مصطفى الجبزي
شاهدتُ مقابلة الرئيس رشاد العليمي على قناة "روسيا اليوم"، والتي جاءت كتتويج مكثّف لزيارته إلى موسكو، بل ويمكن اعتبارها أوضح من المظاهر البروتوكولية المعتادة.
بوجه عام، كان الرئيس العليمي بحاجة إلى القيام بزيارة رسمية على مستوى رئيس دولة، وكانت روسيا بدورها بحاجة إلى استقبال رئيس دولة، حتى وإن كانت اليمن التي تمر بظروفها الحالية.
ذهب الرئيس إلى موسكو دون مرافقة اي من نوابه، وبرفقة وفد محدود العدد، متنوع التكوين، يتألف أساساً من مستشاريه. وربما كان درس القمة العربية في بغداد كافياً لفهم أدوار كل عضو من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي.
غاب عن الوفد رجال الأعمال، وأعضاء من البرلمان، ووزراء من الوزارات الفنية ذات الصلة بمفردات التعاون. ولم تُوقَّع أي مذكرات تفاهم أو اتفاقيات. لم يلتق الجالية هناك وهذه نقطة عار بحث السفارة هناك.
في اللقاء المباشر بين الرئيسين، تحدث كل منهما من زاوية اهتمامه. روسيا أرادت تثبيت موقعها العالمي، مؤكدة أنها دخلت مرحلة "ما بعد الحرب الأوكرانية"، وأصبحت شريكاً دولياً في مجالات الغذاء والطاقة والاستثمارات، وتسعى لخلق شراكات دولية باعتبارها قطباً يتعامل مع أقطاب إقليمية. تنطلق فلسفة روسيا في التعامل الدولي من منظور ثقافي (لقاء روسي-عربي)، وليست ضمن الباراديغم الغربي الذي صاغ وحدة جيوسياسية تُدعى "الشرق الأوسط". روسيا لا تنافس أمريكا أو أوروبا فقط، بل تنافس الصين أيضاً.
أما اليمن، فكانت بحاجة إلى تعزيز حضورها على الخارطة الدولية، وكسر قوس التحالفات الإقليمية التي تدور حولها، ومنها التحالف الروسي-الإيراني الذي يندرج تحته الحوثي. ومن موسكو، أدان الرئيس العليمي إيران، ووصف جماعة الحوثي بالإرهابية، وهي نقطة لا تلتقي مع السياسة الروسية، ومع ذلك تحدث العليمي بصراحة مبدئية.
افتقرت الزيارة إلى أي مظهر من مظاهر التعاون العسكري، الذي كان أساس العلاقة اليمنية-الروسية لعقود. وغياب هذا التعاون، في لحظة معارك وحديث عن معركة برية واردة، يكشف عن خلل جوهري في سياسة الحكومة، خلل يعود إلى قيود تتجاوز العوامل المعلنة.
في المقابلة، التي كانت ذكية ومباشرة، تحدث الرئيس العليمي بحضور ذهني وسلاسة تعبير، وتفادى الانخراط في اصطفافات دولية ضمن ثنائيات، كما تجنّب الحديث عن التعاون العسكري، ما قد يشير إلى إغفال هذه النقطة في برنامج الزيارة أو تعمد إخفائها.
من النقاط اللافتة في اللقاء التلفزيوني مع الإعلامي سلام، أن الحديث عن السلام مع الحوثيين لا يعدو كونه فراغاً، طالما أن الحوثي يبتزّ بأساليب مبتذلة ويهدد بقصف المنشآت والخدمات. وإذا حدث أي تقدم نحو السلام في ظل هذا الواقع، فهو لا يعدو كونه استسلاماً.
الإفصاح عن تهديد الحوثي بقصف مطار عدن إذا لم تُعدّ الطائرة الأخيرة اليمنية التي كانت في عمّان، يُنذر اليمنيين مجدداً بأنهم أمام طرف لا يمتلك أدنى عقلانية أو مراعاة للمصلحة العامة، وهو خطر حقيقي لا يمكن التعامل معه بخطابات السلام والتنازلات.
ومن أبرز ما يمكن استخلاصه من الزيارة، أن الطريق الأنسب للحكومة هو التحرر من الوصاية الإقليمية في علاقاتها الخارجية، والانفتاح على كل الخيارات، ومراعاة مصالحها عبر تنويع وجهاتها السياسية والدبلوماسية. فمن غير المعقول أن تمر هذه السنوات دون زيارة للرئيس اليمني لدول مهمة مثل فرنسا، وبريطانيا، والصين، وتركيا.
أما النقطة المؤلمة التي طرحت في المقابلة، فهي أن الحكومة، بحكم ارتباطها بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ترى نفسها انها تخضع لحظر تسليح، ما يجعلها مكشوفة أمام خصم يتسلح خارج الأطر القانونية ويهدد الأمن الإقليمي والدولي، بينما هي مقيّدة.
في إطار سعيها لتحقيق مصالحها، تسعى روسيا إلى إرضاء جميع الأطراف؛ فهي تستقبل الحكومة اليمنية كما تستقبل وفوداً حوثية. علاقتها مع السعودية "متينة"، ومع الإمارات استراتيجية، لكنها أيضاً علاقة "عضوية" مع إيران.
وفي هذا السياق، تأتي "هندسة الزيارة" كمحاولة لخلق علاقات روسية يمنية جديدة لا تُلحق ضرراً بالحكومة اليمنية.
