السبت 5 يوليو 2025
رسالة إلى السعودية والإمارات بكل ضمير
الساعة 05:11 مساءً
فتحي أبو النصر فتحي أبو النصر



إلى قادة التحالف العربي، وإلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، نبعث إليكم هذه الرسالة من قلبٍ يمني يعتصره الحزن ويغمره الأسى، ولكن في الوقت ذاته، لا يزال يحمل في طياته قدراً كبيراً من الاحترام والتقدير لما قدمتموه – أو ما وعدتم بتقديمه – لليمن وأهله.

..حين بدأ التحالف العربي عملياته في اليمن عام 2015، استبشرنا خيراً.
 اعتقدنا أن وقوف الأشقاء  العرب معنا في لحظة مفصلية كهذه سيعيد التوازن للمعادلة التي اختلت بشكل مفاجئ وخطير. كنا نرى في تدخل التحالف بوابة للخلاص من الانقلاب، وطريقاً نحو استعادة الدولة، وبناء يمن اتحادي مزدهر، ومستقر، وحر. 
بل كانت الثقة كبيرة، والتفاؤل أكبر.

لكن للأسف، ومع مرور السنوات، أصبحت الصورة أكثر التباساً. لم يعد من السهل على المواطن اليمني البسيط أن يفهم ما الذي يجري فعلياً. تداخلت المصالح، وتباينت السياسات، وتحولت آمالنا إلى سلسلة من الخيبات.
و بدأنا نتساءل: هل هذا هو نفس التحالف الذي وعدنا بالإنقاذ؟ لماذا يتحول المسار شيئاً فشيئاً إلى عكس ما طمحنا إليه؟ 

..وما الذي يجري بالضبط؟

إن ما يحدث اليوم على الأرض يبعث على القلق، لا لكونه ناتج عن سوء نية،فنحن لا نشكك في نوايا أشقائنا، بل لأنه نتاج اختلالات واضحة في الرؤية، وفي التنسيق، وربما في الفهم الغلط لتعقيدات المشهد اليمني.

 هناك تدهور اقتصادي غير مسبوق، انهيار في الخدمات، تفكك في الجبهة الوطنية، وتعدد في المليشيات، كل ذلك في ظل غياب حقيقي لمشروع دولة جامع يتبناه التحالف بوضوح.

على إننا نكتب اليوم لا لنهاجم، ولا لنتهم، بل لنقول بضمير حي: 

هناك أخطاء جسيمة ينبغي تصحيحها. فالسكوت عنها هو خيانة لدماء الشهداء، وتفريط في مستقبل أجيال كاملة من اليمنيين. 

..نحن نعيش اليوم واقعاً مؤلماً سياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً، وصار لزاماً على التحالف أن يعيد مراجعة شاملة لاستراتيجيته في اليمن.

فمن غير المنطقي أن يتحول دعم التحالف،الذي كان يفترض أن يعزز مؤسسات الدولة، إلى عامل مواز لها أو حتى بديلاً عنها في بعض المناطق.

 ومن المؤسف أن تُرك اليمن فريسة لصراعات داخلية تُدار أحياناً بأدوات خارجية، وكأن الشعب اليمني ليس أكثر من ورقة تفاوض أو مساحة تنافس.

..
و

أين هي القيادات اليمنية الناضجة التي كان يفترض أن تكون الواجهة السياسية لهذا التحالف؟ هل تُركت الساحة لمن لا يملكون الرؤية ولا العمق الوطني الكافي؟ وهل يجد التحالف من يقول له الحقيقة، دون مجاملة أو تبعية، من داخل الصف اليمني نفسه؟ نحن نأمل أن تتم إعادة النظر فيمن يُصغى إليهم، فليست كل الأصوات تعبر عن ضمير هذا الشعب، ولا كل الوجوه تمثله حقاً.

نحن لا نُنكِر أن اليمن بلد ليس سهلا، متعدد القوى والمصالح، ولكننا نؤمن أيضاً أن الحل لا يمكن أن يكون بتفكيكه أكثر.

 أنتم، في السعودية والإمارات، شركاء أصيلون في جغرافيا واحدة، وتاريخ مشترك، وأمن مترابط. وأمن اليمن، واستقراره، يجب أن يُنظر إليه كأولوية لا تقبل التأجيل أو التسويف، لا من باب الدعم فحسب، بل من باب المصير المشترك.. وهو امنكم القومي.

رسالتنا هذه ليست سوى عتب محب، غاضب، لكنه صادق. نريد منكم أن تعيدوا البوصلة إلى موضعها الحقيقي، أن تقفوا مجدداً بجانب مشروع الدولة اليمنية، دون ازدواجية، ودون تحالفات تكتيكية تشوش الهدف الاستراتيجي. نريد حلاً عادلاً وشاملاً، يمنح اليمنيين فرصة للحياة الكريمة، وللبناء، وللسلام الحقيقي.

ويا سادة القرار في التحالف:

يا من تمسكون زمام الريح والسلاح والموانئ والسماء،
أما آن لهذا الليل اليمني أن يُرفع عنه الغطاء؟
لقد أصبحنا كمن ينام على طرف خنجر، ويستيقظ على فوهة بندقية..
تأكلنا الجوعى، وتُركنا للأوبئة، تتناهبنا المليشيات كذئاب الليل، ولا دولة في الأفق... ولا أفق للدولة.

صرنا كالغريق، ظن أن السفينة القادمة ستحمله إلى بر النجاة،
فإذا بها تمرُّ عليه، وتُلقي إليه خشبةً من شوك،
وتقول له: "اصمد".

ويا أيها الأشقاء...
لسنا مجرد أرض تتنازعها الخرائط، ولا جغرافيا يسهل تقسيمها بالتفاهمات..
نحن ذاكرةُ شعب، ومهدُ حضارة، ومقبرةُ إمبراطوريات.!

واليمن ليس عبئاً، بل امتحانٌ لضميركم، فإما أن تخرجوا من سجلاتنا مرفوعي الرأس، أو تظلوا جرحاً لا يندمل.

ألم تلاحظوا كيف جفت أعين الأطفال من البكاء؟
وكيف صار للغربة عنوانان: واحد داخل الوطن، وآخر خارجه؟
وكيف صار المواطن لا يسأل متى يتحسن وضعه،
بل يسأل متى يفقد ما تبقى من إنسانيته؟

نعم..هذا وطن لا يريد صدقة، بل يريد شراكة في الخلاص.
يريد عدلاً لا يُجزَّأ، وسلاماً لا يُملى من الخارج، يريد أن يرى في التحالف ظهره لا سكينة تطعنه من الخلف!
و
سامحونا على الحزن..
لكننا نكتب من عمق جرح، لا من فراغ مشاعر.
وما هذا العتب إلا لأننا ما زلنا نؤمن... أنكم تستطيعون تغيير النهاية.
وإذ، نكرر احترامنا لكم، وثقتنا أنه ما زال في الوقت متسع لتصحيح المسار. وما زال في القلوب مساحة للحلم التحرري، من المليشيات الحوثية الكهنوتية المدعومة من إيران.
إذا وُجدت الإرادة، وصدقت النوايا..

ـ2ـ
ويا سمو الأمير محمد بن سلمان:
نعلم كم في قلبك من طموح، وكم في رؤيتك من  طموح،
ونحن نحترمك، ونراك قائداً لا يشبه سواه.
لكن تذكر،من فضلك،  الشعار الذي بدأتم به تدخلكم في اليمن:
"إنقاذ اليمن،  الحزم..وإعادة الأمل."

فأين الأمل يا سمو الأمير؟
صار الحلم شظايا، وصار الوطن ممزقاً بين الأيادي،
بل صار الحليف يُخيف أكثر مما يُطمئن..!
وصار الطفل اليمني لا يعرف معنى السلام، بل يحفظ شكل الطائرة وقعقعة السلاح.

 و

وصدقني يا سمو الأمير:
نحن نعرف قبل غيرنا أن الأحزاب السياسية اليمنية الرئيسية قد تهاوت.
 وأن النخب التي تصدرت المشهد بعد العاصفة، لم تكن سوى ظل باهت لفكرة الدولة.
بل صاروا ثُقلا على صدر الوطن، لا رُكنا في بنائه،
أصواتهم عالية، لكن قلوبهم خاوية
كما أن هؤلاء يا سمو الأمير، لا يمثلون الشعب، بل يمثلون مصالحهم..
ولا يحلمون بيمن موحد عربي قوي، بل بكراسي تفرق.
لذلك 
نقولها لك بصدق:
لا تراهن على وجوه احترقت، ولا على مشاريع ضاقت بالوطن..
بل راهن على نبض الشارع، على وجع الناس، على صوت الضمير
فهو وحده الذي لم يكذب يوماً.

و

وسامحنا يا سمو الأمير على الصراحة والوضوح:
سامحنا إن كانت الكلمات موجعة، لكنها الحقيقة كما هي، لا كما تُجمَّل.
نقولها بقلوب أنهكها الانتظار، وضمائر أثقلها الحزن:
لم نعد نحتمل المزيد من الوهم..
 اليمن الذي قلت انك تعود إلى أصله يتآكل، والناس تنهار..
وأنتم آخر ما تبقى لنا... فإما أن تنقذونا حقاً،
أو تتركونا للعدم.

لكن العدم، يا سمو الأمير..
لن يبتلعنا وحدنا إن حلّ،
بل سيمتدّ كالنار في هشيم المصير المشترك.

لذلك نرجوك أن تفهم:
إنقاذ اليمن… ليس لليمن فقط، بل للجميع.

وبالتأكيد نحن لا نعاتبك من ضعف، بل من ثقة..
ومن يقين أن فيك حكمة توقف النزيف، وصدقا يعيد التوازن.

و
اليمن أمانة... وأنت لها.

لكن كل ما أخشاه، يا سمو الأمير..
أن الشرعية ذاتها – التي آوَيتموها واحتضنتموها – قد تسرب إليها السُمّ،
أن أذرع الح...وثي، من حيث لا تشعرون، قد تسللت إلى غرف القرار..
وصار زبانيته يلبسون ثياب الدولة، ويُشعلون الفتنة بين القوى..
يفرقون صفوفنا، ويزرعون الشك بيننا وبينكم.!
و
هكذا يخسر الوطن من الداخل…
وهكذا يُخترق الجدار من حيث ظننا أنه آمن.
أما إذا جروك، يا سمو الأمير، إلى تسويةٍ تُرضي الحوثي وتُشرعن سطوته..
فاعلم أن النتيجة ستكون كارثية:

سقوط آخر قلاع العرب تحت ظلال العمامة الفارسية !!!

أي لا اليمن سييقى، ولا الجزيرة ستسلم.
فاليمن ليس مجرد جار…

 اليمن عضدك، وامتدادك، وسورك الجنوبي.

فإن هوى، هوى معه التوازن العربي كله..
وإن استُبيح، صار البحر ملعباً لخصومك، والبر معبراً للغدر.
وصدقني يا سمو الأمير… لا تُسلِّم سيفك لأعداء التاريخ..مهما ابتسموا لك وأكثر..

والله من وراء القصد.


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار