آخر الأخبار


الأحد 25 مايو 2025
لم أكد أصدق تلك القصص الغريبة العجيبة التي سمعتها من المدرسين وغيرهم عن دبوان ملهي.!
قصص كثيرة يرويها الناس عنه حتى تخيلته كرجل أسطوري وكعملاق خارق يطلق من عينيه أشعة مدمرة.!
وتساءلت في نفسي:
_ هل فعلا يستطيع هذا الشخص الذي يمرع " يصيب بالعين " أن يوقف سيارة مسرعة في الطريق؟!
أو يعطل شيول كبير وهو يعمل ؟!
أو يقسم بعيونه الصخرة الكبيرة إلى نصفين كما يقال ؟!
وبدأت أخاف فمنزله بالقرب من المدرسة، وقد ألتقي به في أي وقت.
وكلما كثر الحديث عن ذلك الشخص الخطير وضحاياه الكثر كلما ازدادت مخاوفي، فأنا لا أعرفه حتى أحذر منه، ولا أدري كيف أصنع اذا مر وأصابني بعينه الشريرة ؟!
لم يكن قد مضى على وجودي في المدرسة الريفية بظهرة الجبل الا عدة أيام، ولأني كنت وحيدا في السكن فقد كنت ألح على المدرسين من أبناء المنطقة أن يبقوا معي فأنا لا أعرف أحد هنا، وليس لدي ما أتسلى به.
لقد مللت من تملق المدرسين ليبقوا معي، وليس لدي راديو أو كتب ومجلات، أما التلفاز ففي أواخر التسعينيات لا وجود لكهرباء تشغله ولا عالم يحلله.!
وجدت نفسي ذات مساء وبسبب الضيق الشديد أغلق أبواب السكن وأركب مع أول سيارة متجهة إلى إب.
على الأقل سأشتري راديو وبعض الكتب لأتسلى بها.
جلست بجوار سائق الصالون الذي كان يسعف امرأة مصابة بصمامات القلب، كانت تستنشق بصعوبة كأنها ستختنق وبجوارها زوجها يبدو في حالة مزرية من الخوف والضيق.
ولا أدري لماذا خطرت على ذهني حينها فكرة غريبة وهي أن هذه المرأة ربما تكون ضحية لدبوان ملهي فقد يكون رآها تمشي وصرعها عين تسببت لها بهذا المرض؟!
وأنتزعتني من هواجسي وشرودي أسئلة السائق عني وعن بلادي، وحين عرفته بنفسي وبلادي أكد لي أنه صديق عمي ثم أهداني بعض حزم القات وأقسم أن أمضغها، وبدأ يحدثني بقصته التي زادت من مخاوفي.
قال:
قبل خمس سنوات أشتريت سيارة كانت أول صالون تنقل الركاب إلى العدين وإب فقد كانت كل السيارات شاصات قديمة، عملت بجد وكسبت كثيرا لكني فوجئت بابن عمي مصلح حمود يشتري ثلاث صوالين دفعة واحدة ويشتغل عليها هو وأولاده.!
تركت لهم نقل الركاب وبعت سيارتي وحفرت بئرا وأشتريت مولد ماء وغرست القات في أرضي وبدأت أبيع وأترزق فإذا به يحفر بئرا أكبر ويشتري طرمبة ضخمة ويزرع كل الأرض التي بجوار أرضي بالقات.!
كنت أبيع ربطة القات ب 100 ريال فيبيعها هو بخمسين.!
تركت زراعة القات وفتحت بقالة لأعيش منها فإذا به يفتح مؤسسة كبيرة بجواري.. قاطعته:
_ من أين له كل هذه الأموال؟!
_ من الخياطين ؟
_ إيش ؟
_ أولاده ثلاثة بالسعودية وثلاثة بالإمارات وكلهم من الخياطين المشاهير.
_ عجيب.!
_ المهم يا أستاذ رحت لعند الشيخ وشكوت ابن عمي الذي أعلن الحرب علي كما تحارب دولة بحجم روسيا دويلة بامكانيات جيبوتي.!.
هز الشيخ رأسه وفكر ثم أقترح علي بأن أذهب للمدينة وأفتح دكانا هناك بعيدا عن ابن عمي.!
لم يستطع أن يفعل لي شيئا.!
لقد كاد ابن عمي أن يطردني من البلاد لولا أنني لجأت بعد الله سبحانه وتعالى إلى دبوان ملهي.
ودق قلبي من الخوف عند ذكر الشرير الغامض الذي يترصد بي وقاطعته:
_ دبوان ملهي ؟!
_ أيوه دبوان ملهي.
_ غريبة كيف أنقذك دبوان ملهي وهو الذي يمرع الناس؟!
_ ذهبت إليه ثم دعوته إلى منزلي وأخفيت يومها أولادي الصغار وقطيع الأغنام وكل شيء يمكن أن يصيبه دبوان بنظرة شريرة.
شرحت له كل شيء فمط شفتيه وهز كتفه لامبالاة قائلا:
_ وأنا ما أفعل لك ؟!
وأضاف:
_ لا أنا الشيخ ولا مدير الناحية.
وحينها أخرجت آخر ما أملك، رزمة كبيرة من النقود ولوحت بها قائلا:
_ فكر وشوف كيف ستخارجنا منه ؟
وحين رأى النقود نسي الدنيا وما فيها وأختطفها من يدي كأنه صقر جارح يختطف فريسة صغيرة. ثم أستأذن وغادر.
بعد أيام حدث الشيء الذي لم يكن يخطر ببالي، لقد جاء ابن عمي إلي فجأة وجعل يلاطفني ويعتذر لي ثم باعني هذه السيارة بالتقسيط وخصص بقية سياراته لنقل البضاعة فقط وعدت لنقل الركاب دون منافس.!
_ يعني خاف من دبوان؟!
_ نعم لقد ذهب إليه دبوان وهدده اذا لم ينصفني فإنه سيصيب سياراته وأولاده بعينه، فخاف وتراجع.
وزادت هذه القصة من حيرتي وتعجبي من دبوان وأفعاله.
وكدت أخبر السائق بخوفي أن يصيبني دبوان بالعين لكنني خشيت أن يضحك علي فكيف أخاف وأنا المدرس المتعلم القدوة للناس ؟!
عدت من إب بالراديو والكتب وخوفي من الشرير الغريب ولكنني قررت أن أعتصم بالله وأكثر من الصلوات والأذكار وقراءة القرآن ولن يضرني شيئا بإذن الله.
ومضت الأيام وأنا أقرأ روايات وقصص نجيب الكيلاني وأستمع للإذاعات المختلفة، وكدت أنسى قصة دبوان الا أنني ذات مساء كنت أقرأ بجوار السكن فمر بي رجل مسن محدودب الظهر يتوكأ على عصا ويسعل، سلم علي وطلب مني الماء فسقيته فدعا لي وانصرف.
وبعد أيام مر ذلك العجوز وتحدث معي وسألني عن بلادي فأخبرته فحدثني عن أعمامي وأجدادي وأنه كان يعرفهم ويذهب إليهم ليشتري الذرة قبل أن يعرف الناس القمح المستورد.
وكان يأتيني بعد العصر فأخرج له الكرسي فيجلس ويتحدث حتى مر بنا ذات مرة أحد الشباب وسلم علينا ثم سأله:
_ كيف حالك يا عم دبوان ؟
وما إن سمعت باسمه حتى سقط كوب الشاي من يدي وارتبكت وهجم علي خوف غريب فسألني ببرود:
_ مالك يا ابني ؟!
فترددت للحظات ثم رويت له كل ما سمعت عنه بكل صراحة فضحك. ثم همس لي:
_ ولا تصدق كلمة مما يقولون.
_ يعني كله كذب ؟! مش معقول؟!
_ العين حق وهي جاءت معي مرة قلت كلمة عن سيارة فتعطلت، ومرة قلت كلمة عن شيول فتوقف وكلها إرادة الله.
قاطعته:
_ وإيش قصة الصخرة التي قسمتها نصفين؟
_ الصخرة كانت تلمع بعد المطر وكنا نقف أمام الدكان فقلت:
_ تلك الصخرة كأنها رأس جندي أصلع ويعرق فقرحت حتى سمعها الناس بالقرى المجاورة.
وذهل الناس لكنهم بالغوا.. قاطعته وأنا أضحك:
_ هذا وعادهم بالغوا يا عم دبوان؟!
فقال ببرود:
_ الناس ينشرون عني شائعات، وقد بالغوا واخترعوا قصص وحكايات من عندهم، وأنا بيني وبينك وجدتها لصالحي فأكدت مبالغاتهم.
الآن ولا واحد يرد لي كلمة.
وظل العم دبوان يزورني ونتحدث وأزوره وسط تعجب الجميع ودهشتهم.
وعندما غادرت تلك القرية بعد أعوام من التدريس فيها لم أحزن الا على فراق ذلك الرجل الذي بقيت لأيام أرتعد خوفا منه وأخشى أن يراني ويصيبني بعينه الشريرة.!!
انفجار ( صَرِف) إرهابٌ صَرْف
في ذكرى رحيل الجد الثائر والمناضل أحمد عبده ناشر العريقي
في حضرة المياحي
الصحفي محمد المياحي ومصادرة الحق في الحرية