آخر الأخبار


الثلاثاء 6 مايو 2025
في بلد تتناسل فيه الجبهات كما تتكاثر الخيبات، وتتنافر فيه جيوش الشرعية بدل أن تتوحد، تبدو العودة إلى الأساس الخلاق ضرباً من النجاة.
وفي الحالة اليمنية اليوم، لا يمكن تصور استعادة الدولة أو بناء جيش وطني موحد دون استدعاء رجلٍ بدأ الانقلاب وهو في موقع الدفاع عن الجمهورية، وظل رغم الأسر والتجاهل أحد رموز النزاهة والوطنية والإجماع: اللواء محمود الصبيحي.
نعم: لقد آن الأوان، في ظل تعيين رئيس وزراء جديد هو سالم بن بريك، لإحداث صدمة تصحيحية في جسد الشرعية المتهالك، تبدأ بتغيير وزير الدفاع، وتنتهي بإعادة الاعتبار إلى رجل لا تشوبه شبهة فساد ولا تُطاله صفقات النفوذ: الصبيحي. ليس لكونه مجرد قائد عسكري، بل لأنه رمز حي لمعنى الدولة، ولأن تعيينه ليس ترفاً سياسياً بل ضرورة وطنية.
وللتذكير فمنذ أُطلق سراح الصبيحي بوساطة أممية بعد سنوات من الأسر في زنازين الكهنوت الح..وثي، لم تُعطه الشرعية حقه، ولم تُترجم تلك اللحظة التاريخية إلى خطوة سياسية جادة. بل تُرك الرجل على هامش المشهد، وكأن تضحياته وعدم تنازله عن الجمهورية والوحدة الوطنية مجرد تفصيل في سردية أكبر، يُديرها تجار الحرب وجيوش الولاءات المناطقية. وهنا تكمن الخطيئة.
صدقوني لم يعرف اليمن في تاريخه الحديث شخصية عسكرية حازت على قبول واسع شمالاً وجنوباً، مثلما حاز الصبيحي. فهو ابن الجنوب، المقاتل في صعدة، والرجل الذي كان وزيراً للدفاع لكل اليمن، لا لفصيل أو منطقة. صموده أمام الحوثيين في بداية الانقلاب، ثم أسره البطولي، ثم صمته النبيل بعد الإفراج عنه، كلها تفاصيل تُعلي من رصيده المعنوي، وتجعله رجل اللحظة بامتياز.
في المقابل، تعاني المؤسسة العسكرية من انقسامها المريع، وتفتتها بين "جيش الشرعية" و"قوات الحزام" و"ألوية العمالقة" و"قوات درع الوطن" وغيرها من المسميات التي تتقاطع أكثر مما تتكامل. وكل هذه الجيوش الصغيرة تتغذى من ميزانية الدولة، لكنها لا تلتقي تحت قيادة موحدة أو عقيدة قتالية واحدة. ومن هنا، لا يكون تعيين الصبيحي مجرد إجراء إداري، بل رسالة استراتيجية: أن الزمن زمن الدولة، لا زمن المليشيات.
ثم إنه وحده الصبيحي يستطيع أن يُحدِث ما فشل فيه الآخرون: أن يكون جسراً بين المعسكرات، وقائداً لا تنازع على شرعيته. لا هو محسوب على تنظيم، ولا مرتبط بمحور إقليمي، بل هو ابن الميدان، وتلميذ مدرسة الدفاع عن الوطن، لا الدفاع عن المصالح.
وفي لحظة مشوهة سياسياً وأخلاقياً، فيما تتقدم التسويات الجوفاء على المبادئ، يصبح تعيين الصبيحي وزيراً للدفاع فرصة لتطهير المؤسسة العسكرية من لوثة الموالين والفاسدين، ولإعادة الهيبة إلى منصب أُفرغ من مضمونه.
لذا نأمل من رئيس الوزراء الجديد سالم بن بريك أن يبدأ ولايته بخطوة وطنية شجاعة: إعادة الصبيحي إلى موقعه الطبيعي وزيراً للدفاع. ليس فقط لأن اليمنيين ينتظرون إنصافه، بل لأن اليمن ذاته ينتظر قائداً يوحد لا يفرق، ويجمع لا يبعثر، ويقاتل من أجل الدولة، لا من أجل الحصص.
فهل يفعلها بن بريك ويسجل أول انتصار رمزي حقيقي للشرعية منذ سنوات؟ أم تُهدر مرة أخرى الفرصة، في زمنٍ يتناقص فيه الحلم ويتسع فيه الفراغ؟
عن الطبيب السوداني دفع الله وحبه لتعز
عن الطبيب السوداني دفع الله وحبه لتعز
النهاية المأساوية لمبروك عطية
قصة طبيب مصري في قرية يمنية