الاربعاء 7 مايو 2025
الفرص لا تتكرر: على الحوثيين أن يقرأوا اللحظة جيدًا
الساعة 11:02 مساءً
د. نجيب جبريل د. نجيب جبريل

في السياسة، اللحظة لا تعيد نفسها، والفرص لا تصبر طويلاً على أولئك الذين يخطئون قراءة المشهد. واليوم، يواجه اليمن – المنهك من أطول حرب ومعاناة في تاريخه الحديث – منعطفًا نادرًا قد لا يتكرر، لكنه يتطلب من أحد أطرافه أمرا جوهرياً: أن يدرك موقعه الحقيقي، لا المتوهم.

#ميليشيا_الحوثي، التي انطلقت من كهوف صعدة ومن الأفكار الطائفية الضيقة إلى قلب الدولة اليمنية المختطفة، تجد نفسها اليوم في مأزق ثلاثي الأبعاد: أزمة شرعية، أزمة اقتصادية، وأزمة بقاء. فبينما تئنّ المناطق الخاضعة لسيطرتها تحت وطأة الجوع، وانعدام المشتقات النفطية، وتوقّف الرواتب، وانهيار البنوك، واستفحال الظلم والقهر والجبايات القسرية، لا تزال هذه الجماعة تصرّ على تكرار سردية الانتصار، رغم أن الواقع ينطق بانهيار شامل لا يُجمّله إعلام ولا يداويه  قمع. 

هنا تبرز المفارقة التاريخية: الحركات التي تولد من "الرفض المطلق" سرعان ما تُبتلع في دوامة سلطتها إن لم تتحوّل إلى مشروع وطني شامل. والحوثيون، حتى اللحظة، لم يغادروا هويتهم كأقلية داخل أقلية، يفرضون إرادتهم بالسلاح على أغلبية منهكة، ويحلمون بدولة تسعهم وحدهم، وكأن التعدد اليمني لا وجود له.

ما لا يريد الحوثيون الاعتراف به هو أن الدولة لا تُبنى بالغلبة، بل بالتوافق، وأن "الشرعية" ليست فقط بندقا وصرخة، بل قبولاً شعبيًا وإقليميًا ودوليًا. واليوم، تقف الشرعية اليمنية، ومعها تحالف إقليمي تقوده المملكة العربية السعودية، على بوابة سلام منصف، واقعي، غير انتقامي، يستند إلى ثلاث مرجعيات واضحة: المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 2216.

ما يُطلب من الحوثيين ليس الاستسلام، بل إدراك حقيقة الموقف: أن السلاح لم يَعد يَصنع شرعية، وأن الآلة التي جلبت لهم النفوذ باتت تُنتج عزلة، وأن الإقليم والعالم يمدّ يدًا لفرصة قد تكون الأخيرة. إذ أن مشروع الدولة اليمنية لن ينتظر طويلًا جماعة تستثمر في الفقر، وتُراكم الجبايات، وتُجيد إدارة الأزمة دون أدنى تصور للخروج منها.

وإن كان الحوثيون يظنون أن رفضهم لمبادرات السلام سيُبقيهم في موقع السيطرة، فعليهم أن يضعوا في الحسبان البديل الحقيقي: حسم عسكري شامل، بدعم شعبي جارف ينمو مع كل يوم يزداد فيه الجوع والقمع، وبدعم إقليمي واضح، وغطاء دولي يتبلور حول هدف مشترك: قيام نظام حكم وطني رشيد في اليمن يحفظ أمن المنطقة واستقرار الممرات البحرية الدولية في البحر الأحمر وباب المندب.

فالعالم لم يعد مستعدًا لغض الطرف عن قوة لا تعترف بالقانون الدولي، وتستثمر في اللااستقرار، وتهدد مصالح الملاحة العالمية. والمجتمع الدولي اليوم أكثر توافقًا من أي وقت مضى على دعم حل يستند إلى سيادة الدولة لا منطق الميليشيا.

لا يحتاج الحوثيون أكثر من قراءة دقيقة لما يجري: هل هم مستعدون للاستمرار في حكم جائعين لا يجدون رغيفًا ولا أملًا؟ أم سيغتنمون لحظة ما تزال أبواب العدالة الانتقالية مفتوحة فيها، والمخارج الآمنة ممكنة، والمصالحات الوطنية متاحة؟

وإن أصرّوا على إنكار المتغيرات، فلن يغيّر التاريخ طريقه من أجل رغباتهم. ستبقى الجغرافيا شاهدة على انحسارهم، كما انحسرت حركات أيديولوجية كثيرة في الشرق الأوسط، لأنها ظنّت أن القوة وحدها تكتب التاريخ.


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار