آخر الأخبار


الثلاثاء 20 مايو 2025
في ذاكرة الأدب اليمنى تحضر رواية الأديب الراحل محمد احمد عبدالولى (صنعاء مدينة مفتوحة) كواحدة من أبرز الأعمال الادبية اليمنية. وهو عمل أثير حوله الكثير من الجدل السياسى، وخلد اسم كاتبه الذى قضى مع ثلة من الدبلوماسيين اليمنيين فى انفجار طائرة شهير 30 أبريل 1973.
ولست بصدد الغوص فى تفاصيل الرواية التى خُلدت فى ذاكرتنا، وكاتبها الذى شكل أهم ملهمى الإبداع فى اليمن. ولكن الحديث اليوم عن صنعاء التى غدت مدينة مغلقة، لا ضوء يمرُق إليها ولا صوت يأتى منها.
بدأ وانتهى (مؤقتا على ما يبدو)، القصف الجوى على ( مدينة سام )، كما يفاخر بها اليمنيون، وميليشيات الحوثى تكتم أنفاسها. وهاهى اليوم تعانى حالها الذى شوهته أيادى البسط الأخير، ولا شىء هناك يُسمع غير دوى الصمت والقصف، لا يسمح بالحديث عما يجرى فيها ولا حتى من باب التضامن.
الحوثيون أصدروا تعليمات مشددة عبر كل منابرهم بالتزام الصمت، وأن كل حديث عن صنعاء ولو من باب رسائل الهاتف الخاصة بالسؤال عن الحال تعد خيانة، وكل شكوى من واقع الأحوال عمالة، وكل هاتف يكتب عبارة عن ذعر القصف جريمة مصيرها الإخفاء الفورى، وظهر عجز الإعلام بمختلف صنوفه فى صنعاء، حيث لا معلومة مؤكدة غير حالة الرعب. تُقصف المدينة فيسارع الحوثى لنشر صور غزة، ليهرب من أى ضوء أو حديث عن صنعاء. وحتى المؤيدون لمسار تمرد الحوثى لا يجرؤ أحدهم على أن يتحدث عما يجرى ناهيك عن نقل الخبر ونشر الصورة.
ففى صنعاء لا صوت يعلو على صوت القائد الغائب فى كهوف لا مستقر لها، ولا بيان غير ذلك الذى يأتى بصوت كرتونى حاد يعيد نفس العبارات الثلاث المكررة عن انتصارات لا أثر لها فى الواقع.
هنا الصمت سيد الموقف، والشك يطيح بالجميع، بمن فيهم المحسوبون على الحركة المتمردة، ومرد ذلك هو البناء السرى الذى قامت عليه الحركة.
ولمن لا يعرف تفاصيلها فهى حركة عسكرية مُغلقة لها واجهة سياسية محدودة التأثير على القرار الداخلى فيها. وليس العكس كما هو حال التنظيمات السياسية، التى تبقى حركة سياسية مفتوحة وإن كان لها ذراع عسكرية سرية نحن فى واقع مغاير هنا، أكثر تعقيدا من هيكلية حزب الله، لخصوصية اليمن ووضعها الجغرافى الصعب.
فهذا البناء الهرمى للميليشيات المغلق، محكوم بالسرية المطلقة، ولا نشر أو حديث حول مسئولى مفاصل العمل داخل التنظيم، لذا يبقى الحديث عن تفاصيل التنظيم الحوثى، وطبيعة دعوته مثار جدل، لغموض لا يفهمه البعيد عن واقع اليمن الأكثر تعقيدا من غيره.
ولكنه محكوم بنظرة مذهبية أكثر فاشية مما نتوقع، فالحوثى الذى تراه فى منصات عربية مقارعا للعدوان الإسرائيلى، يعرفه اليمنيون على حقيقته التى هى ضدهم أولا وأخيرا، ويشعر اليمنى بغصة مضاعفة وهو يوضح الصورة للأشقاء العرب (حسنى النية) من أن الموقف اليمنى ضد الكيان الصهيونى، هو موقف أصيل للشعب اليمنى، وتجسد ذلك بعشرات السنوات من النضال المستمر، ومن مختلف فصائل العمل السياسى فى اليمن، والفصيل الوحيد الذى لم يكن مع هذا الخندق بجدية حتى سنة خلت، هو ميليشيات الحوثي. والآن صار فجأةً متصدرا القضية، باعثا الغُصة لدى اليمنيين، فى اختطافه راية فلسطين عنهم، كما اختطافه العاصمة صنعاء منهم. وصعب على المتابع غير اليمنى (حسن النية) إدراك تفاصيل هذا المشهد، أما الجانب الآخر الأكثر ألما فهو فى منهجية الميليشيات المدمرة القائمة على تفتيت المجتمع اليمنى، بروح طائفية لم تكن معهودة، وحالة الانتقام المستمر من كل منجز يمني. لذا عندما ضربت إسرائيل الأسبوع قبل الماضى أبرز المنشآت اليمنية من مطار صنعاء، وميناء الحديدة، ومصانع الأسمنت لم ير الحوثى بذلك خسارة له، فتلك لا تعنيه.
ويكفى أن نعرف شيئا عن ملف الإخفاء القسرى الذى يعد كارثة حوثية، حيث تم اختطاف وإخفاء عشرات الصحفيين والكتاب، وآلاف الأبرياء. منذ أكثر من سبع سنوات، وهناك أكثر من 70 موظفا دوليا وناشطا منذ مطلع يونيو 2024 فقط، فى سجون ومعتقلات ميليشيا الحوثي. بينهم موظفو وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. وهذا الأسبوع صارت الوشاية كافية باختطاف المارة والسكان، خاصة إذا كانوا من محافظات يمنية بعينها، على أساس جهوى ومذهبي.هذا جزء من الصورة التى لا يتحدث عنها أحد فى الإعلام الدولي.
أما القول عن معركة البحر الأحمر ومنع التجارة الدولية، فاليمنيون يرون الأمور على غير شكوى العالم، فالمعركة تسببت فى عسكرة مياه البحر والمحيط التابعة لليمن، وغدت عذرا لأكبر تجمع عسكرى عالمى، وأخيرا سلم الحوثى الأمر وجعل البلد الكبير يذهب بجريرته، ليبقى بلدا منهكا، دُمَرت كل قدراته ومنشآته، موصوما بالإرهاب، وهو شعب بريء من كل ذلك. لكنها لعبة الأمم التى تجعل من بلد محورى ساحة للتصفيات الدولية، ومختبرا للاسلحة وجنون الإرهاب.
صنعاء مدينة مغلقة!
نبيل شمسان محافظ بلا ضمير
حفلة تخرج أم حفلة "ردة"؟!
ضحك تحت الضغط.. قصة من شوارع القاهرة