آخر الأخبار


الاثنين 2 يونيو 2025
عن النخبة والى النخبة
طبعا في زمن التحولات الكبرى، وفي لحظة فارقة من تاريخ المنطقة العربية ينهض الشام من ركامه، بينما يستمر اليمن في هبوطه الحر نحو قاع لا قرار له.
سوريا، التي حاصرتها الجغرافيا وسحقها الدم، تنهض اليوم عبر قيادة فتية، موحدة، حيوية، تعرف ماذا تريد، وتعرف من أين تبدأ.
أما اليمن، فله نخبة سياسية تستحق أن تُدرس في كتب علم الفشل، ويُكتب عنها في موسوعة "كيف تهدم دولة بلا غزو"..
بالتأكيد نشاهد اليوم الوفود الخليجية العربية خصوصا السعودية والقطرية تتزاحم على أبواب دمشق:
استثمارات، شراكات، دعم خدمي مباشر، ولقاءات على أعلى مستوى.
بمعنى أدق سوريا تفتح نوافذها للعالم تحت شعار "مصالح مشتركة"، وتفرض حضورها بهدوء وثقة.
رئيسها، أحمد الشرع، شاب جاء من الميدان لا من السرداب، يتحدث بلغة المسؤول، لا بلغة السيد المتنطع.
يقول: "نعمل على مدار 24 ساعة"، وهي عبارة صادمة في ثقافتنا اليمنية، إذ يعمل الساسة على مدار 24 ساعة في مؤامرات صغيرة، وتحالفات أصغر، ونهب ممنهج.
وبينما في سوريا اليوم، دولة تُبنى. في اليمن، اليوم دولة تُنسى.
حقيقة ليست مرة.. !
نعم:
لنترك العواطف جانبا: هل توجد قيادة يمنية موحدة؟ أو حتى شبه قيادة؟
لدينا كائنات سياسية طارئة، خرجت من أحشاء الحروب، تتنفس الدولار وتعيش على الأوامر الخارجية.
بل لا أحد يملك رؤية، ولا أحد يؤمن بالوطن.
صدقوني في مجلس الرئاسة ، الجميع يريد أن يكون "الرئيس"، ولو على جثة اليمن نفسها.
نعم:
الجميع يمارس السلطة، لكن لا أحد يتحمل المسؤولية. وكل طرف يزعم تمثيل الشعب، بينما الشعب يتضور جوعا، ويذوب كملح في ماء صراع عبثي طويل.
وصدقوني..لدينا حكومة في المنفى، لا تملك قرارا، ولا حتى مكان اجتماع ثابت.
ولدينا حكومات محلية متنافرة، تتقاطع في الولاءات وتتنافر في المصالح.
الحوثي مثلا، يزعم السيادة بينما يستوردها شحنة شحنة من طهران.
المجلس الانتقالي، يحارب من أجل "قضية" صادمة، ويعيش على صكوك غفران سياسية من أبوظبي. وقائمة "الزعامات" أطول من قائمة الجرحى.
قضيتهم جنوبية، لكن رأس المال شمالي في الجنوب، والعمالة شمالية، والدعم إماراتي، والحلم... 22 إمارة! كأنهم يريدون للجنوب أن يعود إلى ما قبل ثورة أكتوبر، زمن السلاطين والختم الرسمي!
في الحقيقة في اليمن، لا وجود لمفهوم الدولة.
هناك "مساحات سلطة"، و"مربعات نفوذ"، و"خطوط إمداد".
وطننا ليس خارطة، بل فسيفساء ممزقة يتقاسمها المتنافسون كما لو كانت غنيمة.
بل لا وجود لمشروع وطني، بل مشاريع تقسيم، مشاريع نهب، ومشاريع بيع الوقت حتى يأتي الفرج... من الخارج طبعا.
وفي الوقت الذي تبني فيه سوريا تحالفا اقتصاديا مع السعودية، لا يزال ساسة اليمن يتوسلون المعونات ويشتمون المانحين في السر.
وإذ نحن لا نعرف الشراكات، بل نعرف صناديق الإغاثة، وكوبونات "الطحين والعدس"، ثم نطالب باحترام السيادة. سيادة ماذا؟ سيادة المحاصصة؟ أم سيادة التبعية العمياء؟
لذلك فالمشهد اليمني السياسي صار مهزلة دائمة. والكارثة أن هذه المهزلة تُدار بوجوه لا تخجل.
سياسيون يتحدثون عن "الوطن" كما يتحدث اللص عن الأخلاق.
رجال أعمال يتقافزون بين الولاءات كما تتقافز العصافير فوق الأسلاك، يبحثون عن من يشتريهم أكثر.
وكلما خرجت مبادرة للسلام، تقافز الجميع ليروا من سيكون أول من يعرقلها.!
من هنا لم يعد هناك حرج في أن يُقال: العالم الخليجي – باستثناء بعض المساعدات هنا وهناك – تجاهل اليمن.
نعم :
لماذا لا يتجاهلها؟! هل نحن أوفياء حتى يُكافَأ وفاؤنا؟
هل نحن منضبطون حتى تُستثمر فينا الثقة؟
هل لدينا قيادة، أم مجرد ممثلين في مسرحية هزلية طويلة؟
انظروا إلى سوريا، بقيت في العزلة سنوات، لكن ما إن تغيرت قواعد اللعبة حتى ظهرت قيادة تقول "نحن مستعدون للعمل المشترك"، فاستجابت العواصم.
أما في اليمن، فإن مجرد اجتماع لطرفين على طاولة، يُعد إنجازا خارقا. لأن أحدهم سيقاطع، والثاني سيغدر، والثالث سينسحب، والرابع سيتلقى مكالمة من الراعي الرسمي ويغير الموقف في منتصف البيان.!
نعم:
نحن في اليمن، لا نعيش أزمة حرب فقط، بل أزمة وعي، أزمة أخلاق سياسية، وأزمة ضمير وطني.
النخب اليمنية لم تفشل في إدارة الدولة فقط، بل فشلت في تمثيل الشعب، في الشعور به، في الإحساس بمعاناته.
فيما الشعب اليمني وحده يدفع الثمن: فقر، مرض، جوع، وتهجير. بينما يتنقل ساستنا بين الفنادق خمس نجوم، ويصدرون بيانات من على مسابح "المُبتعث السياسي".
ولكن ربما آن الأوان لنسأل: هل لدينا حقا نُخب سياسية؟ أم لدينا حُطام سياسي؟
هل هؤلاء الذين يزعمون تمثيل اليمن، يعرفون شيئا عن الوطن؟
هل يشعر أحدهم حين يشاهد سوريا تُبنى؟ هل يغيظهم هذا؟ أم يخططون لفرصة نهب جديدة باسم "اللحاق بالركب"؟
على إن سوريا ليست مثالية، ولا يزال أمامها طريق طويل، لكنها تضع قدمها بثبات على هذا الطريق.
بينما نحن في اليمن، لا نزال نبحث عن الطريق نفسه وسط دخان الكراهية، وغبار الأنانية، وضجيج السماسرة.
في النهاية، العالم لا يتعامل مع الضحايا، بل مع القادرين على النهوض.
ومن لا يملك مشروعا وطنيا، فلا ينتظر أن تبنى له الأوطان من الخارج.
وإن أردنا مستقبلا مختلفا، فعلينا أن نبدأ من السؤال الأكثر وجعا: متى سنحاسب نخبتنا؟ أ
ام أننا شعب بلا ذاكرة... وبلا غد؟
لكن الحقيقة التي ليست مرة:
نخبنا السياسية ليست نخبا، بل نُفايات مرحلة.
جاؤوا من فوضى البنادق، وتحولوا إلى تجار دماء، لا يملكون رؤية ولا كرامة.
يتحدثون عن السيادة وهم عبيد الهاتف الخليجي، وعن الوطن وهم لا يرونه إلا من شرفات الفنادق.
حولوا اليمن إلى شرك مساومات، وإلى ساحة مناقصات سياسية.
بل لا يحكمون شعبا، وانما ينهشون وطنا.
أبطالهم في البيانات، وجبناءهم في الميدان، ومجدهم الوحيد... في تقاسم الخراب.
و
صدقوني:
فقدت النخب الحاكمة بوصلة الكرامة، وركنت إلى فنادق العواصم تبيع الوطن بالتقسيط، وتقبض ثمنه بالدولار والريال.
يتصارعون على سلطة بلا دولة، ويتفاخرون بلجوء سياسي فاخر، بينما يموت الشعب بين فقر الحرب وفخ الخيانة.
عودوا إلى اليمن، إن بقي لكم وجه تقابلون به من ماتوا لأجلكم وأنتم تتسابقون على مقاعد الوهم.
كل ما اتمناه أن تطردهم السعودية والإمارات وقطر وتركيا ومصر ليعودوا إلى اليمن كي نتحاكم أمام الشعب!
عودوا أو أنني سأعرر من شق ياطارف..
الضالع .. قُرص العسل الأبيض ..
الوحدة اليمنية ووعي الذاكرة (الحلقة الثانية)
تعز .. اكثر المدن عطشاً في العالم
الحاج اليمني في مكة والمدينة
المكاشفة والاستجابة ، حينما تصنعان لحظة تحول فارقة (نماذج تاريخية)
تهديد مطار عدن: جرس إنذار واضح لليمنيين ودول الخليج