آخر الأخبار


الجمعة 23 مايو 2025
لكأنهم خصوم بالوراثة: سياسيون يعيشون على الشقاق كما تعيش الطفيليات على الأجسام الضعيفة.
بمعنى أدق حين تُصبح الخصومة السياسية مهنة، وعندما يُصبح تأجيج الصراع وظيفة بديلة للبطالة، فاعلم أن الساحة السياسية ليست بخير، وأن بعض اللاعبين فيها لا يبحثون عن حل، بل عن فوضى تدر الأرباح وتؤمن لهم حضورا لا يستحقونه.
تذكروا أنه في لحظة فارقة، قرر رئيس مجلس القيادة الرئاسي فتح صفحة جديدة تجاه القضية الجنوبية، في خطاب بدا متزنا وعقلانيا، حمل نبرة مسؤولية ونوايا تسامح. الأكثر مفاجأة، وربما الأهم سياسيا، أن عيدروس الزبيدي أيده، في موقف لا يمكن وصفه إلا بالشجاع إذا جُرد من خلفياته.
هذا المشهد النادر كان يمكن أن يكون لحظة وعي وطنية جامعة، لكن مهندسي الخصومة السياسية المحترفين لم يعجبهم الأمر. فهم لا يتنفسون إلا في الضجيج، ولا يحضرون إلا حين يغيب العقل.
لكن يا هؤلاء: أفيقوا.
ما الذي ستخسرونه إن تسامحتم؟ من سيشتري خطاباتكم إن حل السلام؟ أي قناة ستستضيفكم إن توقفتم عن الشتم والسباب والتنظير العبثي؟
لكن صدقوني أنتم لستم ساسة، أنتم مهرجون سياسيون في سيرك خال من الجمهور.
كذلك ما أسخف ما يحدث بين المؤتمر والإصلاح، الاشتراكي والناصري، وبقية المكونات التي تتعامل مع السياسة كما يتعامل طلاب الثانوي مع كرة الطاولة: صراخ، غضب، ولا هدف! يتراشقون تهما على شاشات التلفاز وكأنهم يتبارزون بشفرات حلاقة لا أفكار.
القضية الجنوبية ليست سلعة، ولا بطاقة للابتزاز، ولا ميدانا للاستعراض الخطابي. إنها وجع وكرامة وهوية تستحق المعالجة، لا المزايدة. ومن يتقدم بشجاعة نحو الحل، يستحق الإصغاء، لا الشتائم.
أما أنتم، يا محترفي الخصومة، يا نبلاء العدم، فأنتم أكثر الناس ضجيجا وأقلهم أثرا.
الحداثة التي تتغنون بها لا هي التسامح، بل الاحتكار. لا هي التنوير بل التكفير. لا هي العدل بل النكاية.
على أننا في زمن نحتاج فيه إلى الحكمة، لا يزال البعض يبيع الشقاق في أسواق النفاق. فأيّ بؤس هذا؟
أنتم خصوم الوطن، لا خصوم السياسة فقط.
ولكن..سيسقط هذا النوع من الخصومة، لا محالة.
وسيسقط معها كل من عاش عليها كدودة على جسد عليل.
نعم نحن الان لا نعيش شرف الخصومة وانما ابتذال السقوط
بمعنى آخر في مشهدنا السياسي اليمني المنكوب، ضاعت الحدود بين الخلاف والمهانة، وتحولت الخصومة من ساحة رأي إلى مستنقع سبب وبهتان.
صدقوني لم نعد نختلف بشرف، بل نتناحر بوقاحة، كما لو أن الفجور بات هوية سياسية.
والمعنى إن من يؤمن بقضية لا يرد على السفاهة بسفاهة، بل يرتقي بصمته، بموقفه، بثباته الأخلاقي. فالمبادئ لا تُستعار من الخصم، بل تُستمد من الضمير.
من هنا فإن خصومتنا اليوم تشبه سوقا للصراخ، فيما يعلو صوت الكاذب، ويُرمى الشريف بالطين.
لكن الزمن كشاف.
الناس يفرزون مع الوقت من نذر حياته لقيمه، ومن باعها على قارعة المكسب الرخيص.
لنخلص إلى أن السقوط الأخلاقي لا يُواجه بسقوط، بل بالتماسك، بالصبر، بالإيمان أن الوطن أكبر من حناجر مأجورة. فيما شرف الخصومة هو معركتنا القادمة، لأن من لا يملك أخلاق النضال، لا يستحق أن يُصغي له أحد.!
اليوم نجوت من الموت بأعجوبة ولمرتين.!
مثلما فاجأت الجميع عند انطلاق الحرب
الخصومة السياسية في اليمن وظيفة رسمية لمن لا وظيفة له
ابن خلدون في قلب صراعاتنا
ماذا يحدث في صنعاء؟!