الاربعاء 14 مايو 2025
ابحث في ذاكرتك عن أغنية تستمع إليها وتتذوقها
الساعة 11:06 مساءً
مصطفى الجبزي مصطفى الجبزي

كنت قبل يومين قد أشرتُ إلى أن هناك أغنيتين تخطران في البال، وكتبت عن إحداهما، وكانت فرنسية. وذكرتُ في منشوري ذاك موقف صديق من الأغاني الفرنسية، وربما أثار ذلك — دون قصد — جدلًا معه.
لكنني أجّلت الحديث عن الأغنية الأخرى إلى وقت لاحق، وربما قد حان الآن. ليست أغنية عابرة، بل أعجبتُ بها لما تحمله من تفرّد في الشخوص المؤدية وأدائها في آنٍ معًا. هما: وديع الصافي، الغنيّ عن التعريف، (يغني وهو عقده الثامن) وشخصية أخرى تُدعى "ربى الجمال" — وهي فعلًا تجسيدٌ للجمال المكتمل في هذه الأغنية.
الأغنية تُؤدى دون كلفة لحنية، إنما بمرافقة خفيفة الروح من العود. تُغنّى على نحو تلاوة متعاقبة، في شكل أدوار حوارية. إنها جميلة إلى الحد الذي يجعل التلاوة المغناة وحدها كافية لحدوث الطرب ولحمل ما في الأغنية من شجنٍ وجمال إلى المستمع.
هي من نوع الأغاني التي لا تكتفي بعرض موقف او بيان حالة نفسية او بسرد قصة، بل تنقلك إلى بيئة متكاملة. ربما كانت بدوية الروح، لكنها ليست بدوية بالكامل. ثم إنها مستلهمة من تراث أدبي شعبي ورفيع، ضارب الجذور في الوجدان الجمعي، وعميق الأثر في التكوين الثقافي والحسي.
إنها قصة ما تزال عناصرها تُعاش في مختلف ربوع الوطن العربي، ذلك الوطن الذي يتسم بطغيان الريف والبداوة وحياة القفار والجبال.
جمال هذه الأغنية يكمن في نقاء الأصوات، ومهارتها في التعبير اللحني عن البوح، والترجّي، والأمل، والشكوى، والبشارة. وفي حواراتها المختلطة — الفردية والثنائية — بين شخوص متعددة داخل القصة. ومع ذلك، يبقى الرابط المشترك بينها هو الحب، ذلك الشغف، واختلاق الأعذار، والتعلّل بلقاء المحبوب، أو حتى الحلم برؤيته.
الأداء المسرحي، والمشهد المتخيل الذي تحمله الأغنية، يجعلانها مستثيرة للخيال، متغلّبة على زوال الأثر.
فهل أنت من أولئك الذين ابتُلوا بالأغاني النيئة، أو تلك التي تملأ أذنيك سخامًا وصدأ؟
ابحث في ذاكرتك عن أغنية تستمع إليها وتتذوقها. أغنية تُشنَّف لها الآذان، وتلاحق أصواتها في زوايا البيت، أو تحت لحافك، في تلك اللحظة الأخيرة بين الصحو والغياب... في السُّنَى.


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار