آخر الأخبار


الاربعاء 25 يونيو 2025
في المشهد السياسي الأمريكي الراهن، يزداد الشرخ بين الحزبين الكبيرين—الديمقراطي والجمهوري—وضوحا وحدة. لكن ما يثير الانتباه أكثر هو ما يبدو كمراجعة شعبية عميقة لمشروع الحزب الديمقراطي، خاصة بعد سنوات من الترويج لما يُسمى "بالتعددية الثقافية" و"تمكين الأقليات".
هذه الشعارات التي لطالما رُوج لها باعتبارها حجر الزاوية في مشروع العدالة والمساواة، تُواجه اليوم بكثير من الشكوك، ليس فقط من خصوم الديمقراطيين التقليديين، بل حتى من داخل القواعد الشعبية التي سئمت الانفصال بين الخطاب النخبوي والواقع اليومي.
ولقد تبنى الحزب الديمقراطي، خصوصا منذ عهد أوباما، خطابا يسعى لتوسيع القاعدة الشعبية عبر مد الجسور مع الأقليات العرقية والثقافية.
لكن، كما يرى كثير من المنتقدين، فإن هذا المشروع لم يُبنى على أرضية المصلحة المشتركة أو القيم الوطنية العامة، بل على تعزيز الهويات الفرعية، حتى لو تعارضت مع قيم الانسجام المجتمعي أو مع سيادة القانون.
هذا الميل للتطييف-في تقسيم المجتمع إلى طوائف وهويات متناحرة رمزيا أو فعليا -أدى إلى نتائج عكسية.!
فبدلا من "تمكين الأقليات"، تم تمكين الخطابات الانفعالية التي غذت شعورا بالضحية وجعلت من بعض الفئات تتعامل بفوقية أخلاقية لا تخلو من التهجم على الأغلبية أو حتى على قيم الدولة ذاتها.!!!!
في المقابل، يزداد حضور الخطاب الجمهوري الذي يعود إلى نبرة الواقعية السياسية: الأمن، الاقتصاد، احترام القانون، وسيادة الدولة. هذا الطرح، رغم افتقاده في بعض الأحيان إلى الحس الخطابي الناعم، فإنه يلقى رواجاً متزايدا لأنه يُخاطب مخاوف المواطن الأمريكي العادي ـسواء كان أبيض أو أسود أو من أصول لاتينية-الذي يشعر أن الوطن يُفرغ من معناه تحت عباءة "التقدمية" المفرطة.!
ولا يمكن تجاهل كيف أن خطاب الحزب الجمهوري، خاصة مع شخصيات مثل ترامب أو دي سانتيس، يعيد تعريف الوطنية الأمريكية ليس كهوية إثنية، بل كعقد اجتماعي لا يميز بين أفراده لكن يُطالبهم بالالتزام تجاه الدولة، لا تجاه قبائلهم الثقافية أو العرقية.
وإذا كانت الديمقراطية تقوم على مشاركة الجميع، فإنها لا تعني بالضرورة تمييز فئة على حساب أخرى، أو تسويغ الفوضى بدعوى "التعبير عن الغضب".
بمعنى أدق لقد كشفت السنوات الماضية أن التعددية إن لم تبنى على أساس الانتماء الوطني المشترك، فإنها تُفرغ الديمقراطية من معناها وتحولها إلى أداة لابتزاز المجتمع من داخله.!!!
طبعا قد لا يكون الحزب الجمهوري مثاليا، لكنه اليوم يمثل لدى كثيرين "الواقعية الضرورية" في وجه "الخيال الديمقراطي" الذي تجاوز حدوده.
وربما حان الوقت، فعلا، لإعادة رسم ملامح التوازن الأمريكي على أسس أعمق من مجرد تنوع بصري وشعارات سطحية.
لكن لنتحدث بصراحة، ومن قلب الألم العربي المزمن: ماذا جلب لنا الحزب الديمقراطي الأمريكي غير الخراب والتشظي؟ لا نتحدث هنا عن خلافات أيديولوجية، بل عن نتائج كارثية لحملات "الديمقراطية المحمولة جوا"، التي انطلقت من واشنطن تحت شعارات براقة، وانتهت إلى عواصم عربية محترقة، وأنظمة متهالكة، ومجتمعات تتنفس الطائفية والفوضى!!؟
فمن لا يتذكر نشوة أوباما وخطابه العاطفي في القاهرة عام 2009؟ بدا حينها كأنه المهدي المنتظر، لكننا سرعان ما اكتشفنا أن "الربيع العربي" لم يكن سوى شتاء امريكي الصناعة، نُسج بخيوط المخابرات وخُبز على نار الفوضى الخلّاقة.
ثم جاءت هيلاري كلينتون بابتسامتها المقلقة، ودفاترها السوداء في ليبيا وسوريا ولبنان واليمن ، تحاول أن ترسم لنا شرقا أوسط جديدا... من بين الركام.
وحتى النخبة العربية التي اصطُفيت في تلك المرحلة، كانت كأنها "ديمقراطية معلبة"، لا تمثل الشعوب بل توزع الابتسامات في مؤتمرات جنيف والدوحة، وتغرّد بالإنجليزية عن "قيم المجتمع المدني"، بينما تتهاوى أوطانهم وتُسحق شعوبهم.
والمؤلم؟ أنهم ما زالوا يسمونه مشروعا تقدميا، ثوريا..
و يا له من تقدم… نحو الهاوية.!
لذلك اقول لكم بقلب صاف من الشوائب:
ربما آن الأوان أن نعترف: ليست كل ابتسامة أمريكية بشارة خير. فأحيانا تكون مجرد إعلان حرب… لكن على هيئة "حرية".
فهمتم ما فهمتم مش مشكلتي..
بين غزة وإيران
وائل الصلوي، ابن اليمن في نيويورك
فضيحة سياسية وأخلاقية مدوية لنظام الملالي
بيان يصحّح البوصلة.. لا يهاجم السفينة
إيران .. أين غزة ؟!