه الأمن القومي للأسرة الملكية وللنظام السياسي السعودي وللدولة السعودية.

ونحتاج أن تفهم السعودية وهي تحافظ على مصالحها وأمنها، أنه يجب مراعاة المصلحة اليمنية التي تتلاشى تماما هذه الأيام وسط الانهيار الكامل للقيادة والشعب والدولة والأرض والإنسان.
… لأن التاريخ يسجل كل ما يحدث.
… وهذا موضوع يحتاج أن نفرد له مساحة خاصة به.

عبد القادر الجنيد
٢٦ ابريل ٢٠٢٥


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار