الثلاثاء 13 مايو 2025
ختم القبيلة… وسوط النسب
الساعة 08:09 مساءً
سمير رشاد اليوسفي سمير رشاد اليوسفي

لم تبدأ الحكاية حين رفع الحوثي نسبه فوق الدولة، بل حين صمتت القبائل، وبدأت تفرز الناس كما تُفرز البضائع:
هذا “سيّد”، وهذا “مزيّن”، وهذا لا يُزوَّج.

لم يكن الحوثي أكثر من امتدادٍ لخرافةٍ قديمة. لم يخترع شيئًا، بل نفخ الغبار في العفن، وغلّفه بخطبة، ووسّمه بختم، ثم قال: هذا ديني… وهذا حكمي.

زعم أن دمه مقدّس، وأن حكمه فريضة؛ فصفّقت له القبائل، لا حبًّا فيه، بل شوقًا إلى نسخةٍ مصغّرة من الحقّ الإلهي.
ثم قلّدته، كلٌّ على مقاس جهله، وجهّزت نسختها من الورقة… والختم.

ومن لم يرث ولايةً ولا حكمًا، استعار من الخرافة هيبتها، وأخرج الختم من جيب القبيلة، ووضعه على ورقةٍ لا تساوي الحبر الذي كُتبت به، ثم أعلن: هذا قرار القبيلة!

الختم؟
لم يكن أداةَ ضبط، بل سوطًا ناعمًا، يُسلّط على من تجرّأ على كسر السلسلة الطبقية، ويُشرعن الإقصاء، ويُهندس الشرف… لا على أساس الدين، بل على مقاس الدم.

في جمهورية الأنساب:
ابنة “المزيّن”؟ يُحرَّم الزواج منها كأنها عارٌ وراثي.
تُشهر الوثيقة كما تُشهر السيوف، ويُستبدل السؤال الأخلاقي بالسؤال الوراثي:
من أين أتيت؟ لا: ماذا تفعل؟

ثم تُعلّق الورقة على الجدران كأنها دستور، ويُتفاخر بها كما يتفاخر الغارق بحجرٍ حول عنقه؛
لا لتُنقذ أحدًا، بل لتُذكّرك أن الإنسان، هنا، لا يُقاس بعقله… بل بسلسلة نسبه.

وثيقةٌ لو قرأها التاريخ، لتقيّأ حبرها، ولو عُرضت على العقل، لاستقال من وظيفته.

فهم لا يملكون مشروعًا، ولا مبدأ، فاستعاروا من سلالاتهم حجّة، ومن قرونِ الظلام أداة، ثم قالوا للعالم، بكل وقاحة:
“احترموا أعرافنا!”

نعم، احترم أن الزواج في أعرافهم لا يبدأ بقرارٍ شخصي، بل بتزكيةٍ قبَلية، وتدقيقٍ في سلسلة النسب، ومراجعةٍ لملفّ العائلة من لجنة “نقاء الدم”.

الأنساب؟
وهمٌ ممهور بالختم، وخرافةٌ تُسوَّق على أنها “هوية”، وتاريخٌ يُكتب في المقيل، ويمحوه شيخ… بمزاجٍ قبَلي.


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار