الثلاثاء 20 مايو 2025
صالح وتعز
الساعة 11:37 صباحاً
فتحي بن لزرق فتحي بن لزرق

 

توطئة:

قال لي رجل مسن في زيارتي الأخيرة لتعز :" لقد كان صالح يحب تعز أكثر منّا، كنت اظنه يهذي لكن وجوه الناس قالت نفس الرواية..

في زيارتي الأخيرة لتعز، لم أجد مدينةً فقط، بل وجدت رجلاً ما زال حيًّا في شوارعها، حاضرًا في طرقاتها، متجذرًا في ذاكرة أهلها.

كان علي عبدالله صالح هناك، في كل زاوية، وفي كل شارع، وعلى كل حجر شقَّه بيده أو أنارَه بقراره.

ما إن تطأ أطراف المحافظة حتى يخيل إليك أن الرجل غادرها البارحة فقط، لا قبل أربعة عشر عامًا.

أثره لا يزال غضًا طريًا، وحضوره يصفع الغياب، ويحرج من أسقطه.

نعم، من صاحوا يومًا بـ"ارحل"، لم يتركوا خلفهم سوى الخيبة، بينما ترك هو دولة وطرقًا ومدارس ومستشفيات، وعدالةً لم تعرف تعز لها مثيلًا بعده.

في تعز، كل شيء يشير إليه. الطريق طريقه، المدرسة مدرسته، الجامعة جامعته، والمعهد معهده.

من جاءوا بعده لم يردموا حفرة، ولم يضيئوا زاوية، ولم يشقّوا طريقًا.

كل ما تركوه خلفهم جدرانٌ باهتة، تعلوها شعارات جوفاء، ومسيرات بلا هدف، وهتاف بلا بصيرة.

صعدنا بالسيارة إلى أعالي الجبال كنا على وشك أن نلامس النجوم قلت لأصدقائي:" لم يتبق لصالح الا ان يشق لكم طريق نحو السماء ضحكنا بحسرة وألم، مضينا على طريق عبد بصمته صالح بيده، فسفلتها، وشقّها، وأنارها.

تمر من جانبه أبراج الكهرباء الحكومية، شاهدةً أن رجلًا ما مر من هنا، رجلٌ أحب تعز بصدق، وكان أعدل من بعض أبنائها، وأحنّ عليها من كثير من أهلها.

بين كل قريتين، تنهض مدرسة أو معهد أو برج اتصالات، وكلها شواهد على عدالةٍ حقيقية نالتها تعز في زمن صالح.

وإن كانت اليمن قد خسرت صالح مرة، فإن تعز قد خسرته ألف مرة.

ففي عهده، كان ابن تعز كريمًا في صنعاء، عزيزًا في عدن، مبجلاً في كل شبر من هذا الوطن.

نالوا في عهده الإنصاف، والمكانة، والكرامة.

أما اليوم، فلا بلح عدن ولا عنب صنعاء.

ضاعت عليهم مواطنتهم التي منحهم إياها، وتاهوا في وطنٍ لم يعُد يعرفهم، ولا يعرفونه.

تائهون أغراب وهي المشاعر والافعال التي لم يكن لها وجود طوال ٣٣ عام من حكم الرجل.

باتوا غرباء في أرضهم، وهذا الضياع لم يعرفوه في ثلاثة وثلاثين عامًا من حكم صالح.

هذه شهادة للتاريخ لا تُمحى، وكلمة حق لا تُخجل ولكي لا تزور "توكل كرمان" واحمد الشلفي واخرين التاريخ نكتب ونطرق النواقيس.

من خرج من أبناء تعز ضد صالح، آن له أن يعتذر، لا لأننا نُقدّس الأفراد، بل لأن الإنصاف فضيلة، والحقيقة لا تُنكر.

فوالله إن تعز كانت أكثر المحافظات اليمنية إنصافًا وعدلًا في عهد علي عبدالله صالح، وكان لها نصيب من اهتمامه ورعايته، لم تحظَ به بعدها أبدًا.

فيا أبناء تعز...

منكم خرج من قال "ارحل"، لكن ما بعد الرحيل لم يكن سوى التيه، والفقر، والخذلان.

فاعتذروا للتاريخ، قبل أن يدينكم بصمته.

فتحي بن لزرق

٢٠ مايو ٢٠٢٥


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار