آخر الأخبار


الثلاثاء 6 مايو 2025
عندما يتحدث مسؤول رسمي في لحظة دقيقة من تاريخ بلاده، وعلى منبر دولي مؤثّر، لا يُنتظر منه أن يستعرض المخاوف فحسب، بل أن يرسم المسارات الممكنة، ويُعزّز صورة الدولة التي يمثلها. هذا ما لم يحدث، بكل أسف، في مقابلة نائب وزير الخارجية، الأستاذ مصطفى نعمان، مع قناة PBS الأمريكية.
في المقابلة، لم يظهر نعمان بصفته ممثلًا لدولةٍ تكافح لاستعادة سيادتها، بل بدا أقرب إلى محلل سياسي محايد، يطرح الأسئلة ويغادر بها. وكانت العبارة التي أثارت الجدل حين قال: “القاعدة وداعش هما الوحيدان القادران على ملء الفراغ إذا تراجع الحوثيون”. إنها سقطة سياسية، لأنها – دون قصد – تبنّت الخطاب الذي يروّجه الحوثيون أمام المجتمع الدولي: “نحن الخيار الأقل سوءًا، وما دوننا فوضى.”
وهكذا، وبدلًا من تعزيز سردية الدولة اليمنية ومطالبها، قدّم نائب الوزير مادة مجانية لمن يرغب في التشكيك بمشروعية الشرعية وجدارتها. والأسوأ من ذلك، أنه تجاهل – عن وعي أو عن ضعف – حقيقة وجود قوات وطنية، من الجيش إلى المقاومة إلى قوات العمالقة، أعلنت مرارًا جهوزيتها لتحرير ما تبقى من البلاد، ولم تكن تنتظر سوى قرار سياسي جريء ودعم دولي صادق.
لو أنّ نائب الوزير استثمر هذا المنبر ليؤكّد للعالم أن اليمن يملك بدائل وطنية حقيقية، وأن الشعب لم يعد يخشى الفراغ لأنه سئم من الميليشيا، لكانت رسالته مختلفة تمامًا. لكنه، للأسف، اختار أن يُسلِّم – نظريًا – بغياب الدولة والبديل معًا. وهي رسالة لا تؤذي الحوثيين وحدهم، بل تُضعف المعنويات، وتربك حلفاء الشرعية في الداخل والخارج.
وللإنصاف، فإن مطالبة نائب الوزير بدعم الجيش الوطني بالسلاح والطيران، ليست محل اعتراض من حيث المبدأ، بل تندرج ضمن صميم مهامه الرسمية. غير أن الطريقة التي طُرحت بها هذه المطالبة أفرغتها من مضمونها. إذ جاءت في سياق خطابٍ يفتقر إلى الثقة والإيمان بقدرة القوات اليمنية على استثمار هذا الدعم، بل وأوحت – دون قصد – بأن البديل عن الحوثيين هو الفوضى لا غير. وهنا كان الخلل. فالدول لا تستجيب لمطالب العاجز، بل تنصت لمن يُظهر إرادة وقدرة بانتظار المساندة. وكان بالإمكان إيصال الرسالة ذاتها، ولكن بصيغة تعكس جهوزية وطنية لا فراغًا ينتظر من يملأه.
إن منابر الإعلام الكبرى، ولا سيّما الغربية منها، ليست مساحة لاجتهاد عاطفي أو ارتجال فردي، بل هي منصات تُرسل من خلالها الدول رسائلها بأقصى درجات الدقة والوزن السياسي. ولهذا، فإن ما نحتاجه اليوم ليس فقط أن نُحاسب العبارات، بل أن نُراجع: من يحق له أن يتحدث باسم الدولة؟ ومن يُجيد التفريق بين لغة التمثيل الرسمي، ولغة التحليل التلفزيوني؟
ختامًا، وبوصفي ممن يعرف الأستاذ مصطفى نعمان عن قرب، ويكنّ له كل تقدير، فإنني أكتب هذا النقد من باب الحرص، لا الخصومة؛ حرصٌ على الخطاب، وعلى الدولة، وعلى ما تبقى من الثقة.
ولعلّ أهم ما نحتاجه الآن ليس فقط مواقف واضحة، بل خطابًا سياسيًا يليق بتضحيات الميدان، ويُمثّل الدولة كما يجب أن تكون… لا كما يخشون أن تبقى.
قصة طبيب مصري في قرية يمنية
إلى مصطفى النعمان...ما هذا التصريح؟
ساعة النهوض حانت