آخر الأخبار


الأحد 25 مايو 2025
تعز… المدينة التي تُقاتِل نفسها بحماس منقطع النظير!!
..
طبعا في مدينة لا يشبهها شيء سوى عظمة الألم، تستيقظ تعز كل صباح وتضع يدها على قلبها قبل جيبها، تسأل: "من الذي خانه ضميره اليوم؟".
تعز التي قهرت الحو..ثي، و من فوق السطوح وفي الأزقة، أصبحت أسيرة حسابات حزبية لا تليق حتى بمسجد حي صغير.
بمعنى أدق فإن الأحزاب هناك لا تقتسم سوى العار، ومخصصات الدولة.
لكن ..وبكل احترام، ودون أن نُثير حساسية أحد، فإن الإصلاح في تعز قدم تضحيات يُحنى لها الرأس، لكنه فجأة بدأ يتظاهر ضد نفسه، وانشغل ببناء شركة بينما المدينة تنهار.
أما الناصريون كانوا كمن خرج من اليسار ولم يعرف إلى أين، والاشتراكيون اعتزلوا المشهد في حفلة موسيقية حزينة يديرها سكرتير الفرع، الذي اختلط عليه الأمر بين البيان الحزبي وليس حث أعضاء وأنصار الحزب بالخروج إلى الشارع ..
فيما يحسب لسكرتير أول الحزب الاشتراكي اليمني في تعز أنه كان من أوائل المطالبين بتفعيل دور المجالس المحلية، انطلاقا من إيمانه بأهمية اللامركزية وتعزيز المشاركة الشعبية في إدارة الشأن العام.
والحق يقال إن تعز اليوم لا تُدار، بل تُفرم.
فالشعور العام فيها يشبه الجلوس في صالون حلاقة أثناء غارة جوية:
الصراخ موجود، الفوضى عارمة، والمقابل قصة لا تُرضي أحداً.
بمعنى أدق فإن المدينة، يا سادة، لا تحتاج مجلس إنقاذ وطني جديد، بل تحتاج ببساطة: قيادة محترمة تعرف الفرق بين إدارة الدولة ومتابعة الجبايات في سوق القات.
و:
هل أخبركم عن الجيش؟
آه، الجيش!
هو أكثر ما يُبكيك في تعز. جيش دافع عن المدينة، وصنع مجدها، لكن تركها تُنهب لأن قادته انشغلوا بالتجارة والصرافة،والبسط على الأراضي. ونسوا رفاقهم الذين ماتوا أو تعفنت جراحهم بلا علاج
أعني إن مشكلة هذا الجيش أنه يتعامل كأننا في دولة قانون ومؤسسات، بينما تُديرنا عصابات وأقارب مسؤولين وأولاد عمومة كبار القادة.!
نعم:بعض قادة الجيش لا يستحقون الزي العسكري بل دفتر شيكات فقط.
ومع ذلك، يتفاخرون بأنهم يديرون "مناطق محررة"، بينما المقاوم يبيع أحلامه التحررية من بقايا سلاحه لشراء كيس طحين!
اما العدالة؟
فهي نكتة سمجة في تعز.
هل تذكرون محمد مهدي؟ هل تعرفون من قتل الحاتمي؟
لا تجيبوا. دعوا السلطات تنشر صورة لمتهم بسرقة ألف ريال في السوق وتحتفي بالإنجاز الأمني العظيم، بينما القتلة الحقيقيون يتجولون بسيارات الدولة ومرافقة مسلحة.
والحق يقال:
تعز التي كانت تُصدّر الثورة أصبحت تصدّر نكاتاً حزينة عن الدولة.
لا أحد يحاسب أحداً. كل شيء مباح إن كنت تنتمي للحزب الصح.
كل شيء مباح إن كنت من منطقة القائد المناسب.
كل شيء مباح إن كنت تعرف من أين تُؤكل "الكعكة التمويلية."
وتعالوا نتحدث عن القيادة.
القيادة الاجتماعية والسياسية في تعز تشبه صحن العصيد؛ لا يُعرف أين البداية ولا النهاية، كلهم يلتهمون من المنتصف، ويغرقونك بالسبغ والشعارات.
ولكن:
أين الرجال الذين كانوا يهزون المدينة ببيان؟
أين الشخصيات التي كانت تنذر بخطر قبل أن تقع الكارثة؟
أين أولئك الذين يُجبرون الأحزاب على الاعتذار، لا على التحاصص؟
تخيلوا: قادة يُفترض أنهم يُمثلون "أمل تعز"، تحولوا إلى دلالين شقق ومتابعي جوازات.
فيما يعتقد أحدهم أن تعليقاً على منشوره يُهدد الثورة، فيشتم الناس كما يشتم بائع خردوات زبائنه الطفارى.
ولكن:
أليس من المعيب أن نقارن هؤلاء بـحمود المخلافي؟
ذلك الذي - اتفقت معه أو اختلفت - قاتل بقلبه وسلاحه وذراعه، ثم أُقصي لأنه لم يكن ضمن التوليفة الحزبية التي تدير تعز مثل حارة بير الباشا؟
صدقوني:
تعز، للأسف، صارت مرهقة ببرنامجين:
الأول يُريدها "شركة صرافة ومورد جباية"، والثاني يريدها نكتة يسارية ثقيلة وسفيهة تتهكم على المآسي بصيغة "ههه".
ووسط هذا، الرئاسة تُراقب بصمت دبلوماسي بليد، والحكومة منشغلة بالمؤتمرات، وقطر تُمول توازنات غير متزنة، والإمارات تُراكم ملفاتها الأمنية دون أن تفهم أن الخلل يبدأ من هنا، من تعز، لا من صعدة.!
لذلك رسالتنا الآن، بل صرختنا:
نحن لا نكره الأحزاب، بل نرفض استغباءنا.
لا نكره الجيش، بل نريد أن يعود إلى شرفه الأول.
لا نكره القادة، بل نريدهم قادة لا تُجار.
وإن كانت هناك نية حقيقية للإصلاح، فالطريق واضح:
حزم رئاسي، محاسبة شفافة، إعادة تعريف الولاء الوطني، وتجفيف منابع الفساد التي تمشي على قدمين.
صدقوني كذلك:
تعز لا تستحق ما هي فيه، لكنها لن تخرج مما هي فيه إلا إذا قررت أن تكف عن جلد نفسها بسياط الطائفية والمناطقية والتبعية.
ويا رئاسة الجمهورية:
لو أردتم نموذجاً للدولة، فابدأوا من تعز، لكن نظّفوها أولاً.
ويا كل الأحزاب:
أنتم لستم الدولة، أنتم موظفون عند الشعب… وملف تعز سيبقى شاهداً عليكم، لا لكم.
ففي تعز، لم يكن الخلل في غياب الإمكانيات أو في نقص الكوادر، بل في عجز الأحزاب عن الارتقاء إلى مستوى التحديات.
المؤتمر الشعبي العام، الذي كان يوماً ما حزب الدولة والسلطة، لم يتجاوز بعد دور المتفرج، وكأن لا شأن له بما يجري، يُمارس السياسة كمن يتصفح جريدة قديمة، ولا يحمل أي مشروع سوى اجترار الماضي وتوزيع الولاءات حسب الظرف والمصلحة.
أما التجمع اليمني للإصلاح، فقد بدا تائهاً بين خطابه الديني التقليدي وحاجته إلى خطاب وطني جامع، يتردد في اتخاذ مواقف حاسمة، ويتعامل مع تعز وكأنها مجرد ورقة تفاوض لا أكثر، بدلا من أن يتبناها كقضية وجود ومصير.
واما الحزب الاشتراكي اليمني، رغم رمزيته التاريخية ومكانته في الوجدان السياسي لليمنيين، إلا أنه ظهر مرتبكاً، وكأنه لم يحسم بعد خياراته في تعز.
تائهٌ بين الشعارات اليسارية والمواقف العملية، عاجزٌ عن تقديم خطاب حديث، يعيد ربطه بالشارع والمجتمع، في وقت كانت فيه الحاجة ملحة لصوت تقدمي حقيقي، لا صوتاً متعباً من التاريخ.
فيما التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، فالمفارقة أكثر إيلاماً؛ تنظيم قومي عروبي يعجز عن بلورة موقف واضح تجاه الانقلاب الح..وثي، ويكتفي بمواقف رمادية يلفها الغموض، كأن تعز لا تعنيه، أو كأن النكبة الح..وثية لا تستحق الغضب الناصري العتيق.
لكن كيف لتنظيم يحمل إرث عبدالناصر في مواجهة الامامة في اليمن أن يصمت أمام عودة الإمامة بشكلها الطائفي الكريه؟ وأين ذهبت شعاراته عن الكرامة والسيادة والحرية؟
من هنا فإن تعز تحتاج إلى أحزاب جديدة... أو على الأقل إلى قيادات جديدة تعيد الاعتبار للعمل الحزبي، وتنتصر لتعز كما هي: مدينة حية تقاوم. لكنها تستحق ما هو أكثر من الخذلان.
أما منظمات المجتمع المدني، فحدث ولا حرج؛ تحولت إلى دكاكين تمتهن المتاجرة بالوجع، وتقتات على معاناة الناس كما لو كانت حفلات موسمية لجني المنح والمساعدات.
شعاراتها عن السلام وحقوق الإنسان ترسل بالإنجليزية، وتُصرف بالعملة الصعبة، فيما لا يسمع المواطن منها سوى ضجيج المؤتمرات، وروائح الفساد المقنع بالعناوين البراقة.
لنخلص إلى أن الذين يحبون تعز حقاً ليسوا أولئك الذين يبكون على أطلالها، بل من يحاولون إنقاذها من داخل فوضاها.
انفجار ( صَرِف) إرهابٌ صَرْف
في ذكرى رحيل الجد الثائر والمناضل أحمد عبده ناشر العريقي
في حضرة المياحي
الصحفي محمد المياحي ومصادرة الحق في الحرية
الشرير الذي يفلق الحجر نصفين
مشكلة تعز