آخر الأخبار


السبت 5 يوليو 2025
منذ أكثر من ألف عام، تعاقبت على اليمن أنظمة وكيانات شتى، لكن القاسم المشترك في المآسي الكبرى التي أصابت اليمنيين كانت تلك المرتبطة بالإمامة الزيدية الهادوية، بدءا من يحيى بن الحسين الرسي طباطبا، مرورا ببيت حميد الدين، ووصولا إلى بيت بدر الدين الحوثي، فكل جريمة ارتكبها الحوثي اليوم ضد اليمنيين، لها أصل في فكر وسلوكيات أسلافه من أئمة الزيدية الهادوية.
لم يكن الحوثي استثناء في هذا التاريخ، بل هو امتداد لسلالة سعت منذ نشأتها إلى فرض حكمها بالسيف واعتساف النص، متكئة على مذهب تكفيري عنصري يُضفي القداسة على الجريمة باسم الدين، ويدّعي "الحق الإلهي" في الحكم، ويحكم بالكفر والدم على من يخالفه.
ملامح المذهب الزيدي الهادوي
نشأ المذهب الزيدي في أصله المزعوم كرافعة سياسية لها ظروفها، وليس كمذهب فقهي، لكن تحوّله الهادوي الجارودي، حمل سمات المذاهب التكفيرية العنصرية المغلقة، التي تحصر الإيمان والحق في طائفة محددة، وتكفّر كل من خالفها، حيث قام على ثلاث ركائز رئيسية:
• حصر الحكم في نسل البطنين (الحسن والحسين)، ورفض أي حاكم خارج هذا النسب.
• القول بإمامة علي واعتبار إنكار إمامته كفرا، كما جاء في نصوص يحيى الرسي طباطبا كما سنورد لاحقا.
• إباحة قتل المخالف، باعتباره كافرا، واعتبار اليمن ارضا خراجية لا فرق بينها وبين ديار الكفر، معتمدا على تأويل الإسلام بحسب تفسير السلالة، وتأصيل مصطلح "كفر التأويل".
ومن الجارودية تبنت الزيدية الهادوية عقيدة العصمة والوصية، وأقامت نظريتها على تكفير الصحابة واتهام الأمة بالخيانة، ما جعلها نسخة من الاثنا عشرية مع الاختلاف في عدد الأئمة.
لقد صرّح يحيى الرسي – ومن بعده أئمة الزيدية - بتكفير الصحابة، وخصوصا الخلفاء الثلاثة، واعتبر أن من لا يعتقد بإمامة علي كافرا، بل إنه استند في ذلك إلى تأويلات فاسدة للقرآن الكريم.
فقد وصف يحيى الرسي طباطبا، أبا بكر الصديق بأنه من أهل الضلالة والعمى، ووصف عمر الفاروق بأنه أعمى خلق الله وسخيف ومنافق، وأنهم يبغضون الله ورسوله ثم لعنهم، المرجع: المنتخب والفنون ص ٥٠٠- ٥٠٢.
وفي كتابه "الأحكام" (ج1/ص72) يقول: "من أنكر أن يكون علي أولى الناس بمقام رسول الله فقد رد كتاب الله، وكان عند جميع المسلمين كافرا"، وفي موضع آخر من الكتاب ذاته (ج1/ص85) يقول الرسي: "ولا يتم للإنسان اسم الإيمان حتى يعتقد بإمامة علي بأيقن الأيقان"، أما في "كتاب التوحيد" فقد كفّر الرسي الصحابة صراحة، واعتبرهم ناقضين للبيعة، بل وسمّاهم بالخارجين عن الإسلام.
التكفير أصل لا عرض
إن أخطر ما في المذهب الزيدي الهادوي الجارودي أنه يرى اليمنيين كفار تأويل، ويعتبرهم محاربين تجب مقاتلتهم حتى يؤمنوا بإمامة البطنين، وقد استخدم مصطلح "كفر التأويل" بديلا عن "كفر التنزيل" كحيلة فقهية لتجاوز حقيقة إسلام اليمنيين، وتبرير غزوهم وسفك دمائهم، وتوسع علماء الزيدية الهادوية في هذا المصطلح بشكل يضفي طابعا دينيا على كل حرب ضد خصومهم، حتى ولو كانوا من أهل القبلة.
في كتابه "الأحكام"، يبرر الرسي قتال المسلمين الذين لا يؤمنون بالإمامة العلوية بقوله: "هؤلاء الذين خالفونا إنما جحدوا ما علموا من الدين، فهم عندنا بمنزلة أهل الردة، يجب جهادهم حتى يعودوا إلى الحق ويقروا بالإمامة لعلي وأبنائه".
كما وصف عبدالله بن حمزة، أحد أبرز أئمة الزيدية، المطرفية بأنهم "زنادقة، وأبناء زنا، ولا يُقيمون دينا، ويجب قتلهم وسبي نسائهم"، وقال: "دماؤهم وأموالهم ونساؤهم حلال علينا، وقتلهم قربة إلى الله"، ولم يكن خلافه معهم الا في مسألة جوازهم ان يكون الحاكم من خارج البطنين.
بل وأفتى في كتبه وفتاويه بأن اليمنيين المخالفين للسلالة يعتبرون بغاة، يجب قتالهم وسبيهم واستباحة مدنهم، (كتاب الفوائد)
ووصل به الأمر الى الرد على من انتقده على نهب أموال اليمنيين وان الله سيسأله عما اخذ منهم حيث قال: لا أخاف أن يسألني الله عما أخذت منهم، بل على ما ابقيته لهم.
من الرسي إلى الحوثي: وحدة النص والمنهج
لم يكن أئمة الزيدية الهادوية المختلفون عبر العصور سوى مكررات لفكر الرسي، حيث كرر كهنتهم القول: " إننا نهاب نصوص الهادي كما نهاب نصوص القرآن، أنظر الإرشاد للإمام القاسم بن محمد.
وهو تعبير صريح عن تقديس النص المؤسس للفكر الزيدي الإمامي، واعتباره مرجعية تعلو حتى على النصوص الشرعية، فكل إمام جاء بعد الرسي – من عبدالله حمزة إلى أحمد بن سليمان إلى شرف الدين ويحيى حميد الدين – تبنى نفس المنطلقات الفكرية، ونفس الرواية العنصرية التي تجعل الحكم حكرا على سلالة واحدة.
اليوم، يمارس عبدالملك الحوثي ذات المعتقد، مستندا إلى تلك النصوص، ومستخدما ذات المصطلحات، من "أولياء الله" إلى "أنصار الله"، إلى "الولاية"، إلى مصطلحات تكفير الخصوم وشيطنتهم، ولا تخلو خطبه من إحالة إلى أفكار الأئمة وتقديس خرافة آل البيت باعتبارهم وحدهم المخولين بحكم الناس وتفسير دينهم.
وقد وصل الأمر بجماعته إلى فرض قراءة ملازم الصريع حسين الحوثي على طلاب المدارس والمراكز قبل قراءة القرآن الكريم، معتبرين تلك الملازم المصدر الوحيد للفهم الصحيح للدين، بل إن الجماعة جعلت من الصريع حسين الحوثي "قرين القرآن"، أي أن تفسيره للقرآن هو التفسير الوحيد الصحيح، وأن مخالفة فهمه تعتبر خيانة للدين، وفي وثائق صادرة عن وزارة التربية والتعليم في صنعاء المحتلة، أُدرجت تعليمات صريحة بوجوب تدريس ملازم حسين الحوثي قبل التفسير والحديث، مما يعكس محاولة لتقديم نصوص الصريع باعتبارها مقدّمة على كتاب الله.
وفي وصف دقيق من الدكتور علي البكالي في كتابه "ثورات فكرية بوجه الغزو الطائفي"، يقول في وصفه لفرض الملازم انه: "انقلاب معرفي يرى أن كلام الصريع حسين الحوثي لا يُناقش، ولا يُخالف، بل يُفهم به القرآن نفسه".
وحدة الجريمة بين الماضي والحاضر
ما من جريمة يرتكبها الحوثي اليوم إلا وسبقه إليها إمام من أئمته: فيحيى الرسي طباطبا حين دخل صنعاء سبى ستين امرأة ووزعهن على جنوده، وقتل
عبدالله حمزة مئات آلاف من المطرفية، وهدم منازلهم، وسبى نساءهم، وسبى يحيى شرف الدين نساء صنعاء، وقام المتوكل إسماعيل بسبى حرائر تهامة وباعهن في الشام، وفعل الطاغية يحيى حميد الدين وابنه احمد من الجرائم مالا ينسى حتى اليوم.
وهذا ما يفعله الحوثي: يخطف، يقتل، ينهب، يهدم، يجوّع، ينتهك الحرمات والأعراض، وكل ذلك تحت لافتة دينية تستمد شرعيتها من الفكر الزيدي الهادوي.
في رسالة مؤرخة في عام 1007هـ، أكد الكاهن الزيدي القاسم بن محمد، انه انما يتبع نهج الأئمة الزيود من قبله حيث قال مخاطبا أحمد بن محمد الشرفي الذي اعترض على بعض افعاله في الهدم والاحراق والقتل: قال "وبالهادي عليه السلام، وبغيره من الأئمة اقتديت، فإن الإمام إبراهيم بن موسى بن جعفر أخرب سد الخانق في صعدة، وكذلك الهادي قطع أعناب أملح ونخيلها من بلاد شاكر، وكذلك قطع أعناب حقل صعدة بوادي علاف، ونخيل بني الحارث بنجران، وولده الناصر أخرب أرض فدم كلها، وفي سيرة الإمام المنصور بالله أنه أخرب العادية في بلاد ظليمة والإمام أحمد بن سليمان أخرب صعدة القديمة، والإمام المنصور بالله (عبدالله بن حمزة) نص على ذلك نصا، وغيرهم من سائر الأئمة عليهم السلام، ولم يسألوا عن بيت يتيم ولا أرملة ولا ضعيف" انتهى
أما في عهد الدولة القاسمية، فبلغ الأمر بالإمام المتوكل إسماعيل أن نفذ وصية الأئمة من قبله باعتبار مناطق اليمن الأسفل وتهامة أراض خراجية، وقد وقف مع ذلك الإمام الزيدي الظالم عامة فقهاء المذهب فأفتوا له بصحة موقفه، وبأنها اراض خراجية تعامل معاملة أراضي الكفار، وعلى ساكنيها دفع الخراج لإمام المسلمين.
جاء في كتاب "بهجة الزمن" للكاهن يحيى بن الحسين ما نصه على لسان الكاهن إسماعيل: "إن البلد التي تظهر فيها كلمة الكفر بغير جوار كفرية، ولو سكنها من لا يعتقد بالكفر، هذه الأصول معلومة عندنا بأدلتها القطعية، ومدونة في كتب أئمتنا"، وهو هنا يقصد الكفر بما قرروه هم من مخالفتهم والخروج عن طاعتهم.
لا تعافي بدون مواجهة الفكر
لطالما أخطأ اليمنيون حين فصلوا الجريمة عن الفكر، وتعاملوا مع الإمامة كمجرد نظام حكم، لكن الحقيقة أن الكارثة تكمن في الفكر لا في السياسة فقط، الفكر الذي يكفّر الناس، ويحتكر الحكم، ويبرر سفك الدماء لا يمكن التعايش معه، ولا يمكن إصلاحه، لأنه فكر يعتبر الآخر عدوا حتى وإن صلى وصام وادعى الإسلام.
ولا يجوز أن تظل الجمهورية تُهادن هذا الفكر باسم التعايش، بينما يُثخن في ابادتنا، ولا يمكن بناء دولة عادلة ما دام هذا الفكر يجد من يدافع عنه أو يبرره، أو يتم تقديمه كجزء من التنوع الديني أو العقدي.
المعركة الأخيرة
يجب أن تكون هذه المعركة هي المعركة النهائية مع هذا الفكر الزيدي الهادوي العنصري، وعلينا أن نكون واضحين: الحوثية ليست جماعة سياسية، بل تجلٍ عصري لفكر زيدي هادوي إجرامي استمر أكثر من 1300 عام، ولا يمكن لليمن أن ينهض دون اجتثاث الجذر الذي ينتج هذا الكهنوت، وكل معركة نخوضها دون تسمية الجذر ومواجهته، هي معركة مؤجلة، وسقوط قادم.
لقد دلّ التاريخ على أن اليمن لا ينهض إلا حين يطرد الكهنوت من أرضه، ولا يسقط إلا حين يسمح له بالعودة، وكلما تساهل اليمنيون مع الفكر الزيدي الإمامي، عاد ليحرقهم.
إن السبيل الوحيد للخلاص هو في تجريم هذا الفكر، ونزع قداسته، وفضح نصوصه، وتعليم الأجيال أن منبع البلاء ليس عبدالملك الحوثي وحده، بل يحيى الرسي ومن سار على نهجه.
هذه هي المعركة الحقيقية والأقدس، ولتكن الأخيرة.
نشوان الحميري.. السر البسيط وراء النبوغ
سنموت فتسامحوا: بين الخير والشر يولد الإنسان
قصة حقنة الولادة للرجل المريض
الشهيد المُفترى عليه