الأحد 25 مايو 2025
المنجم الأيديولوجي
الساعة 10:36 صباحاً
مصطفى الجبزي مصطفى الجبزي

‏هناك منجم سياسي أيديولوجي ضخم يستغله السياسيون في أوروبا، تحديدًا: الإسلام، الإسلاموية، العرب، المهاجرون، الإسلام السياسي، الحجاب، النزعة الانفصالية (séparatisme)، فرض الشريعة في أوروبا... إلخ.

‏هذا المنجم يشبه مناجم الفحم: وقود رخيص لكنه شديد التلويث. كل من يغرف منه، يخرج مصبوغًا به، حتى يكاد لا يعرف نفسه.

‏يفضّل السياسيون الطامحون إلى الصعود السريع، ومن دون مشروع حقيقي، أن ينهلوا من هذا المنجم، مدفوعين بعاطفة تستثير الجماهير، متوهمين أن الإفراط في استخدامه لن يؤدي إلى شروخ اجتماعية، بل بالعكس. فالهجوم موجه نحو طرف يُنظر إليه كطرف غير أصيل في المجتمع، وهامشي من حيث العدد والتأثير السياسي، وكأن وجوده بحد ذاته غريب وبرّاني.

‏لكن الخطورة لا تكمن في الطرف المستهدَف، بل في طريقة الاستهداف نفسها، التي ستتحول مع الوقت إلى أسلوب عمل دائم. وعندما تنضب فاعلية هذا الأسلوب ضد "البرّاني"، سيُعاد توجيهه ضد فئات أخرى، هذه المرة ليست برّانية.

‏انظروا إلى التقرير الأمني الأخير حول "الاختراق الإسلاموي" في فرنسا، وكيف تسارعت المؤسسات الفرنسية إلى التفاعل معه على طريقة الاستحواذ وسحب البساط من غيرها. 

‏التقرير كان بطلب من وزير الداخلية السابق لكنه انجز في عهد وزير جديد يرغب في استثماره إلا ان الرئاسة ترى انها الراعي الاول للتقرير فجعلته ماده لاجتماع مجلس الدفاع الأعلى بينما ريئس الوزراء الأسبق اتال لا يرغب في ان تخرج من يديه مادة كهذه. 

ليس لأنه خطير فعلاً، او لما يحتوية من بيانات جديدة او تحليل لتوغل الاخوان المسلمين في فرنسا بل لأن كل طرف سياسي لا يريد أن ينفرد خصمه باستخدام التقرير لأغراض انتخابية. ‏

‏كل من يطمح إلى السلطة، يقدّم عرضه الأفضل في استغلال مادة قد تكون عادية في الحقيقة، ولا تحمل جديدًا من حيث المعطيات أو التحليل المتعلق بتوغل جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا.

‏في المحصلة مسلمو فرنسا بين سندان مغامرات الجماعات الاسلاموية السياسية- التي ترى إلى البلدان على انها ارض ميعاد والى المسلمين على انهم جنود الرب-، وضيق افق الساسة الفرنسيين المحصورين في مقاربة أمنية للوصول إلى الحكم.

‏وعلى ذكر "الإسلاموية" (islamisme)، فهي مفردة، من حيث البناء اللغوي، لا تختلف عن "christianisme" أو "judaïsme". هاتان الكلمتان لا تحملان دلالة سلبية، بينما "الإسلاموية" التي كانت رديف للمحمدية، و كانت في الأصل من نفس الوزن، أصبحت تحمل دلالة تهديدية وسلبية. وقد نبّه محمد أركون إلى هذا الانحراف في الاستخدام، وإلى ضرورة التمييز في الخطاب.


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار