آخر الأخبار


الأحد 18 مايو 2025
طبعا لم يعد الانتقالي ذاك الكيان الذي هتف الناس باسمه في الساحات، ولم تعد تلك الوجوه التي رفعتها الجماهير بزخم الحلم الثوري تحمل الملامح نفسها.
صدقوني هناك انكسار في الروح، وتصدعات في الجدار، وأصوات داخلية تتساءل: ماذا حدث؟ أين ذهب نقاء البدايات؟ من الذي أفرغ الفكرة من مضامينها الثورية وحولها إلى "زكائب مال" وقرارات مشفوعة بصكوك مدفوعة الثمن؟
والشاهد أن الانتقالي، الذي نشأ على أنقاض الخذلان، مطالب اليوم بأن يعترف أنه انحرف عن المسار.
وليس العيب في الاعتراف، بل في المكابرة وتزيين الخلل بورق التوت الوطني، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن بعض من يتصدرون المشهد أثروا من نهب الأراضي، وراكموا ثروات بفضل علاقات مشبوهة مع جهات إقليمية، ثم لبسوا عباءة "الثورية" للمتاجرة بالقضية.
بمعنى أدق فإن الخطاب الذي كان يلهب الجماهير، خلع قدرته على الحشد، وتخشب في جمل ميتة تكرر نفسها بلا روح. صارت الجماهير تسمعه ولا تصدقه، تراه ولا ترى فيه تمثيلها، تصمت لا اقتناعاً، بل لأنه لم يعد هناك ما يُقال في حضرة الخيبة والترهيب!
على إن المشكلة الأعمق لا تكمن في تردي الخدمات أو تآكل المؤسسات، بل في تغول الفرد، في تسيد النمط الواحد، في صناعة طبقة سياسية ناعمة ومترفة، تستهلك الثورة كديكور دون أن تعيشها.
أعني إن صار "القائد الضرورة" هو البديل عن العقل الجماعي، والقرار مسيج بثقافة "أهل الثقة" لا "أهل الكفاءة"، وتمت مصادرة السياسة وتحويلها إلى امتيازات مغلقة، تتوزعها الوجوه ذاتها، بينما يتم استعداء القواعد التي رفعتهم.
على إن هذه النخب الناعمة، التي تمشي على سجاد من الامتيازات، لا تعرف التعب، ولا الجوع، ولا الخوف، ولا صفوف الانتظار.
بل كيف يمكن لها أن تفهم غضب الناس؟ كيف يمكن لها أن تُقنع أحداً بأنها ما تزال تمثل طموحات الحواضن الشعبية؟ وكيف يمكن بالتالي لوجوه غارقة في الترف أن تزعم قيادة كفاح مرير؟
تذكروا حين يدخل الأمن على خط القمع، فهذه ليست إدارة أزمة، بل تصنيع لانفجار. القمع لا يسكت الجياع، بل يصنع منهم كتلاً صلبة متصادمة. الصوت المكمم لا يختفي، بل يتحول إلى صدى يتردد في جدران الغضب حتى ينفجر.
ولقد آن للانتقالي أن ينظر في مرآته ويقول بصدق: هذا ليس نحن. هذا ليس ما حلمنا به. عليه أن يخلع الأقنعة، ويستأصل من داخله ما فسد، ويعود إلى بداياته النقية، اذ كانت القلوب تتشارك كسرة الخبز، لا غنائم السلطة. وحيث الساحات، لا موائد المؤتمراتت : حيث الرمز هو من يمشي حافياً لا من يلبس البذلات الفاخرة ويخطب من برج عاجي.
بمعنى أدق على الانتقالي أن يعترف: نحن لسنا ملائكة. لقد أخطأنا. لقد انحرفنا. لقد خذلنا جزءاً من أحلام من آمنوا بنا. الاعتراف شجاعة، والمكاشفة دواء، أما إنكار الغضب فهو مجازفة ستقود إلى قطيعة لا رجعة فيها.
والحق يقال ليس هناك مشروع وطني محصن من السقوط، إلا إذا اختار أن يتجدد من داخله. ولعل أكبر خطر على الانتقالي اليوم ليس خصومه، بل من يمدحونه كذباً، ويزينون له فشله، ويصنعون من رماده وهم الانتصار. فخصمك غبي فقط إذا لم يستثمر ارتباكك، أما إذا وجدك تائها، منغلقاً، متعجرفاً، متعالياً على قواعدك، فسيدفعك إلى الانهيار بيدك لا بيده.
لنخلص إلى أن ما يحتاجه الانتقالي اليوم هو ثورة في داخله، قبل أن تتفجر ثورة عليه. يحتاج إلى أن يُعيد للناس صوتهم، ويسمع أسئلتهم، ويجيب بلا مواربة: لماذا تراجعتُم؟ من سرق الحلم؟ وأين ذهب الوعد؟
فإذا لم يفعل، فإن كرة النار ستكبر، وستتدحرج... ولن تُبقي لأحد ظلا يحتمي به.!
لماذا ترفع العقوبات عن دمشق؟
خلاصة نضال اليمنيين
الوحدة اليمنية: المجد الجريح الذي لا يموت
الصالون الرئاسي
محافظ تعز وهدم الكعبة المشرفة