آخر الأخبار


الاربعاء 28 مايو 2025
ذات مساء ثوري بهيج، خرج شباب نقي، طاهر، حر، يريد أن يصنع فجرا جديداً لوطنه الجريح. حلموا، وهتفوا، وركضوا تحت الرصاص كمن يركض إلى قدره البطولي، معتقدين أنهم يشقون التاريخ بأظافرهم.
لكن، ما لبثت الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية أن نزلت من علياء مكاتبها المكيفة، تمسح على رؤوس الشباب بكف، وتضع الأخرى في جيب لا أحد يعرف عمقه!
بمعنى أدق منذ اللحظة الأولى، اصطادت الأحزاب الشباب كما يصطاد صياد سمين سرب حمام بري: بلطف، وبشعارات كبيرة أكبر من حجمها الطبيعي بثلاث مرات، محشوة بالهواء الساخن.
قالت لهم الأحزاب: "أنتم الأمل، أنتم التغيير!"، ثم استخدمتهم في نشر البيانات، تنظيف الفساد بفرشاة المستحيل، ورفع صور الزعيم الخالد (الذي لم يكن في الثورة أساساً).
أما المنظمات، تلك التي تمشي على أطراف أصابعها في الميدان كأنها في متحف آثار، فقد جاءت وهي تحمل ملفات ممولة، وكاميرات مستعدة لالتقاط "معاناة الشعوب" بعد أن تضبط زاوية الإضاءة.
وهكذا دخلت الثورة من باب التمويل، وخرجت من شباك ورشات العمل، وتركت للشباب فاتورة قهوة ووعود بالتغيير المؤسساتي.
وهكذا، تحول شباب الثورة إلى مشروع قيد التدوير. مناضل صباحا، ناشط بعد الظهر، متدرب في منظمة عند المساء.
كل هذا دون راتب طبعا، إلا إذا نجحت في ملء استمارة "تمكين الشباب الريادي في المناطق الهامشية المتأثرة بالنزاعات المُستدامة".
ولم تكن المعضلة فقط في سرقة الثورة، بل في إعادة تشكيل وعي الشباب تحت شعارات براقة: الديمقراطية، التمكين، الحوكمة الرشيدة.
كلمات تُقال كما تُلقى النقود المعدنية في بئر الأمنيات. وباسم هذه الكلمات، تم إقناع كثير من الثوار أن الثورة يجب أن تكون ناعمة، كالحلوى النباتية، بلا شوك ولا سكاكين.
بمعنى آخر أيها الشباب، الثورة ليست مقهى ثقافيا يُقدم فيها كابتشينو مزينا برغوة "المواطنة"، وليست ندوة تمويلية تنتهي بـ"صورة جماعية مع الشهادة".
الثورة نار، والنار لا تليق بها مؤتمرات زووم.
حقيقة لقد أفسدت الأحزاب الشباب عندما اختزلت النضال في بيانات، وأفسدتهم المنظمات عندما حولتهم إلى إكسسوارات على طاولة الممول.
وبدل أن يصنعوا قيادة جديدة، أصبحوا يدورون حول الزعامات القديمة ككواكب تائهة تبحث عن شمس وهمية.
نعم، كانت ثورة، وصارت وظيفة. كان حلما، وصار جدول إكسل.
بل أصبح بعضهم "خبير سياسات شبابية"، وآخر "منسق أنشطة التحول الديمقراطي"، ولا أحد يتذكر لماذا خرج في أول مرة إلى الشارع، إلا إذا ذكره في ذكرى الثورة في منشور طويل على فيسبوك يعقبه هاشتاغ #أحلامنا_لم_تمت.
لكن الحقيقة أن الأحلام، فعلا، ماتت. ودفنها من كان يُفترض أن يرويها بالماء والدم. وبينما يجلس الثوار في دوامات الأحزاب والمنظمات، تمر الثورات من جانبهم، دون أن تلتفت إليهم، فقد أصبحوا شيء من النظام الذي ثاروا عليه.
تلك هي المسألة، تلك هي المعضلة.
الحكومة الرقمية.. لماذا لانبادر؟
صواريخ الحوثي التي تدمر عقل الناشئين وتخرب وجدانهم
الرجل الذي يحمل اليمن في حقيبته الدبلوماسية
انتهازية الاحزاب
مزّين المدينة.. مقالة أشادت بمسؤول فأدخلت كاتبها المستشفى!
قراءة موضوعية في الأحزاب السياسية اليمنية الرئيسيه