الاثنين 12 مايو 2025
المناصب لا تخلد أحدا... لكنها تفضح الجميع!
الساعة 06:44 مساءً
فتحي أبو النصر فتحي أبو النصر


 

في اليمن، لا تُقاس عظمة المسؤول بعدد القرارات التي يصدرها، بل بقدرته على أن يصمد في وجه إعصار المزايدات الحزبية، وتسونامي الولاءات الضيقة، ونيران خذلان الدولة التي لا تأتي. 

وهنا، في محافظة تعز، التي تشبه جرحا مفتوحا على جسد الجمهورية، يصنع المحافظ نبيل شمسان استثناء صغيرا من فوضى كبيرة.

أصدر المحافظ مؤخرا قرارات جديدة بتعيينات في مناصب وكلاء ومديري عموم ومستشارين، واللافت ليس الأسماء فحسب، بل التوقيت، والدلالة، والسياق. ففي محافظة تئن تحت وطأة الحرب، وتنام على قلق السلاح المنفلت، وتستيقظ على صخب الصراعات السياسية، من الشجاعة أن تُعيد هيكلة الأدوار، وتضع الرهانات على كفاءات – بعضها معروف، وبعضها محل اختبار.

طبعا المناصب ليست وساما للخلود، بل اختبارا للضمير.
ويبدو أن المحافظ اختار معادلة دقيقة بين التنوع السياسي والاجتماعي والمهني، في بيئة كل قرار فيها كفيل بإشعال معركة على مواقع التواصل.

لكن لنتذكر: نبيل شمسان لا يحكم من برج عاجي. بل إن الرجل يكابد، ويتحرك في فراغ الدعم الحكومي، ويشتغل كمن يسير على الحبل بين بركانين. 
فلا ميزانية حقيقية، ولا دعم أمني مؤسسي، ولا غطاء سياسي موحد، ومع ذلك نجح – باعتراف وزارة الداخلية – في تحقيق نسبة استقرار نسبي، خصوصا على صعيد تنظيم الأجهزة الأمنية والإدارية.

على إن تعز لا تحتاج إلى "موظفين"، يقدر ما تحتاج إلى "مشاريع وقرارات سيادية".

فيما تبقى عقدة العقد في تعز هي فوضى السلاح، وغياب القرار السيادي في ضبطه. 
صدقوني لن تُجدي أي تعيينات نفعا ما لم تُحسم هذه المعركة المؤجلة منذ سنوات.
 هل يملك المحافظ أو الحكومة الشجاعة لإعلان ساعة الحقيقة؟ السلاح الذي يسرق الحياة ويُربك التنمية يجب أن يُجرّد من شرعيته الاجتماعية، ويُنتزع من مواقعه المتحكمة بالقرار اليومي.

وفي خلفية هذا المشهد، تواصل الأحزاب السياسية محاولاتها الدؤوبة للهيمنة على التعيينات وتجيير السلطة المحلية كأداة حزبية. ل
لكن شمسان، الذي لا يخفي انتماءه السياسي، يحاول أن يبقي على الحد الأدنى من التوازن، وهو ما جعله يصمد طيلة هذه السنوات في واحدة من أعقد محافظات الجمهورية اليمنية.

الرسالة الأهم من هذا القرار: أن تعز لا تموت.
فالمحافظة التي قاومت الحصار والخذلان والحرب، تستحق أن يحكمها من يخاف عليها، لا من يراها غنيمة. 
والقرارات الأخيرة، بكل ما تحمله من أمل ومخاوف، تشكل خطوة في مسار طويل من الإصلاح والتصحيح الذي لن يكتمل إلا بمواجهة الفساد، وتحقيق استقلالية القرار المحلي، ومغادرة منطق المحاصرة الحزبية الذي قتل روح الدولة.

فيما يبقى أن نقول: لا نحتاج إلى تخليد أحد، بل إلى أن يتقن كل مسؤول مهمته. 
فالمناصب لا تخلد، لكنها تفضح. 
ولعل التاريخ، إذا أنصف، سيضع نبيل شمسان في مكانه الذي يستحقه، لا لأنه فعل المعجزات، بل لأنه حاول حينما كان اليأس هو القاعدة.!


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار